في انعكاس مباشر لل عقوبات الغربية التي قلّصت خيارات الادخار التقليدية، أظهر تقرير حديث لوكالة بلومبيرغ أن الروس باتوا يتجهون إلى الذهب كملاذ رئيسي لحفظ الثروة، في موجة شراء غير مسبوقة منذ عام 2022، بلغت مستويات تقارب احتياطي دول مثل إسبانيا أو النمسا من المعدن النفيس.
ووفقًا لتقديرات شركة "إل بانيان تري ريسيرتش" التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، من المتوقع أن تصل مشتريات الأفراد الروس من الذهب في شكل سبائك وعملات ومجوهرات إلى 62.2 طنًا خلال عام 2025، أي ما يعادل نحو مليوني أونصة تروي.
أونصة تروي (Troy) تشير إلى نظام قياس خاص للوزن يُستخدم تقليديًا لقياس المعادن الثمينة، والأونصة التروية = 31.1035 غراما، ينما الأونصة العادية المستخدمة في الأوزان اليومية في أميركا تساوي 28.3495 غرامًا فقط. أي أن الأونصة التروية أثقل قليلا من الأونصة العادية بنحو 9.7%.
كما يُتوقع أن يبلغ إجمالي مشترياتهم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022 نحو 282 طنًا، في مؤشر على التحول الحاد في أنماط الادخار داخل المجتمع الروسي.
وعلى الرغم من تباطؤ الشراء مقارنة بعام 2024، مع تجاوز أسعار الذهب حاجز 4 آلاف دولار للأونصة، فإن المعدن الأصفر لا يزال "الملاذ الأكثر تفضيلا" وفق تعبير التقرير.
وترى بلومبيرغ أن الطلب المتزايد يعكس بحث الروس عن بدائل تحفظ القيمة بعد أن فقدوا إمكانية الادخار باليورو أو الدولار بسبب القيود المفروضة على النظام المالي الروسي.
ويقول ديمتري كازاكوف، المحلل في شركة "بي سي إس غلوبال ماركتس" بموسكو ، إن "الأفراد كانوا تاريخيًا يفضلون الاستثمار في العقارات والعملات الأجنبية، لكن بعد القيود المرتبطة بالعقوبات أصبحت العملات وسيلة أقل ملاءمة للحفاظ على المدخرات، ومنذ عام 2022 ارتفع الطلب على الذهب".
وبحسب بلومبيرغ، فإن البنوك الروسية أوقفت تدريجيًا الودائع باليورو والدولار، بينما أصبحت التحويلات عبر الحدود أكثر صعوبة، ويُرجّح أن بعض الروس نقلوا جزءًا من احتياطاتهم الذهبية إلى الخارج كوسيلة لتحريك رأس المال، وإن كان من الصعب تحديد حجم تلك الكميات.
وتُنتج روسيا -وهي ثاني أكبر منتج للذهب في العالم- أكثر من 300 طن سنويًا، لكنها فقدت أسواقها الغربية منذ عام 2022 بعد أن حظرت رابطة سوق لندن للذهب التعامل في السبائك الروسية.
وردا على ذلك، ألغت الحكومة ضريبة القيمة المضافة على شراء الذهب للأفراد لتحفيز الطلب الداخلي ومساعدة شركات التعدين المتضررة من العقوبات.
ومن دون هذا الدعم المحلي، كانت شركات التعدين الروسية ستواجه صعوبات أكبر، خاصة أن البنك المركزي الروسي –الذي كان في السابق أكبر مشترٍ للذهب في العالم– أوقف شراء المعدن عام 2020، ولم يُحدث سوى تغييرات طفيفة منذ ذلك الحين، إذ استقرت احتياطاته عند نحو 75 مليون أونصة تروي.
كما أسهمت البنوك المحلية في تعزيز المبيعات الداخلية، إذ أظهرت بيانات "إل بانيان تري" أن حيازاتها بلغت 57.6 طنًا في أغسطس/آب 2025. وتعتمد الشركة في تقديراتها على نماذج اقتصادية وتحليلات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة أسواق السلع.
وفي محاولة لتقليل الاعتماد على مؤشرات الأسعار الغربية، بدأت روسيا هذا الشهر تداول الذهب فعليًا في بورصة سانت بطرسبورغ، ومع ذلك، أشارت الدراسة إلى أن حجم التداول لا يزال محدودًا، في حين تراجعت الصادرات الروسية من الذهب بشكل واضح خلال العام.
ويرى محللون أن اندفاع الروس نحو المعدن النفيس يجسد تحوّل الاقتصاد الروسي إلى ما يشبه "اقتصاد العزلة"، حيث يُستخدم الذهب رمزا للحفاظ على الثروة في ظل انقطاع القنوات التقليدية مع النظام المالي العالمي.
ويؤكد التقرير أن هذا الاتجاه، رغم كلفته العالية، سيظل "سمة مركزية في المشهد المالي الروسي" ما بقيت العقوبات قائمة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة