آخر الأخبار

هذا ما سيجنيه المغرب من كأس أفريقيا 2025

شارك

الرباط عند منتصف الليل، لن تُطفأ أنوار مقاهي العاصمة الرباط كما جرت العادة، إذ ستظل الكراسي ممتلئة، وحركة الزبائن مستمرة حتى الثانية صباحا، بعد دخول قرار تمديد ساعات العمل حيز التنفيذ يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، بمناسبة تنظيم المغرب لكأس أفريقيا لكرة القدم.

ويتوقع أن تتصاعد وتيرة هذه الحركة مع انطلاق منافسات كأس أفريقيا لكرة القدم غدا الأحد، التي تحتضنها 6 مدن مغربية على مدى 29 يوما.

وبالنسبة لكثير من المغاربة، لا تعني "ساعتان إضافيتان" هامشا زمنيا أطول للاستهلاك فقط، بل تمثل إعادة ضخ فعلية للسيولة في الدورة الاقتصادية اليومية، فمطاعم تعمل لساعات أطول، ونقل حضري أكثر نشاطا، ويد عاملة إضافية، وسوق خدمات يستعد لذروة غير مسبوقة، تتحول معها كرة القدم من شغف جماهيري إلى محرك نمو محسوس في تفاصيل الحياة اليومية.

وتشكل كأس أمم أفريقيا "توتال إنيرجي" المغرب 2025 محطة فارقة، ليس فقط في تاريخ الموارد المالية للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، بل أيضا في حجم العائدات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي يُنتظر أن يجنيها المغرب من تنظيم هذا الحدث القاري.

طفرة مالية

بحسب معطيات رسمية صادرة عن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "الكاف"، يُتوقع أن يبلغ إجمالي إيرادات السنة المالية 2025-2026 نحو 3.1 مليارات درهم (312.8 مليون دولار)، أي بزيادة تقارب 88% مقارنة بدورة 2023-2024.

وتنعكس هذه القفزة على الاقتصاد المغربي عبر ارتفاع مداخيل حقوق البث والإعلانات، وتدفق إنفاق الجماهير والبعثات الرسمية، فضلا عن العائدات الضريبية المرتبطة بالنقل والإيواء والخدمات.

مصدر الصورة تمديد ساعات عمل المقاهي والمطاعم سيدعم النشاط الاقتصادي (أسوشيتد برس)

وتعكس هذه الزيادة، وفق مسؤولي "الكاف"، الجاذبية التجارية غير المسبوقة لهذه النسخة من البطولة، سواء من حيث حقوق البث، أو الرعاية، أو الإقبال الجماهيري.

إعلان

وفي هذا السياق، يؤكد الأمين العام للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، فيرون موسينغو أومبا، من الرباط، أن "نسخة المغرب 2025 ستكون الأفضل في تاريخ البطولة، وستحطم الأرقام القياسية رياضيا وماليا"، مشيرا إلى أنه "تم بيع أكثر من مليون تذكرة إلى حدود الساعة".

ولا تنفصل هذه الثقة عن حجم الاستثمارات التي ضخها المغرب في البنية التحتية الرياضية وغير الرياضية، والتي جعلت البطولة تُصنف كحدث عالمي، إذ يُتوقع أن يزور المغرب نحو 1.5 مليون مشجع، بينهم نحو 100 ألف من أوروبا وأسواق غربية أخرى، كما يبرز الخبير بالمعهد المغربي للذكاء الإستراتيجي، هشام كسراوي.

ويضيف كسراوي في حديث للجزيرة نت أن معدل إنفاق هؤلاء المشجعين يختلف حسب الأسواق، غير أن الإنفاق المتوسط يتجاوز 10 آلاف درهم (ألف دولار) للفرد، تشمل تذكرة السفر، والإقامة، وتذاكر المباريات، والوجبات، والأنشطة التجارية، مما يعني عائدات إجمالية قد تصل إلى 12 مليار درهم (مليار دولار).

تمويل غير تقليدي

وفي استعداداته لتنظيم "الكان"، اختار المغرب كسر المنطق التقليدي القائم على الإنفاق العمومي المباشر، فقد كشف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، عن تعبئة استثمارات تقارب 150 مليار درهم (15 مليار دولار)، تشمل تأهيل الملاعب والبنية التحتية .

ويعتمد هذا النموذج على آلية استرداد التكاليف على مدى يقارب 20 عاما (نظام الدفع المؤجل) عبر "صندوق الإيداع والتدبير"، بما يخفف الضغط عن الميزانية العامة ويؤسس لمنطق الاستثمار المنتج، بدل الاكتفاء بالإنفاق الظرفي المرتبط بالحدث، وفق مراقبين.

مصدر الصورة كسراوي: تنظيم كأس أفريقيا 2025 يؤسس لاستثمار حضري وخدماتي مستدام يعزز تنافسية المدن المغربية (الجزيرة)

وفي قطاع النقل، خصص المغرب استثمارات تناهز 11 مليار درهم (1.1 مليار دولار) في إطار البرنامج الوطني للنقل الحضري ويهدف إلى تعبئة أكثر من 3800 حافلة بحلول عام 2029.

ويؤكد هشام كسراوي أن "الرابح الأكبر هو سكان المدن المغربية المحتضنة للمباريات، لأنهم كسبوا عرضا خدماتيا جديدا في مجال النقل"، مبرزا أن تحسين خدمات النقل ينعكس مباشرة على جاذبية وتنافسية المدن بما يحفز جذب الشركات واستحداث فرص عمل جديدة.

الملاعب محركات للنمو

ولا يراهن المغرب على الملاعب باعتبارها فضاءات رياضية فقط، بل رافعات اقتصادية محلية ووطنية. فوفق دراسة حديثة، يمكن لاستثمارات كأس أفريقيا أن تولد "آثارا إيجابية خارجية" في المدن المستضيفة، حيث تتحول المنشآت الرياضية إلى أقطاب نمو محلي.

وفي هذا السياق، يوضح الباحث في الاقتصاد والتدبير بجامعة محمد بن عبد الله بفاس ، ياسين النيصر، أن المنشآت الرياضية يجب أن "تُفهم كمشاريع حضرية (بالمدن) مهيكلة، تندرج في صلب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر ربطها بمحيطها من خلال النقل، وتهيئة الفضاءات العامة، وتعزيز جاذبية المجالات الترابية المجاورة (المناطق المحيطة).

وحول سوق العمل، يضيف النيصر أن "هذه التظاهرات تخلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة وتعزز من خبرات وكفاءات الفاعلين المحليين على المدى المتوسط".

من جهته، يشدد الأكاديمي سعيد أوهادي على البعد الرمزي والاستثماري، معتبرا أن "تجهيز 9 ملاعب من الجيل الجديد، وتخصيص فندق 5 نجوم لكل منتخب -وهو ما يحدث لأول مرة في أفريقيا- يعزز صورة المغرب ويزيد من جاذبيته لدى السياح والمستثمرين".

مصدر الصورة أوهادي: تجهيز الملاعب من الجيل الجديد وربطها ببنية فندقية وخدماتية متكاملة يرفع جاذبية المغرب لدى السياح والمستثمرين (الجزيرة)

اختبار جاهزية المغرب لاحتضان مونديال 2030

ينظر المغرب إلى نسخة 2025 من كأس أفريقيا باعتبارها اختبارا عمليا قبل استضافة كأس العالم 2030. وتُعد الجاهزية المبكرة لملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط وملعب طنجة الكبير رسالة ثقة موجهة إلى الشركاء الدوليين.

إعلان

ويؤكد الباحث الاقتصادي ياسين النيصر أن سر القوة يكمن في الاستمرارية، قائلا "المغرب لم يتعامل مع هذا الملف كرهان ظرفي، بل كجزء من برامج استثمارية وهيكلية بعيدة الأمد، وكأس أفريقيا الحالية تمثل اختيارا واختبارا حقيقيا لقدرة المملكة على التنظيم وفق معايير عالمية".

بدوره، يرى الأكاديمي سعيد أوهادي أن تنظيم "هذه التظاهرة سيمكن من تجويد الخدمات العامة وتمكين الجماعات الترابية من موارد إضافية، بما ينعكس إيجابا على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين".

وفي حين يتردد صدى صافرات الحكام في الملاعب، تستمر عجلة الاقتصاد المغربي في الدوران خلف الكواليس. فالمغرب لا ينظم بطولة كرة قدم فحسب، بل يصوغ نموذجا تنمويا يجعل من الرياضة بوابة للتموقع كقوة إقليمية صاعدة على أعتاب عام 2030، كما يخلص الخبراء.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار