آخر الأخبار

ترامب يشيد بما حققه لاقتصاد أميركا رغم تآكل ثقة الناخبين

شارك

يختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يتحدث عن "أسعار تنخفض بشكل هائل"، بينما تظهر استطلاعات الرأي ووجوه الناخبين شيئا مختلفا تماما.

في كازينو بولاية بنسلفانيا، يقف الرئيس الجمهوري أمام حشد من أنصاره ليعلن أنه لا يحمل "أولوية أعلى من جعل أميركا قابلة للعيش مجددا"، في وقت تقول فيه استطلاعات رأي إن ثقة الأميركيين بإدارته الاقتصادية تتراجع.

وبينما يحاول ترامب تحويل النقاش إلى شعاراته المفضلة عن الهجرة و الرسوم الجمركية و"أميركا أولا"، تبقى أرقام التضخم، وأسعار السلع الأساسية، ومخاوف الإيجار والرعاية الصحية حاضرة في حياة ملايين الناخبين. وفي الخلفية، يتنامى قلق داخل الحزب الجمهوري نفسه من أن يتحول ملف تكاليف المعيشة إلى نقطة ضعف قاتلة في انتخابات منتصف الولاية عام 2026.

وعود وتصعيد في نبرة الإنكار

ويقدّم ترامب نفسه في خطابه على أنه الرئيس الذي "لا يملك أولوية أعلى من جعل أميركا قابلة للعيش مجددا"، وأكد أمام أنصاره أن "الأسعار تنخفض بشكل هائل"، وأن إدارته "تجلب الأسعار إلى الأسفل بدرجة كبيرة"، في محاولة لطمأنة الناخبين القلقين من تكاليف المعيشة المتصاعدة.

مصدر الصورة ترامب لدى وصوله إلى منتجع ماونت إيري كازينو في بنسلفانيا لإلقاء خطاب اقتصادي لطمأنة الناخبين (الفرنسية)

وتذكر "بي بي سي" أن الرئيس تحدث أمام تجمّع ذي طابع انتخابي، مؤكّدا أن الوقود وأسعار البيض تراجعت بالفعل، لكنه تجاهل في المقابل أن كثيرا من أسعار المواد الغذائية الأخرى، إضافة إلى السكن ورعاية الأطفال والرعاية الصحية، ما تزال مرتفعة بنظر الأميركيين.

وتوضح وكالة الصحافة الفرنسية أن ترامب، خلال الحدث نفسه في كازينو ريفي في ماونت بوكونو، سعى إلى التقليل من أهمية الخطاب الديمقراطي حول الغلاء، فوصف الحديث عن "عدم قدرة الأميركيين على تحمّل تكاليف المعيشة" بأنه "خدعة من الديمقراطيين"، قبل أن يقرّ في جملة أخرى بأن الأسعار "ارتفعت كثيرا"، ويقول للحضور: "لا يمكنني القول إن ارتفاع تكاليف المعيشة خدعة، لأنني أتفق بأن الأسعار ارتفعت كثيرا… لكنهم يستخدمون كلمة تكاليف المعيشة وهذه الكلمة الوحيدة التي يعرفونها". ويصرّ، وفق الوكالة الفرنسية، على أن "أسعارنا تنخفض بشكل هائل عن أعلى أسعار سُجّلت في تاريخ بلدنا".

أرقام لا تصدّق الرواية الرسمية

وبينما يتحدث ترامب عن "أسعار تهبط بقوة"، تشير بيانات إلى أن التضخم في الولايات المتحدة بلغ في أيلول/سبتمبر نحو 3% على أساس سنوي، أي أعلى من هدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2%.

إعلان

وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة مرتين، لتستقر عند نحو 3.9%، في محاولة لموازنة كبح التضخم ومنع خنق النمو .

وتلفت "بي بي سي" إلى أن الأسعار الإجمالية ارتفعت بنحو 25% خلال السنوات الخمس الماضية، في حين تشير شبكة "سي إن إن" إلى أن تكاليف البقالة والإيجار تحديدا ارتفعت بنحو 30% خلال الفترة نفسها، استنادا إلى بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي. كما تنقل "بي بي سي" عن استطلاع مشترك لـ"سي بي إس نيوز" و"يوغوف" أن نسبة الموافقة على أداء ترامب الاقتصادي تراجعت بنحو 15 نقطة منذ مارس/آذار، لتصل إلى 36%. وفي استطلاع آخر لـ"بوليتيكو"، تقول "بي بي سي" إن نصف الناخبين تقريبا -بما في ذلك 4 من كل 10 ممن صوّتوا لترامب عام 2024- يرون أن تكاليف المعيشة هي "الأسوأ في حياتهم".

وتشير "سي إن إن" في تحليل سياسي إلى أن ثقة الناخبين بأداء الرئيس في الاقتصاد تتآكل، إذ تُظهر استطلاعات مختلفة أن المزاج العام "قاتم"، وأن مؤشرات الثقة الاستهلاكية تقترب من مستويات متدنية، على الرغم من اقتراب سوق الأسهم من قمم تاريخية وتوقّعات نمو تقارب 1.9% هذا العام بعد 2.8% في العام السابق.

وتضيف الشبكة أن ترامب، عندما سُئل في مقابلة مع "بوليتيكو" عن التقييم الذي يمنحه لاقتصاد بلاده، أجاب: "إيه +++++"، في عبارة تحذّر "سي إن إن" من أنها قد تتحول إلى جملة تُستعاد لاحقا إذا خسر الجمهوريون السيطرة على الكونغرس.

مصدر الصورة استطلاعات الرأي تكشف تراجع الثقة بقدرة الإدارة الحالية على معالجة أزمة القدرة الشرائية للمواطنين (الفرنسية)

ناخبون بين فقدان الوظائف وغلاء متصاعد

وتجمع تقارير ميدانية لـ"بي بي سي" و"سي إن إن" شهادات لناخبين يعيشون التوتر اليومي بين دخل لا يكفي وغلاء متصاعد. فـ"بي بي سي" تنقل عن ألينـا هانت، البالغة 37 عاما من أوكلاهوما سيتي، أنها فقدت وظيفتها في شركة إنشاءات في أبريل/نيسان، جزئيا بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على الفولاذ والألومنيوم، ما ضرب قطاع البناء مبكرا.

وتقول إنها تقدمت لما لا يقل عن 75 وظيفة بدون جدوى، وإن ارتفاع فاتورة البقالة بنحو 25 دولارا أسبوعيا يزيد الضغط على ميزانيتها، قبل أن تضيف: "كنت قادرة على تدبّر أموري بسهولة أكبر في السنوات السابقة… لا أشعر أن الحكومة الفدرالية تستمع على الإطلاق".

وفي تقرير آخر، تورد "بي بي سي" شهادة بيث ريتشاردسون (45 عامًا) من كنساس، التي تتحدّث عن صدمتها من أسعار سلع بسيطة في متجر البقالة، بما في ذلك علبة علكة وصلت إلى نحو 5 دولارات مع الضرائب، لتعلق ساخرة: "قلت لنفسي، سأذهب وأموت الآن، فهذا لا يمكن أن يكون حقيقيا". وتقول ريتشاردسون، التي فقدت عملها في شركة تكنولوجيا نقلت وظائفها إلى الخارج، إنها تدرك أن الرؤساء لا يتحكمون في كل القوى الاقتصادية، لكنها تشعر أن سياسات التعرفة الجمركية "تطلق النار على أقدامنا".

في المقابل، تنقل "بي بي سي" عن ناخبين مؤيدين لترامب أنهم "يشعرون بالضغط" لكنهم ما زالوا يمنحونه "فائدة الشك". فالعامل جون موهرينغ (60 عاما) من ولاية ويسكونسن يقول إنه يدفع الآن نحو 100 دولار أسبوعيا على البقالة لنفسه فقط، حتى مع تجنّب شراء اللحوم والتركيز على السلع الأرخص، لكنه يظل مؤيدا للرسوم الجمركية وسياسات الحدود، قائلا إنه يمنح الرئيس "فرصة أخرى".

إعلان

وتشير "بي بي سي" كذلك إلى مزارع الذرة وفول الصويا براد سميث من إلينوي، الذي تضرر عندما جمدت الصين ، في إطار حرب تجارية، مشتريات فول الصويا الأميركي، قبل أن يعود السوق تدريجيا بعد اتفاق تجاري واستئناف جزء من الصادرات، ليقول إنه لا يزال "يؤمن بخطط ترامب الاقتصادية" على الرغم من الضرر الذي لحق به.

وتضيف "سي إن إن" صوتا آخر من بنسلفانيا، هي لين فايدنر، المسؤولة النقابية في قطاع الرعاية الصحية، التي تقول إنها سمعت ترامب يعد بجعل الأشياء ميسورة عندما كان مرشحا، ثم تسمعه الآن يصف مسألة القدرة على تحمّل تكاليف العيش بأنها "خدعة"، لتعلق: "هذا لا يبدو منطقيا بالنسبة لي"، مؤكدة أنها تجد صعوبة متزايدة في تغطية نفقات الحياة اليومية.

مصدر الصورة مظاهرة سابقة أمام البيت الأبيض للمطالبة برحيل الرئيس ترامب، تعبيرا عن غضب تجاه سياساته (الأناضول)

انقسام جمهوري وضغط انتخابي متصاعد

وتذكر وكالة الصحافة الفرنسية أن الجمهوريين ينظرون "بعين القلق" إلى انتخابات منتصف الولاية عام 2026، في ظل شعور متزايد بأن ملف تكاليف المعيشة قد يكلّفهم السيطرة على الكونغرس. وتشير الوكالة إلى أن مرشحين ديمقراطيين حققوا نجاحات لافتة في انتخابات ولايات كفرجينيا ونيوجيرزي ومدينة نيويورك ، بعدما جعلوا "القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة" محورا رئيسا في حملاتهم. وتضيف أن شعبية ترامب وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، في وقت تخشى فيه قيادات جمهورية من أثر الغلاء على ولاء الطبقة العاملة التي ساهمت في إيصاله إلى الحكم في 2016 و2024.

وفي الداخل الجمهوري، قالت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين في مقابلة مع شبكة "سي بي إس" إن الرئيس "فشل في التركيز على قضية تكاليف المعيشة"، مضيفة أنه بالنسبة إلى رئيس شعاره "أميركا أولا"، كان ينبغي أن تكون "الأولوية الأولى هي السياسة الداخلية، وهذا لم يحصل".

وتشير "بي بي سي" من جانبها إلى أن البيت الأبيض يحاول إعادة صياغة الرسالة الاقتصادية عبر جولات ميدانية ووعود محددة، من بينها إزالة رسوم عن عشرات السلع الغذائية، والترويج لتراجع أسعار الوقود، والحديث عن حسابات تقاعدية تحمل اسم ترامب لصالح الأطفال بوصفها أدوات لتخفيف ضغط تكاليف المعيشة. لكن الشبكة تُبرز في تقاريرها أن هذه الخطوات لم تُترجم بعد إلى تحسّن واضح في شعور الناخبين، كما تعكسه استطلاعات الرأي الأخيرة.

مصدر الصورة السردية الجمهورية تحاول ربط الأزمة بإرث إدارات سابقة (رويترز)

عرض انتخابي صاخب وفجوة باقية مع الواقع اليومي

وفي تحليلها اللاذع، تصف "سي إن إن" خطاب ترامب في كازينو بنسلفانيا بأنه أقرب إلى "عرض كوميدي" من كونه محاولة جادة للاعتراف بآلام الناخبين، إذ "يعمل الجمهور" بإيماءات مسرحية، ويسخر من آلة قراءة النصوص، ويستعيد نبرة حملاته السابقة بدل تقديم خطة واضحة لمواجهة الغلاء.

وتنقل الشبكة عنه قوله إنه لا يملك أولوية أعلى من "جعل أميركا ميسورة الكلفة مجددا"، لكنها تشير إلى أن الرئيس أمضى جزءا كبيرا من خطابه في التباهي بانتصارات انتخابية سابقة، والهجوم على طاقة الرياح، والتندر على خصومه، أكثر مما أمضى في شرح حلول ملموسة.

وتضيف "سي إن إن" أن ترامب عرض رسوما بيانية تزعم ارتفاع الأجور الحقيقية وتراجع أسعار الغذاء، لكنه "رفض عمليا الاعتراف" بأن مجمل الأسعار بقي مرتفعا مقارنة بما كان عليه قبل 5 سنوات، وأن التضخم -على الرغم من ابتعاده عن الذروة التي سُجلت في عهد بايدن- "لم ينخفض إلى مستوى يشعر معه المواطن العادي بأن الأمور عادت إلى طبيعتها".

وتذكّر الشبكة بأن ترامب نفسه وصف الاقتصاد الحالي بأنه شهد "أفضل 10 أشهر في تاريخ الرئاسة"، في وقت تقول فيه استطلاعات الرأي إن كثيرا من الناخبين لا يرون في جيوبهم ما يدعم هذه الصورة الوردية.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار