لطالما أثار وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، الجدل طوال مسيرته القصيرة في الحكومة، بل حتى قبل ذلك بعقود.
ومؤخراً، أثار بن غفير غضباً واسعاً بعد صلاته في موقع متنازع عليه في القدس الشرقية المحتلة، منتهكاً بذلك اتفاقيةً قائمة منذ عقود، في أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.
وتُظهر صور ومقاطع فيديو لزيارته للمكان المقدس - الذي يُعرف عند المسلمين بالحرم الشريف، وعند اليهود باسم جبل الهيكل - وهو يؤمُّ الصلوات اليهودية في باحات المسجد الأقصى.
ويُسمح لليهود بزيارة الموقع، لكن لا يُسمح لهم بالصلاة فيه.
وزار بن غفير الموقع عدة مرات من قبل، لكنه لم يُصلِّ فيه علناً، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
ويقول مراقبون إن الزيارة تُشبه زيارة أرييل شارون - زعيم المعارضة السابق في إسرائيل - إلى نفس الموقع قبل 25 عاماً، ويُعتقد أن تلك الزيارة أشعلت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وفي عام 2021، زار بن غفير حي الشيخ جراح الفلسطيني، الذي تحول لمنطقة عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة - حيث هُدد عشرات السكان بإجبارهم على إخلاء منازلهم لإفساح المجال للمستوطنين اليهود.
وتُشكل هذه الحوادث جزءاً من تاريخ بن غفير الحافل بالنشاط الاستفزازي والمثير للجدل.
وهذا ليس مفاجئاً، كما تقول الدكتورة ليوني فلايشمان، المحاضرة في السياسة الدولية وحقوق الإنسان بجامعة لندن، التي ترى أن الزيارة الأخيرة "تتوافق مع كل ما قاله سابقاً وتاريخه، وأيديولوجيته، ومعتقداته الدينية. لديه قضيةٌ حاضرةٌ في ذهنه"، كما توضح.
فكيف تمكن شخص كان ينشط لسنوات طويلة ضمن هوامش المجتمع الإسرائيلي، من أن يتصدر هذا المشهد المؤثر؟
تُرجع الدكتورة فلايشمان السبب إلى عاملين رئيسيين: آلية عمل النظام الانتخابي الإسرائيلي، والوضع الراهن في غزة.
فقد مُنح بن غيفر حقيبة الأمن القومي الرئيسية في الحكومة الإسرائيلية عام 2022، بعد الانتخابات التشريعية التي فاز فيها حزبه اليميني المتطرف، "عوتسما يهوديت" أو "القوة اليهودية"، بالشراكة مع حزب يميني متطرف آخر، وهو "الصهيونية الدينية"، بـ 14 مقعداً.
واستقطب بن غفير دعم الشباب الإسرائيلي اليميني، وانضم إلى ائتلاف بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كان بحاجة إلى أصوات للبقاء في السلطة. كما يُنظر لبن غفير على أنه يتمتع بنفوذ أيديولوجي كبير على الحكومة.
وتقول الدكتورة فلايشمان: "لقد مثّلت غزة فرصة حقيقية، لأن نتنياهو يريد التشبث بالسلطة، ولتحقيق ذلك، فقد منح نفوذاً متزايداً لصانعي الملوك - الذين يضمنون بقاءه في السلطة نوعاً ما".
ووُلد بن غفير في القدس لعائلة من أصول عراقية عام 1976، ولم يخدم في الجيش الإسرائيلي عندما كان في سن الثامنة عشرة، وهو ما كان يُعتبر - في العادة - عائقاً انتخابياً رئيسياً في طريقه. لكنه قال سابقاً إن الجيش الإسرائيلي لم يسمح بانضمامه بسبب آرائه السياسية.
وتبلور موقف بن غفير الأيديولوجي المتشدد من خلال انخراطه منذ صغره في حركة كاخ المتطرفة، التي أسسها الحاخام مائير كاهانا الذي اغتيل في نيويورك عام 1990.
وهي الحركة السياسية الإسرائيلية الوحيدة التي صُنفت رسمياً كمنظمة إرهابية، وحُظرت في كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
وتبنت الحركة أيديولوجيات قومية متشددة ومعادية للفلسطينيين، وقد قَتل أحد مؤيديها، وهو الطبيب الأمريكي الإسرائيلي باروخ غولدشتاين، ما لا يقل عن 29 فلسطينياً في المسجد الإبراهيمي عام 1994.
ويُقال إن صورة غولدشتاين معلّقة في منزل بن غفير، وقد اتُهم بن غفير نفسه بالتحريض على أعمال عنف ضد الفلسطينيين وبارتكابها، ثماني مرات، بما في ذلك إدانته عام 2007 بالتحريض على الكراهية العنصرية ودعم المنظمات الإرهابية.
وبحسب معتقدات بن غفير، فإن إسرائيل دولة قومية يهودية صهيونية، كما يعارض قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
وفي الماضي، أيّد بن غفير عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، ودعا إلى الطرد القسري للمواطنين العرب "غير الموالين لإسرائيل" من البلاد، وفقاً لصحيفة تايمز أوف إسرائيل.
ومنذ انضمامه إلى الحكومة، دعا في أكثر من مناسبة إلى احتلال إسرائيل لقطاع غزة بأكمله، وتشجيع ما وصفه بـ"الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من القطاع.
وفي يونيو/حزيران، أعلنت أستراليا والنرويج وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة عن عقوبات مشتركة ضد بن غفير، إلى جانب وزير يميني متطرف آخر، هو بتسلئيل سموتريتش، بسبب "التحريض المتكرر على العنف ضد الفلسطينيين" في الضفة الغربية المحتلة.
وفي الشهر التالي، منعت هولندا وسلوفينيا بن غفير من دخول البلدين، وأشارتا إلى انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان والوضع المتدهور المستمر في غزة.
ومع ذلك، يواصل بن غفير اتخاذ موقف متشدد بشأن القضايا الأمنية.
وفي أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على مستشفى سوروكا في مدينة بئر السبع في يونيو/حزيران، دعا بن غفير إلى إلحاق "هزيمة" بـ"كل من يكره دولة إسرائيل" و"إبادة" النظام في إيران.
ومنذ انضمامه إلى الحكومة الحالية عام 2022، بدا أن بن غفير يسعى لإعادة تصوير نفسه كسياسي تقليدي.
ووصف ذات مرة مسيرات الفخر لمجتمع الميم عين، بأنها "مكروهة". أما الآن، فهو يقول إنه سيقبلهم إذا كان أحد أبنائه الستة ينتمي إليهم، لكنه يُصر على أن الزواج في إسرائيل يجب أن يبقى خاضعاً لقيود الدين اليهودي الأرثوذكسي.
فهل يمكن اعتبار تحركات بن غفير هذه محاولة لتوسيع قاعدة دعمه محلياً، مع التركيز على ما سيأتي بعد نتنياهو؟
إن ذلك مستبعد، كما تقول الدكتورة فلايشمان، التي تضيف: "لا أعتقد أنه يحتاج بالضرورة إلى تعديل موقفه لكسب الدعم. لقد تحول المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين على مر السنين. كان بن غفير مستفزاً ومعادياً للفلسطينيين قبل [حرب] غزة. والآن، وقد شهد الإسرائيليون حرباً كانت وشيكة مع إيران، سيظلون يبحثون عن شخص يحميهم في هذا العالم الجديد والواقع الجديد".