موسكو– شكل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض حصار شامل على جميع ناقلات النفط المصرح لها بالدخول إلى فنزويلا أو مغادرتها، حدثا ليس ذا أهمية إقليمية فحسب، وإنما ذو أهمية عالمية.
وعلى الرغم من أن القرار الأميركي سيجعل شراء النفط الفنزويلي عبر قنوات غير رسمية أكثر صعوبة بالنسبة للأوروبيين؛ وبالنظر إلى أن معظم النفط الفنزويلي يُصدّر حاليا إلى الصين ، يؤكد مراقبون روس أن البحرية الأميركية ستحاول بشتى الطرق اعتراض ناقلات النفط الفنزويلية، على أمل خنق اقتصادها بحصار بحري.
بموازاة ذلك، يؤكد هؤلاء أن القرار الأميركي يرتبط ارتباطا وثيقا بالأزمة الأوكرانية الروسية، وستكون له تداعيات متباينة على الاقتصاد الروسي، فضلا عن أن قرار ترامب قد يؤدي إلى العزل التام لفنزويلا، وزعزعة استقرارها، وحرمان روسيا من شريك إستراتيجي رئيسي في أميركا اللاتينية.
جاء قرار ترامب بعد نحو شهر واحد من موافقة البرلمان الفنزويلي على تمديد مشاريع النفط المشتركة مع روسيا حتى عام 2041؛ بهدف تعزيز التحالف الإستراتيجي في مجال الطاقة بين البلدين في ظل العقوبات الدولية الحالية.
ونصت الاتفاقية المذكورة على إنجاز مشاريع مشتركة بين البلدين لمدة 15 عاما (من 2026 إلى 2041)، شملت -من بين أمور أخرى- تطوير حقلين رئيسيين في المنطقة الغربية من فنزويلا، وهما "بوكيرون" و"بتروبيريجا". وخلال هذه الفترة، من المقرر إنتاج نحو 91 مليون برميل من النفط، باستثمار إجمالي يُقدر بنحو 616 مليون دولار.
يرى الباحث في المعهد الأعلى للاقتصاد، فلاديمير أوليتشينكو، أن فرض الحصار على فنزويلا له تداعيات ومخاطر اقتصادية وتجارية، ويوجه ضربة قوية لشركات النفط الروسية.
ويوضح، في حديث للجزيرة نت، أن الحصار البحري لناقلات النفط يُعقّد الخدمات اللوجستية للشركات الروسية مثل "روسنفت" و"لوك أويل"، التي تُعاني أصلا من ضغوط العقوبات الأميركية.
وحسب رأيه، فإن فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على السلع القادمة من الدول المُستوردة للنفط الفنزويلي يؤدي كذلك إلى خلق عوائق مالية إضافية أمام التعاون الدولي الذي تشارك فيه روسيا.
كما أن قرار الحصار أدى -وفق المتحدث- إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة. لكنه يشير إلى أنه في حين أن ارتفاع الأسعار يُفيد الميزانية الروسية، إلا أن عدم استقرار السوق والتهديد بفرض عقوبات ثانوية على مُشتري النفط الروسي (مثل الصين) قد يُقلل من هذا الأثر.
حسب أوليتشينكو، تشكل العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا، والتي تم تشديدها بشكل كبير بحلول نهاية العام الحالي، عقبات جدية أمام المشاريع المشتركة بين موسكو وكراكاس، إلا أن تجميدها الكامل أمر مستبعد؛ نظرا لتكيف كلا الجانبين مع نظام العقوبات.
ويضيف أنه على الرغم من الضغوط، تواصل موسكو وكراكاس تعزيز علاقاتهما الثنائية، بالنظر إلى أن العقوبات الأخيرة على كراكاس تشكل حافزا لاستكشاف آليات بديلة للتعاون خارج النظام المالي الأميركي.
ومع ذلك، يرجح المتحدث أن تصبح المشاريع المشتركة بين روسيا وفنزويلا في كافة الأحوال أكثر تكلفة ومخاطرة، مما يستلزم استخدام أساليب معقدة للتحايل عليها؛ للمحافظة على التعاون الإستراتيجي بين البلدين.
حسب الخبير الاقتصادي أندريه زايتسيف، فإن تجميد الولايات المتحدة مليارات الدولارات من أصول الحكومة وشركة النفط الفنزويلية يحرم كراكاس من الوصول إلى عائدات النقد الأجنبي من صادرات النفط إلى الولايات المتحدة، والتي تُعد المصدر الرئيسي للسيولة اللازمة لخدمة ديونها الخارجية، ومن بينها الروسية.
كما أن العقوبات والقيود على الوسطاء من المؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك الروسية مثل بنك "يفروفينانس" -الذي يساعد شركة النفط الفنزويلية على التحايل على العقوبات- يصعّب تحويل الأموال فعليا من فنزويلا إلى روسيا.
علاوة على ذلك، تُقلل القيود المفروضة على تداول السندات الفنزويلية في السوق الثانوية من سيولتها، مما يمنع روسيا من استخدام هذه الأوراق المالية وسيلة للمقاصة أو إعادة البيع.
ويتابع بأن ذلك يسهم كذلك في تعقيد خطط "النفط مقابل الديون"؛ فقد أصبحت خطط سداد الديون السابقة التي تتضمن توريد النفط (عبر شركة روسنفت وغيرها) محفوفة بالمخاطر؛ بسبب العقوبات الأميركية المباشرة المفروضة على شركات الطاقة الروسية لأنشطتها في فنزويلا.
ونتيجة لذلك، ورغم اتفاق روسيا وفنزويلا دوريا على إعادة هيكلة الديون، فإن التنفيذ الفعلي لهذه الجداول في عام 2025 لا يزال بالغ الصعوبة؛ نظرا للعزلة المالية التامة التي تعاني منها الشركات الفنزويلية المملوكة للدولة.
يوضح زايتسيف أن روسيا استفادت من العقوبات المفروضة على فنزويلا في عدة مجالات رئيسية، لا سيما مع تصاعد الضغط الأميركي في أواخر عام 2025.
ففي الأشهر الأخيرة، حلت روسيا فعليا محل الولايات المتحدة موردا رئيسيا لـ"النفثا" (منتج نفطي يُستخدم لتخفيف النفط الخام الفنزويلي الثقيل جدا)، وتجاوزت إمداداته إلى فنزويلا 7 ملايين برميل خلال الفترة من مارس/آذار إلى أكتوبر/تشرين الأول 2025.
ويتابع بأن الحصار البحري الكامل لناقلات النفط الفنزويلية يهدد بتقليص إمدادات النفط العالمية بنحو مليون برميل يوميا، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية بمقدار 5-8 دولارات للبرميل، ما سيعود بالنفع على الميزانية الروسية.
لكنه يلفت إلى أنه على الرغم من الفوائد، تواجه روسيا خطر فرض عقوبات أميركية ثانوية؛ فبعد تشديد الإجراءات الأميركية في الشهر الجاري، اضطرت بعض ناقلات النفط الروسية المتجهة إلى فنزويلا إلى تغيير مساراتها خشية مصادرتها.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة