آخر الأخبار

تحقيق مع أمناء مساجد في بريطانيا لانتقادهم إسرائيل

شارك

لندن- في خطوة أثارت جدلا واسعا بين الأوساط الإسلامية والمدنية، أعلنت مفوضية الجمعيات الخيرية البريطانية فتح تحقيق رسمي جديد مع جمعية "عبد الله كويليام" في مدينة ليفربول، على خلفية خطبة جمعة ألقاها الإمام أجمل مسرور نهاية يونيو/حزيران الماضي، تضمنت انتقادات للسياسات الحكومية واللوبي الإسرائيلي، ودعوات صريحة لتفكيك إسرائيل، وإنشاء دولة متعددة الأديان في فلسطين .

وجاء التحقيق استنادا إلى ما وصفته المفوضية بمخاوف من "محتوى سياسي وانقسامي وتحريضي" لا يخدم أهداف جمعية "عبد الله كويليام"، التي تُعد من أقدم المؤسسات الإسلامية المسجَّلة في بريطانيا ، وتأسست بهدف ترميم أول مسجد بريطاني أقامه المفكر المسلم عبد الله كويليام في القرن الـ19، وتُعنى بنشر الإسلام والتعريف بتراثه في المجتمع البريطاني.

لكن منظمات حقوقية ومسلمين في بريطانيا يرون أن هذا التحقيق ليس مجرد إجراء قانوني، بل جزء من نمط متصاعد لما وصفوه بـ"الهندسة المجتمعية"، التي تهدف إلى إعادة تشكيل الخطاب الإسلامي العام في البلاد، وإخضاعه لمعايير سياسية تحدد ما هو مقبول رسميا وما يُعتبر متجاوزا للحدود، لا سيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وتعتبر مفوضية الجمعيات الخيرية البريطانية مؤسسة حكومية تتولى مسؤولية تسيير وترخيص أعمال الجمعيات الخيرية، كما تتولى مهمة مراجعة أنشطتها والتحقيق والتحكم والفصل في القضايا المتعلقة بها.

تراكم التحذيرات

التحقيق الأخير جاء بعد بث الجمعية لمقطع مصور للخُطبة التي هاجم فيها الإمام مسرور ما وصفه بـ"التواطؤ الحكومي مع الاحتلال الإسرائيلي"، وانتقد دعم شخصيات بريطانية نافذة لإسرائيل، متهما بعض الوزراء بتلقي تمويل من "اللوبي الإسرائيلي".

كما وجّه انتقادات حادة للحاخام الأكبر في بريطانيا إفرايم ميرفيس، الذي يتعرض بدوره لموجة حادة من الانتقادات من يهود بريطانيين يرفضون أن يتحدث باسم كل يهود بريطانيا، ولام الخطيب بعض القادة المسلمين على "صمتهم أو خيانتهم للقضية الفلسطينية"، وفقا لنص الخطبة الذي نشرته وسائل إعلام محلية.

إعلان

وسبق أن تلقت الجمعية تحذيرا رسميا بتاريخ 12 يونيو/حزيران الماضي، بسبب خُطبة ألقاها الشيخ هارون حنيّف في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصف فيها تغطية هيئة الإذاعة البريطانية " بي بي سي " للحرب على غزة بـ"الأكاذيب الكاملة"، وقال إن المسلمين إذا "تحركوا مجتمعين فستنتهي إسرائيل"، في تعبير اعتبرته المفوضية مخلا بالقواعد المنظمة للعمل الخيري.

وبحسب مفوضية الجمعيات الخيرية، فإن هذه الوقائع المتكررة "تثير مخاوف جدية بشأن التزام الجمعية بواجباتها القانونية"، لا سيما في ما يتعلق بفصل النشاط الديني عن التعبير السياسي الحاد، وبضمان أن تكون كل أنشطة الجمعية "في مصلحة أهدافها الخيرية".

وبموجب الصلاحيات الممنوحة للمفوضية في قانون الجمعيات الخيرية لعام 2011، أصدرت المفوضية أمرا يحظر بث أو تنظيم أي خطابات أو فعاليات في مقر الجمعية أو عبر منصاتها، إذا كانت لا تخدم أهداف الجمعية أو تُعدّ مضرّة بمصلحتها.

مصدر الصورة منظمات حقوقية إسلامية ترى أن هذه الإجراءات تهدف إلى إعادة تشكيل الخطاب الإسلامي (الأناضول)

ازدواجية المعايير

أكد مسعود شجرة رئيس المركز الإسلامي لحقوق الإنسان، وهي جهة رقابية من المجتمع المدني الإسلامي، أن "المفوضية تمارس ازدواجية واضحة في تطبيق القانون، حيث تتعامل بصرامة شديدة مع الجمعيات الإسلامية، في حين تُغضّ الطرف أو تتخذ إجراءات أخف بكثير بحق جمعيات موالية لإسرائيل، متهمة بجمع تبرعات لصالح الجيش الإسرائيلي ".

