تُعيد جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2025، التي فاز بها جويل موكير إلى جانب فيليب أغيون وبيتر هاويت، النقاش حول جوهر النمو الاقتصادي وأبعاده الثقافية والاجتماعية، في وقتٍ يشهد فيه العالم تباطؤًا متزايدًا وتدخّلًا حكوميًا متصاعدًا في إدارة الاقتصاد.
وعرضت الكاتبة أليسون شرايغر، في عمودها المنشور على وكالة بلومبيرغ 5 دروس أساسية من فكر موكير، الذي شكّل كما قالت "الأساس لفهمي لسبب ازدهار بعض الاقتصادات وجمود أخرى".
وتشير الكاتبة إلى أن النمو الاقتصادي، رغم كونه مفتاح الازدهار ورفاهية الشعوب، غالبًا ما يُواجه بالرفض لأنه يرتبط بالتحوّلات والاضطرابات.
وتنقل الكاتبة عن موكير قوله إن الرجال في بدايات الثورة الصناعية "رفضوا العمل في المصانع لأنهم اعتادوا الاستقلال كحرفيين ومزارعين، وكانوا ينظرون إلى العمل المنتظم بأجر على أنه مهين ومقيّد للحرية".
وتوضح شرايغر أن هذا التحوّل الثقافي استغرق "أجيالًا من التكيّف الاجتماعي" قبل أن يصبح العمل الصناعي مقبولًا، مشيرة إلى أن "الابتكار لا يغيّر الأدوات فحسب، بل يعيد تشكيل الإنسان نفسه".
وتلفت الكاتبة إلى أن "الثورة الصناعية قامت على اختراعات عظيمة لم تُدرك قيمتها فورًا"، مثل المحرك البخاري الذي "استغرق أكثر من 100 عام حتى يظهر أثره في الإنتاجية".
وترى بلومبيرغ أن هذا الدرس يذكّرنا بأن كثيرًا من التقنيات الحديثة -مثل الذكاء الاصطناعي اليوم- "قد لا تظهر نتائجها الاقتصادية الفعلية إلا بعد عقود".
وتضيف أن "السرعة التي تُعتمد بها الابتكارات تتزايد، لكن العلاقة بين الاكتشاف والتطبيق لا تزال غير متزامنة".
وتؤكد الكاتبة أن "الابتكار يدمّر وظائف لكنه يخلق أخرى"، وهو ما يجعل التنبؤ بنتائج التطور التكنولوجي أمرًا شبه مستحيل.
وتنقل عن موكير قوله: "تخيّل أن تشرح لشخص في عام 1920 معنى خبير الأمن السيبراني"، لتُبرز الطبيعة المفاجئة للتحولات الاقتصادية التي ترافق الابتكار.
وتشير شرايغر إلى أن موكير أعاد تعريف سؤال كلاسيكي في الاقتصاد: لماذا بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا تحديدا؟
الجواب، وفقًا لبلومبيرغ، يكمن في الثقافة لا في الموارد، فقد "هيّأ عصر التنوير الأسكتلندي بيئة فكرية منفتحة على المخاطرة والتجريب، حيث كانت الفضولية والتفكير الحرّ قيمًا اجتماعية أساسية".
وتوضح الكاتبة أن "الاستثمار والبنية التحتية لا يكفيان لتحقيق الازدهار، فالنمو يولد من بيئة تسمح بالفشل والتجريب، لا من تخطيط حكومي مركزي".
وتذكّر بلومبيرغ بأن التاريخ الاقتصادي للعالم "يعجّ بقرونٍ من الركود الطويل"، وأن تسارع النمو في القرون الثلاثة الأخيرة كان استثناءً لا قاعدة. وتقول الكاتبة إن "النمو يمكن أن يتوقف إذا غابت الشروط التي تغذيه من الانفتاح والمخاطرة إلى حرية الابتكار".
وتضيف أن "رغبة الحكومات اليوم في التدخل لإنعاش الاقتصادات قد تفقدها جوهر النمو نفسه، لأن الوفرة لا تأتي من التخطيط بل من الانفتاح على المجهول".
وترى الكاتبة أن فكر موكير يقدم "رسالة أمل وتحذير في آنٍ واحد"، فهو يذكّرنا بأن التقدّم لا يتحقق إلا حين تكون المجتمعات مستعدة لتحمل الغموض والتجريب، وأن "العنصر الحاسم في النمو ليس رأس المال ولا التكنولوجيا، بل الانفتاح على المخاطرة والتغيير".
وتختم بلومبيرغ عمودها بالقول إن "أعظم درس من موكير هو أن النمو الاقتصادي لا يُمنح للأمم التي تخطط، بل لتلك التي تجرؤ على التجريب".