أقرّت الكويت سلسلة تعديلات قانونية قالت السلطات الكويتية إنها تتناسب مع التزاماتها الدولية، منها إلغاء الأسباب التخفيفية لما يعرف بـ"جرائم الشرف".
من أبرز هذه التعديلات مرسوم يقضي بإلغاء المادة 153 من قانون الجزاء. وكانت تمنح هذه المادة أسباباً تخفيفية للعقوبة في قضايا ما يعرف بـ"جرائم الشرف"، حينما يقتل الرجل زوجته أو والدته أو ابنته أو اخته، في حال مفاجأته لها متلبّسة بما يسمّى بـ"جريمة الزنا".
وتنص المادة 153 من قانون الجزاء على أن "من فاجأ زوجته حال تلبّسها بالزنى، أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته حال تلبسها بمواقعة رجل لها، وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو يواقعها، أو قتلهما معاً، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تتجاوز 45 دولار أمريكي أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ووفق المذكرة الإيضاحية لمرسوم قانون رقم 9 لسنة 2025، فإن إلغاء المادة 153 "يأتي انسجاماً مع المادة 29 من الدستور الكويتي"، التي تنصّ على أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين".
وجاء في المذكرة الإيضاحية أيضاً أن المادة 153 كانت تعطي عذراً قانونياً مخفّفاً لعقوبة الرجل عند ارتكابه جريمة قتل الزوجة أو الأم أو الإبنة أو الأخت في حال مفاجأته لها متلبّسة بجريمة الزنا، وأضافت المذكّرة أن قصر هذا العذر على الرجل دون المرأة يشكّل تمييزاً بينهما بسبب الجنس ويتعارض مع المواثيق والاتفاقيات الدولية ولاسيما الإعلان العالمي لحقوق الانسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وما زالت بعض المجتمعات العربية تعطي أسباباً تخفيفية للرجال الذين يرتكبون ما يسمّى بجرائم الشرف بهدف "غسل العار".
غير أنه لا توجد إحصائيات رسمية حول معدّل هذه الجرائم في الكويت. إلا أن حالات قتل كثيرة حصلت في الكويت من قبل رجال ولم يعاقبوا عليها بسبب المادة 153، علماً أن هناك قانوناً آخر يسمّى "قانون الزنا" (المادة 195 و196) في قانون الجزاء الكويتي والذي يعاقب الشخص المتزوج (سواء كان امرأة أو رجلاً) بالحبس وبغرامة مالية.
فالمادة 195 نصّت على أن "كل شخص متزوّج – رجلا كان أو امرأة ـ اتصل جنسياً بغير زوجه، وهو راض بذلك، وضُبط متلبساً بالجريمة، يعاقَب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تتجاوز خمسة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين".
أما المادة 196 فقد نصّت على"يعاقب شريك الزوجة الزانية وشريكة الزوج الزاني، إذا كان كل منهما يعلم أو يستطيع أن يعلم أن من زنا معه متزوج، بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين".
المحامية الكويتية والناشطة الاجتماعية والمدافعة عن حقوق المرأة نيفين معرفي قالت إن هذه التعديلات الجديدة "أثلجت صدورنا نحن من نعمل في مجال القانون إذ أن كثيراً من القوانين كانت بحاجة إلى تعديل وتنقيح".
واعتبرت معرفي في مقابلة مع بي بي سي عربي أنّ نص المادة 153 من قانون الجزاء كان يظلم المرأة وبالتالي فإن إلغاء هذا النص كان ضرورياً برأيها لاسيما أن الدستور الكويتي ساوى بين حقوق وواجبات الرجل والمرأة.
وأضافت معرفي: " بعض الرجال كانوا يستغلون سبباً من أسباب الإباحة في تخفيف العقوبة بأن يعطي لنفسه أعذاراً بالتمسّك بنص المادة 153 حتى يقتل المرأة ويؤذيها سواء كانت أمه أو أخته أو ابنته أو زوجته" وأوضحت معرفي أنه بعد التعديل الأخير، أصبح المتّهم في هذه الجريمة يأخذ العقوبة الطبيعية أي أنه يُحكم إما بالإعدام أو بالمؤبّد.
أيضاً، وبعد مطالبات عدة، تم رفع سنّ الزواج إلى ثمانية عشر عاماً، كما أصدرت السلطات الكويتية مرسوماً يقضي بمنع توثيق عقود الزواج أو التصديق عليها لمن لم يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، سواء في المحاكم السنية أو الجعفريّة (الشيعية). ويعتبر هذا الأمر سارياً على المواطنين والوافدين على حدّ سواء. أي أن توثيق أي عقود زواج على الأراضي الكويتية منوط بأن يكون الزوجان قد بلغا سن 18 عاماً.