وأوضح رئيس المركز للجزيرة نت أن "المفوضية تقوم باستخدام القانون كأداة لتقييد الأصوات الإسلامية، خصوصا بعد تصاعد التضامن الشعبي البريطاني مع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخروج مظاهرات شعبية ضخمة تندد بالحرب الإسرائيلية وبتواطؤ الحكومة البريطانية".

وقال إن المركز الإسلامي لحقوق الإنسان قام بدوره بإرسال رسالة رسمية إلى المفوضية، اطلعت عليها الجزيرة نت، وجاء فيها "يبدو أنكم تفتحون القضايا ضد الجمعيات الإسلامية بناء على شبهات لا تتوفر فيها أدلة قوية، بينما تتعاملون بتساهل مع جمعيات تنتهك القانون بشكل واضح، وتدعم جيوشا أجنبية".

وأضاف أن "هذه الازدواجية تُعدّ تمييزا على أساس الدين والانتماء العرقي، وتُقوض الثقة بين المسلمين والمؤسسات الرقابية في الدولة".

ويرى خبراء ومراقبون في المجلس الإسلامي لحقوق الإنسان أن جوهر الأزمة لا يقتصر على فتح التحقيقات، بل في مدى توازن الإجراءات، ومدى تأثيرها الردعي على أمناء الجمعيات، الذين بدؤوا -بحسب تقارير- في ممارسة الرقابة الذاتية خوفا من التعرض للتحقيق أو فقدان الترخيص.

وأكد هؤلاء في بيان لهم أن "استخدام مصطلحات مثل الخطاب السياسي التحريضي، دون تعريف واضح، يسمح بتأويلات قانونية قد تُستخدم لكبح أي رأي يُخالف التوجه الرسمي، خصوصا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية".

في حين أوضح رئيس المركز أن لديه مخاوف عميقة من "هندسة مجتمعية تريد تشكيل وتحديد ما هو الإسلام المقبول رسميا للحكومة البريطانية، أو أن يملى على المسلمين ما هو مقبول أو لا".

مصدر الصورة مظاهرة سابقة مناهضة للعنصرية والإسلاموفوبيا في العاصمة البريطانية لندن (شترستوك)

تبرير المفوضية

نقلت الجزيرة نت هذه الادعاءات للمفوضية، التي انتقدت بدورها هذه المزاعم، ووضحت أن تقارير صحفية كشفت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن جمعية "شاباد لوبافيتش" أنشأت حملة تبرعات عبر الإنترنت لصالح جندي يخدم في الجيش الإسرائيلي، وهو ما اعتبرته المفوضية أمرا "غير قانوني"، لكنها اكتفت بتوجيه إنذار داخلي، دون فتح تحقيق رسمي أو إصدار تحذير علني.

إعلان

كذلك، خضعت جمعية "ذا بويز كلب هاوس" لمراجعة بسيطة للتأكد من مدى تطبيقها للنظام بصورة صحيحة، وذلك على خلفية دعوتها لجندي بريطاني قاتل في غزة لإلقاء محاضرة موجهة للمراهقين في لندن.

ونفت المفوضية كل الاتهامات بالتحيّز أو التمييز، وأكدت للجزيرة نت أنها تتعامل مع جميع الجمعيات وفقا للإطار القانوني، وقالت المتحدثة الرسمية باسم المفوضية إن "حرية التعبير لا تتعارض مع عملنا الرقابي، ولكننا نضمن أن يُستخدم هذا الحق بما يخدم أهداف الجمعيات ومصلحة المجتمع، التحقيق لا يعني وجود مخالفة، بل هدفه هو فهم الوقائع".

وأضافت "لقد اتخذنا إجراءات ضد جمعيات تدعم الجيش الإسرائيلي أيضا، لكننا نُعلن عنها بطريقة تتماشى مع القانون وخصوصية كل حالة".

في المقابل، تؤكد بيانات المركز الإسلامي لحقوق الإنسان أن المفوضية أغلقت شكوى ضد جمعية "ستاند وذ أس" خلال 6 أشهر فقط، بينما لا تزال الشكاوى المفتوحة ضد عدد من منظمات إسلامية مستمرة منذ سنوات، دون تقديم نتائج أو قرارات نهائية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل أمريكا سوريا لبنان

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا