حقق علاج جيني تجريبي اختراقًا طبيًا كبيرًا بعد أن نجح في إنقاذ عشرات الأطفال من اضطراب نادر وقاتل في الجهاز المناعي، في إنجاز يفتح الباب أمام إمكانية القضاء على المرض مستقبلًا.
الدراسة التي نُشرت في مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن" شملت 62 طفلًا يعانون من "نقص إنزيم أدينوزين دي أميناز" (ADA-SCID)، وهو اضطراب جيني يمنع الجسم من تكوين جهاز مناعي سليم ويجعل المصابين عرضة بشدة لأي عدوى. وغالبًا ما يكون هذا المرض قاتلًا خلال أول عامين من الحياة إذا لم يتلقَّ الطفل علاجًا مناسبًا، في حين أن العلاجات المتوفرة حاليًا مكلفة ومحفوفة بالمخاطر.
يعتمد العلاج الجديد على جمع الخلايا الجذعية من دم الطفل، وهي الخلايا المسؤولة عن إنتاج خلايا المناعة، ثم إدخال فيروس معدل يحمل نسخة سليمة من الجين المسؤول عن إنتاج إنزيم ADA. بعد ذلك تُعاد هذه الخلايا المصححة إلى جسم المريض، لتبدأ بتكوين جهاز مناعي صحي قادر على مقاومة الأمراض.
ويحتاج الجهاز المناعي بين ستة إلى 12 شهرًا ليستعيد نشاطه الطبيعي، وفقًا للباحثين.
تمكن الأطباء من معالجة 59 طفلًا بنجاح بين عامي 2012 و2019، وبقيت وظائفهم المناعية مستقرة منذ ذلك الحين دون مضاعفات خطيرة. أما خمسة من الأطفال فما زالوا بصحة جيدة بعد مرور أكثر من عشر سنوات على خضوعهم للعلاج.
ووصف الطبيب دونالد كون، اختصاصي زراعة نخاع العظم للأطفال في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وأحد مطوري العلاج، النتائج بأنها "استثنائية"، مضيفًا: "هذه النتائج هي ما كنا نحلم به عندما بدأنا تطوير هذا النهج".
وأوضح الباحثون أن معظم الآثار الجانبية كانت خفيفة أو متوسطة، وغالبًا ما ارتبطت بالإجراءات الطبية الروتينية وليس بالعلاج الجيني نفسه. وفي ثلاث حالات لم ينجح العلاج، وتمكن المرضى من العودة إلى العلاج التقليدي.
ولاحظ الباحثون أن أكثر من نصف الأطفال تلقوا خلايا جذعية مجمدة، وكانت نتائجهم مماثلة لأولئك الذين تلقوا خلايا طازجة، ما يشير إلى إمكانية توسيع نطاق العلاج عالميًا دون الحاجة إلى نقل المرضى إلى مراكز متخصصة.
وقالت الدكتورة كاتلين ماسيك، وهي من المشاركين في إعداد الدراسة: "هذا التطور يعني أن المرضى وعائلاتهم لن يضطروا إلى السفر لمسافات طويلة لتلقي العلاج".
يعمل الفريق البحثي الآن مع شركاء تجاريين للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، على أمل أن يصبح العلاج متاحًا للعامة خلال عامين أو ثلاثة أعوام.
بالنسبة إلى عائلات المرضى، كانت التجربة أكثر من مجرد علاج طبي، بل بداية حياة جديدة. الطفلة الأميركية إليانا ناشم، البالغة من العمر 11 عامًا من ولاية فيرجينيا، شُخّصت بالمرض وهي في شهرها الثالث عام 2014.
اضطر والداها إلى اتخاذ إجراءات صارمة لحمايتها من العدوى: تخلوا عن الحيوانات الأليفة، وأبقوها داخل المنزل طوال الوقت، واستخدموا أجهزة تنقية الهواء باستمرار.
قالت والدتها كارولين: "كل شيء يمكن أن يحمل الجراثيم كان خطرًا عليها".
خضعت إليانا للعلاج التجريبي عندما كان عمرها عشرة أشهر، وبعد بعض المضاعفات الأولية تعافت تمامًا وتعيش الآن حياة طبيعية. وتقول والدتها: "تذكّرتُ حينها أننا نشهد ولادتها من جديد، والآن كل ما علينا فعله هو أن نراها تكبر".