ماذا لو، بدلا من انتظار ألم قلوبنا، أصغينا إليها قبل أن تطلق صرختها؟ من خلال نقاط محددة، يفند البروفيسور نيكولاس جيرارد، طبيب القلب المتخصص في قصور القلب وطب القلب الوقائي في مركز الأبحاث السريرية التابع للمستشفى الجامعي في نانسي في فرنسا، المفاهيم الخاطئة الشائعة ويكشف الإشارات الخفية التي تنذر بالخطر، وهذا في تقرير نشرته مجلة لوبوان.
من قلة النوم إلى بداية التوتر، ومن الملح الخفي في طعامنا إلى الدهون ونمط الحياة الخامل، يستكشف البروفيسور جيرارد الطرق العديدة، وغالبا الخفية، التي تؤثر بها عاداتنا على صحة القلب والأوعية الدموية. نظرة عامة عملية، مدعومة بالبيانات، ومباشرة لفهم كيفية حماية هذه العضلة التي تعمل من أجلنا ليلا ونهارا.
نعلم الآن أن عدم كفاية النوم -أي أقل من ست ساعات في الليلة- أو رداءة نوعية النوم يزيد بشكل ملحوظ من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وتشمل هذه الحالات العديد من الأمراض: ارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، واحتشاء عضلة القلب، والسكتة الدماغية… والقائمة للأسف طويلة جدا.
أظهر تحليل لـ13 دراسة، على سبيل المثال، أن أعراض الأرق مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو الوفاة بسببها بنسبة 50% تقريبا. وتشمل الآليات المتضمنة: تنشيط الجهاز العصبي الودي، واضطراب استقلاب الكربوهيدرات، والالتهاب المزمن منخفض الدرجة… بالإضافة إلى ذلك، هناك آثار غير مباشرة، مثل زيادة الوزن. أظهرت دراسة نشرت عام 2006 أن النساء اللواتي لا يحصلن على قسط كاف من النوم أكثر عرضة لزيادة الوزن. وهذا ليس بالأمر المفاجئ لمن يعملن لساعات طويلة أو يقمن بساعات ليلية قصيرة: فهن يتناولن كميات أكبر من الطعام، غالبا ما تكون من الدهون والسكريات، ونادرا ما يتناولن الخضراوات.
وأمام هذه النتائج، اتخذت العديد من الجمعيات العلمية موقفا واضحا. توصي جمعية القلب الأميركية بـ7 ساعات على الأقل من النوم ليلا للبالغين للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية. لا توجد حتى الآن توصيات مماثلة منشورة من قبل الجمعيات الأوروبية، لكن إرشادات الوقاية الأولية للجمعية الأوروبية لأمراض القلب تشير صراحة إلى النوم كعامل قابل للتعديل يجب مراقبته.
إن التمييز بين الرياضيين المتمرسين والأفراد الذين يعانون من الخمول المزمن أكثر تعقيدا مما يبدو. في الواقع، أظهرت العديد من الدراسات أن نمط الحياة الخامل يعد عامل خطر على القلب والأوعية الدموية بحد ذاته، بغض النظر عن مستوى النشاط البدني. باختصار، يمكنك ممارسة الرياضة يوميا، ومع ذلك تظل معرضا للخطر إذا كنت تقضي بقية وقتك جالسا دون حركة.
العواقب معروفة: زيادة معدل الوفيات، وخطر الإصابة بالنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وداء السكري من النوع الثاني… من الناحية الفيزيولوجية المرضية، يؤدي الخمول لفترات طويلة إلى انخفاض حساسية الأنسولين، وتغيير استقلاب الدهون، وتعزيز الالتهاب المزمن منخفض الدرجة، والذي قد يكون مرتبطا بالزيادة المستمرة في ضغط البطن.
أظهرت دراسة تحليلية شاملة نشرت في مجلة لانسيت عام 2016، وشملت أكثر من مليون مشارك، أن خطر الوفاة يزداد بعد 4 ساعات فقط من الجلوس يوميا. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة أقل وضوحا لدى الأفراد النشطين بدنيا للغاية.
نقطة أساسية أخرى: لا تقتصر فوائد النشاط البدني على تراكمها أسبوعيا فحسب، بل تشمل أيضا الانتظام. فالجهود المتقطعة، أو القصيرة جدا، أو غير المتكررة، لا تحقق نفس التأثير الوقائي الذي تحققه الجلسات الأطول والأكثر انتظاما.
لذا، تعتمد الإستراتيجية الأكثر فعالية على نهج ذي شقين: تقليل فترات الخمول الطويلة من خلال الحركة المنتظمة على مدار اليوم (فترات راحة نشطة، نزهة قصيرة في منتصف النهار، النهوض من الكرسي بشكل متكرر، إلخ)، وزيادة النشاط البدني العام من خلال دمج وسائل النقل النشطة والرياضة. كما يمكن استخدام أدوات مثل المكاتب القابلة للوقوف أو أجهزة المشي، إذ أظهرت نتائج مشجعة على تحسين وضعية الجسم، ومستوى الطاقة، وحتى التركيز. ولا يزال تأثيرها على أمراض القلب والأوعية الدموية قيد التأكيد، لكن النتائج الأولية واعدة.
يعد الوزن وحده مؤشرا مضللا. فمع ثبات حجم الجسم، يكون الشخص ذو الكتلة العضلية الأكبر -وبالتالي الأكثر نشاطا أيضيا- أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية من الشخص ذي الكتلة العضلية الأقل. وبالمثل، يعد توزيع الدهون مهما: فقد يكون لدى الشخص مؤشر كتلة جسم طبيعي، ولكنه يعاني من تراكم كبير للدهون الحشوية، وهي ضارة جدا بالقلب.
ويبقى بعض الأشخاص نحيفين رغم استهلاكهم في الغالب للأطعمة المصنعة الغنية بالملح أو السكر أو الدهون المشبعة، وقلة نشاطهم البدني. هذا النمط، وإن لم يكن سمنة بالمعنى الدقيق، إلا أنه غير مفيد من الناحية الأيضية.
هل يرهق الملح القلب حتى لدى الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل في ضغط الدم؟ الإجابة هي نعم، حتى لدى الأشخاص غير المصابين بارتفاع ضغط الدم. تظهر البيانات التجريبية والوبائية أن الملح قد يسبب تغيرات في القلب والأوعية الدموية بغض النظر عن تأثيره على ضغط الدم. تشمل هذه التغيرات: زيادة تصلب الشرايين، وتضخم البطين الأيسر، وتفاقم خلل وظائف بطانة الأوعية الدموية.
يمارس الصوديوم ضغطا خفيا على القلب، قبل ظهور ارتفاع ضغط الدم الظاهر بفترة طويلة. وقد أبرزت دراسات أخرى، مثل دراسة أوهاشي عام 2021، زيادة في إجهاد عضلة القلب وزيادة في كتلة القلب مرتبطة بالاستهلاك المزمن للصوديوم، بغض النظر عن ضغط الدم.
مع ذلك، فإن معظم الملح المستهلك لا يأتي من الملح المضاف، بل من الأطعمة المصنعة: الخبز، واللحوم المصنعة، والأجبان، والوجبات الجاهزة، والصلصات… وأحيانا حتى المنتجات السكرية. توصي منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوز 5 غرامات من الملح يوميا (أي 2 غرام من الصوديوم)، لكن متوسط الاستهلاك في فرنسا يتجاوز 8 إلى 10 غرامات، مع ذروة بين الشباب.
يعد ارتفاع ضغط الدم خطيرا بشكل خاص لأنه غالبا ما يكون بدون أعراض. يمكن أن يتطور لسنوات دون أي علامات ملحوظة، إلى أن تحدث حالة خطيرة: سكتة دماغية، نوبة قلبية، قصور في القلب، تلف في الكلى. لذا يطلق عليه بحق لقب "القاتل الصامت".
تذكر بعض الأعراض أحيانا -كالصداع وطنين الأذن والدوار- لكنها أعراض غير محددة ونادرا ما تظهر إلا في الحالات الشديدة. عمليا، يعيش الكثيرون مع ارتفاع ضغط الدم دون علمهم، مما يجعل الفحص المبكر مشكلة صحية عامة رئيسية. ويقدر أن ملايين الفرنسيين يعانون من هذه الحالة.
توصي الإرشادات الحالية بالبدء في مراقبة ضغط الدم بانتظام، حتى في غياب الأعراض. وتوصي الجمعية الأوروبية لأمراض القلب بمراقبة ضغط الدم بشكل دوري كل 3 سنوات قبل سن الأربعين، ثم سنويا بعد ذلك، وذلك حسب مستوى خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى الفرد. وتعد مراقبة ضغط الدم في المنزل على مدى عدة أيام أكثر موثوقية من قياس واحد خلال زيارة الطبيب.
يوصف الإجهاد المزمن غالبا بأنه "عدو خفي" للقلب، وهذا صحيح. فبينما لا يحدث بالتأكيد التأثير الوبائي لعوامل مثل التدخين أو داء السكري، إلا أنه يعمل بشكل خفي، من خلال آليات متعددة.
فسيولوجيا، يؤدي الإجهاد المزمن إلى فرط نشاط الجهاز العصبي الودي، وارتفاع مستمر في مستويات الكورتيزول والأدرينالين، والتهاب مزمن، واضطرابات في النوم، وارتفاع تدريجي في ضغط الدم. سلوكيا، يشجع الإجهاد المزمن على عادات ضارة كالتدخين، واتباع نظام غذائي غير متوازن، وقلة النشاط البدني، وضعف الالتزام بالعلاج.
المصدر:
الجزيرة