وبحسب المرسوم الصادر، استند هذا التعديل إلى أحكام الشريعة الإسلامية مراعياً في الوقت عينه التزامات الكويت الدولية، لاسيما اتفاقية حقوق الطفل التي تعرِّف الطفل بمن لم يتجاوز الثامنة عشرة وتلزم الدول بحمايته من الزواج المبكر.
واعتبرت نيفين معرفي أن الميزة في التعديل الذي طرأ على قانون الأحوال الشخصية، يكمن في أن رفع سن الزواج لا يخالف الشريعة الإسلامية، بل هو دليل على مواكبة العصر، مؤكدة أن الكويت تواكب التطوّرات التي فرضت تعديلات على بعض التشريعات.
من ناحيته، اعتبر المحلّل السياسي الكويتي د. فهد المكراد أن القوانين تتغيّر حسب مدى آثارها القانونية والسياسية والاجتماعية ولذلك، تتم مراجعتها بين والحين والآخر.
ولفت المكراد في مقابلة مع بي بي سي عربي إلى أن حالات الزواج لمن هم دون سن الـ18 عاماً ليست منتشرة بكثرة في الكويت، ومع ذلك، كان لا بدّ من التعديل لمصلحة المجتمع المدني.
كثيرون رحّبوا بالتعديل الذي طال رفع سن الزواج، غير أن كثيرين أبدوا اعتراضهم عليه أيضاً.
فقد ربط أحدهم هذه الاجراءات بالضغوط التي تُفرض من قبل المنظمات الدولية والدول الكبرى على الشعوب المسلمة.
وتسائل آخر قائلاً: " منع الزواج لمن هم دون 18 سنة لا يوافق الشريعة الإسلامية. شخص أراد تزويج ابنه بسن 17 وهو قادر على الصرف عليه حتى يتوظّف، بأي حق يتم منعه؟"
بي بي سي تواصلت مع د. عبد الرحمن النصّار صاحب هذا المنشور على منصة أكس وهو أستاذ في المحاسبة. قال لنا إن الزواج المبكر مستحبّ لمن يملك القدرة المالية والقدرة البدنية.
واعتبر في اتصال مع بي بي سي أنه من الظلم منع الشباب من الزواج في سن شبابهم في ظلّ وجود ما وصفها بـ"الفتن". وتساءل كيف تمنع كثير من الدول زواج الشباب دون سن 18 وكيف تسمح للشباب باتخاذ الصديقات في حين تمنعهم من الزواج، معتبراً أن التعديل الجديد يتعارض مع الشرع والعقل والمنطق.
وقال: "كلنا أمل برئيس مجلس الوزراء بوقف هذا القانون المجحف والمتعارض مع شريعة الله"، بحسب تعبيره.
التعديلات شملت أيضاً محكمة الأسرة، وقضايا العنف الأسري، والأحداث، والطفل، وبحسب تصريحات لوزير العدل الكويتي فإن الهدف من هذه التعديلات، هو "الحفاظ على الأسرة والطفل وفرض العدالة وتدخّل الدولة تدخلاً إيجابياً في فرض هيبة القانون".
وأوضحت المحامية الكويتية نيفين معرفي أنه فيما يتعلّق بقانون الأحداث، فقد تم رفع المسؤولية القانونية من سبع سنوات إلى عشر سنوات.
كذلك وفي مجال آخر، وبناء على توجيهات أميرية، تقرّر تخفيف مدة عقوبة الحبس المؤبد لتكون عشرين عاماً على أن تتم دراسة حالات النزلاء وحصرُ أسماء من تنطبق عليهم الشروط.
فقد وجّه رئيس مجلس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية الشيخ فهد يوسف سعود الصباح بتخفيف مدة عقوبة الحبس المؤبد لتكون 20 عاماً بدلاً من "أن تستغرق حياة المحكوم عليه ويكون مقترنا بالشغل دائما".
وقال وزير الداخلية الكويتي خلال زيارته السجن المركزي الأسبوع الماضي إنه أمر بتشكيل لجنة تتولّى فحص ملفاتٍ لمحكومٍ عليهم بالحبس المؤبد قبل 3 أشهر من استكمال مدة 20 عاماً، ودعا قيادات المؤسسات الإصلاحية وتنفيذ الأحكام إلى سرعة حصر أسماء النزلاء الذين تنطبق عليهم الشروط ودراستها على وجه السرعة.
وتسعى الكويت من خلال تعديلاتها هذه، إلى تعزيز حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وإظهار التزام الدولة بتطوير تشريعاتها بما يتماشى مع المعايير الدولية، مع الحفاظ على القيم الاجتماعية وقوانين الشريعة الإسلامية التي يصعب إلغاؤها بسبب طبيعة البلاد الإسلامية.