تونس- تحتفل تونس في 13 أغسطس/آب بالعيد الوطني للمرأة، وهي مناسبة غالبا ما تُوظف لتسليط الضوء على إنجازات ومكتسبات المرأة التونسية، في حين تخفي هذه المناسبة خلفها معاناة حقيقية لنساء تأثرت حياتهن بالتحولات السياسية التي اندلعت مع التدابير الاستثنائية للرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.
وأعقبت هذه التدابير التي مضى عليها أكثر من 4 سنوات موجة اعتقالات ومحاكمات استهدفت قيادات معارضة ونشطاء مجتمع مدني بتهم " التآمر على أمن الدولة" ، وأدت إلى سجن العديد من أزواج وأشقاء هؤلاء النساء، اللاتي أصبحن يتحملن وحدهن مسؤولية دعم أزواجهن وأسرهن في غياب أي دعم نفسي أو اجتماعي.
وفي شهر أبريل/نيسان 2025، أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس أحكاما ابتدائية بالسجن تتراوح بين 4 و66 سنة، في ما يعرف إعلاميا بقضية "التآمر"، وقد شملت ما لا يقل عن 37 متهما، منهم أمناء ورؤساء أحزاب وقيادات بارزة، اعتقلوا في حملة مداهمات لمنازلهم في فبراير/شباط 2023.
كما شنت السلطات التونسية حملة اعتقالات أعقبتها محاكمات ناشطات وإعلاميات على غرار المحامية سنية الدهماني بموجب المرسوم 54 الذي سنه الرئيس سعيد لمكافحة نشر الأخبار الزائفة، وأصبح، وفق المراقبين، سيفا مسلطا على كل منتقدي سياساته، فضلا عن محاكمة ناشطات يدعمن قضايا المهاجرين.
وأدت هذه الاعتقالات إلى سجن العديد من النشطاء، سواء كانوا رجالا أم نساء. ولكن في جميع الحالات، تقف النساء بمفردهن في مواجهة معاناة إنسانية مضاعفة لتحمل مسؤولية مرهقة لرعاية أسرهن.
من هؤلاء النساء تبرز منية إبراهيم زوجة القيادي المستقيل من حركة النهضة الإسلامية عبد الحميد الجلاصي، المحكوم عليه في الطور الابتدائي بالسجن 13 سنة في قضية التآمر على أمن الدولة.
تبلغ منية ستين عاما، وتقضي أيامها الحزينة في إرهاق متواصل يتجاوز حدود التعب النفسي والجسدي.
بالنسبة إليها ليس عيد المرأة مناسبة للاحتفال، بل مناسبة بلا معنى تذكرها بمعاناتها اليومية مع اعتقال زوجها "ظلما" منذ أكثر من عامين ونصف في سجن المرناقية بالعاصمة. تقول للجزيرة نت، "عن أي احتفال تتحدث؟".
يذهب معظم وقتها في إعداد "القفة" أو السلة التي تحتوي على الطعام والملابس لزوجها، والساعات الطويلة من الانتظار خلال زيارات السجن، وهو روتين أسبوعي متكرر يستهلك طاقتها ويتركها منهكة جسديا ونفسيا.
تضيف منية في حديثها للجزيرة نت، أن زيارة سجن المرناقية بالعاصمة رحلة شاقة تبدأ بالتنقل وسط السجن سيرا على الأقدام مسافة طويلة محملة بالأغراض الثقيلة من الطعام والملابس لزوجها سواء تحت الشمس أم المطر.
داخل السجن، تنتظر هذه المرأة طوابير طويلة ساعات مضنية في غرفة ضيقة صاخبة بصراخ الأطفال وتوتر الزوار، وبعد أجواء ثقيلة مشحونة بالضجر والملل والتعب، لتلتقي دقائق معدودة فقط بزوجها.
هذا العبء الكبير تتقاسمه منية إبراهيم مع شعور بالوحدة، إذ إن ابنتها تقيم بالخارج ومنعتها هي من العودة خوفا عليها من أن يصيبها مكروه في ظل النظام الحالي، مما يزيد من شعورها بالعزلة والإنهاك.
وفضلا عن كل هذا الجهد تشارك منية في جميع الوقفات الاحتجاجية لعائلات المساجين السياسيين لإيصال صوت زوجها إلى درجة أنها أصبحت لا تشعر بأنها امرأة إذ يغلب على شعورها الغبن والتضحية المستمرة.
ورغم هذه الأعباء، تواصل منية صمودها في صمت. تقول "لقد تحولت المعركة من معركة شخصية إلى معركة وطنية تهدف إلى استعادة الديمقراطية والدفاع عن الحقوق والحريات، واسترجاع قيمة المواطنة في تونس".
وترى منية أن السلطة الحالية اختارت طريق القمع بسجن المعارضين بتهم ملفقة بلا أدلة ملموسة، وتجد نفسها أمام خيارين صعبين إما تكريس حياتها كلها لهذه القضية متخلية عن ذاتها كامرأة وإنسانة، أم أن ترك القضية وعيش حياتها الخاصة بحرية، لكنها اختارت التضحية من أجل الحرية والعدالة، وفق تعبيرها.
وتتساءل منية بمرارة عن واقع المرأة في تونس اليوم، معتبرة أن الدولة التي تحترم المرأة يجب أن تكرمها، بينما الواقع يؤكد أن كثيرات منهن إما داخل السجون أم منهكات في حمل "القفة" وزيارات السجون.
وعلى غرار منية إبراهيم تواجه المحامية دليلة بن مبارك مصدق، شقيقة السجين والقيادي بجبهة الخلاص المعارضة واستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، واقعا مريرا في ظل الأزمة السياسية الراهنة.
تقول دليلة للجزيرة نت، إن الاحتفال بعيد المرأة التونسية في 13 أغسطس/آب كان في السابق يوما للاحتفاء بتطور المرأة ومكتسباتها، لكنه اليوم يأتي محملا بالحزن والمرارة، مع وجود سيدات من خيرة نساء تونس في السجون بسبب آرائهن ودفاعهن عن الحريات والديمقراطية، بحسب تعبيرها.
كمحامية، اضطرت دليلة إلى إغلاق مكتبها لتتمكن من زيارة شقيقها وبقية المساجين السياسيين الذين نُقلوا إلى سجون نائية بعيدة عن العاصمة تونس، مما يتطلب منها تخصيص خمسة أيام في الأسبوع لتلك الزيارات، وهو ما يشكل ضغطا نفسياً وجسديا هائلا وحرب أعصاب متواصلة.
وتشارك دليلة في تحضير "القفة" التي تحتاج إلى يومين من الكد على الأقل أسبوعيا لتحضير الطعام لشقيقها، قبل أن تواجه عدة ساعات من الانتظار في طوابير السجون، وسط معاناة لا مبرر لها، كما تقول.
وتتحدث دليلة عن نقمة وخيبة أمل بالغة تشعر بها عند رؤية أشخاص مسجونين لم يرتبكوا أي ذنب سوى دفاعهم عن الحقوق والمواطنة، في حين "تستخدم السلطات التهم الملفقة بلا أدلة أداةً لقمع المعارضة".
وتعبر هذه المرأة عن شعور بالغضب تجاه النظام، إذ ترى أن الوضع يخلق مشاعر النقمة والغضب، ويجعل من الاحتفال بعيد المرأة مناسبة مكرسة للحزن لا للفرح، خاصة في ظل التضييق والملاحقات التي تتعرض لها المحاميات والنشطاء.