آخر الأخبار

الدراجات النارية في المغرب وسيلة الفقراء لتحريك عجلة الاقتصاد

شارك

مراكش– يحمل الشاب إبراهيم أوعلا، كل صباح، صندوق أدوات السباكة قبل أن يغادر منزله في قرية دوار السلطان ضواحي مراكش في المغرب، على متن دراجته النارية.

يخترق الصوت الميكانيكي صمت القرية، معلنا بداية رحلة جديدة نحو أحياء متباعدة، ينتقل بينها لتلبية طلبات زبائنه.

وفي استراحة قصيرة قبل انطلاقته، وبعد أن يضع خوذته، يتفقد إبراهيم خزان الوقود ويقول لـ(الجزيرة نت) بنبرة واقعية: "أصرف قرابة 50 درهما (5 دولارات) يوميا على البنزين، وأحيانا لا أتردد في ملء الخزان، لأن الأسعار قد ترتفع ولا أملك خيارا آخر".

لا تتوقف تكاليف الدراجة عند الوقود، فإبراهيم مثل الذين يعتمدون على دراجاتهم النارية في التنقل من أجل العمل، يواجه عبء التأمين الذي تضاعف من 700 إلى 1400 درهم (70 – 140 دولارا) سنويا، أما الصيانة الدورية، من تغيير الزيت إلى إصلاح الأعطال البسيطة، فهي جزء من مصاريف لا مفر منها، يوازن بينها وبين دخله اليومي.

لا يبدو الرجل مستاءً من كل ذلك، ويبتسم مضيفا: "صحيح أن الدراجة تكلفني، لكنها تعيدني كل مساء برزق يكفي أسرتي".

مصدر الصورة الدراجات النارية تهيمن على السوق المغربي (الجزيرة)

اقتصاد شعبي

يعتمد ملايين المغاربة على دراجتهم النارية لكسب قوتهم اليومي، كما أنها ساعدت على فك العزلة، خصوصا في المناطق النائية والمهمشة التي قد لا تجد فيها وسائل نقل عمومية في الوقت المطلوب.

وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تمثل الدراجات النارية نسبة 36%، مقابل 45% للسيارات، من مجموع المركبات في المغرب البالغ عددها نحو 6.3 ملايين مركبة سنة 2023.

ويقول الأستاذ الباحث في الاقتصاد هاشمي علوي إنه بالرغم من التكلفة المنخفضة للتنقل بالحافلات العمومية، فإنّ شريحة واسعة من المجتمع، وليس فقط من ذوي الدخل المحدود، تلجأ إلى النقل بالدراجات النارية بشكل متزايد، لما تتيحه من مزايا كسهولة الحركة وتعزيز الانسيابية وإمكانية التنقل في بيئات ذات بنية تحتية معينة، مما يسهم في تيسير الحركة الاقتصادية اليومية وتعزيز التجارة المحلية والخدمات الصغيرة وتوفير وظائف ذاتية بكلفة استثمارية منخفضة.

إعلان

وأضاف في حديثه للجزيرة نت "لكن هذا النمط من النقل أدى إلى زيادة في معدل حوادث السير وتفاقم مشكلات إدارة المرور وزيادة التلوث الهوائي، مما يقوض استدامة هذه الفوائد".

ويقول أمين جمعية مهنية للدراجات النارية، محمد خلاطي إن كل توقف لهذه الدراجات، يكلف الاقتصاد الوطني كثيرا بالنظر لعدد المهن المرتبطة بها".

ويضيف بحكم احتكاكه اليومي والمباشر مع أصحاب الدراجات النارية، أن هذا القطاع يولد آلاف فرص العمل المباشرة، من البيع والصيانة والتأمين، إلى الخدمات اللوجستية وتجارة قطع الغيار، كما أن الطلب على خدمات التوصيل الحضري، رفع الطلب على الدراجات بشكل غير مسبوق".

سوق مستدام

تظهر دراسة للبنك الدولي في عدد من الدول الأفريقية أن حجم الاستهلاك المحلي يجعل الدراجات النارية محركا لدورة اقتصادية متكاملة، من شراء الزيوت والإطارات إلى معدات السلامة، مما يخلق فرصا استثمارية جديدة ويضمن استمرارية النشاط الاقتصادي.

ويقدر عدد الدراجات النارية المسجلة في المغرب في 2025 بنحو 35 ألف وحدة، بقيمة سوقية تبلغ 38.64 مليون دولار، مع استقرار نسبي حتى سنة 2030، وفق موقع ستاتيستا الإحصائي.

ويحتل المغرب المرتبة السابعة حيث عدد الدراجات لكل مليون دولار من الناتج الداخلي الخام، بواقع 2.36 وحدة بزيادة 5.54% سنويا، وفق بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لسنة 2023.

وتشير بيانات مركز التجارة الدولي إلى هيمنة الصين على واردات المغرب من قطع الغيار سنة 2023، بقيمة 32.8 مليون دولار، وجاءت منتجات الاتحاد الأوروبي بقيمة 3.04 ملايين دولار، مما يعكس توازنا بين الكمية والقيمة وجودة المنتجات، كما يلاحظ خلاطي.

ويشرح المتحدث أن ثمن الدراجات النارية الصينية المنخفض (ما بين ألف و1500 دولار) نسبيا يجعلها تحتل المرتبة الأولى في السوق المغربي من حيث عدد الوحدات المبيعة لشريحة واسعة من المواطنين، في حين تلجأ "النخبة" إلى الدراجات اليابانية المرتفعة الثمن (3 آلاف الى 4 آلاف دولار).

إمكانية التوطين

تظهر بيانات مركز التجارة الدولي أن المغرب يعتمد كليا على استيراد الدراجات النارية. ويقول الخبير الاقتصادي هاشمي علوي إنه في سياق عجز هيكلي في الحساب الجاري، لا سيما حساب الميزان التجاري للسلع، ونظرا لأن السياسات التقييدية ذات الطابع الجمركي والضريبي توصم بالحمائية، فإن الاعتماد على الواردات الموجهة للاستهلاك يتطلب ضبطا لصالح الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، بما يتيح دفع الصادرات رغم ما يستدعيه ذلك من مدخلات مستوردة، وفي هذا الصدد، قطع المغرب خطوة كبيرة في صناعات النقل، سواء في قطاع السيارات أو الطيران.

ويضيف، مع ذلك يمكن للمغرب الاستفادة من الطلب القوي على صناعة الدراجات النارية، وهو طلب لا يقتصر على السوق المحلية فحسب، بل يمتد ليشمل البلدان النامية الأخرى، بهدف توطين صناعة الدراجات الخفيفة عبر نموذج تدريجي، يبدأ بتجميع الدراجات ذات المحركات الحرارية المستوردة، ثم تطوير قطع غيار محلية، وصولا إلى الاستثمار في الدراجات النارية الكهربائية، ويمكن للمغرب استقطاب مصنّعين آسيويين والاستفادة من منظومة صناعة السيارات المحلية والتوجه نحو التصدير إلى أفريقيا.

إعلان

وإضافة إلى منافعها المالية المباشرة، من خلال المساهمة في تحقيق إيرادات ضريبية من الإنتاج والبيع، وتخفيف تدفق العملات الصعبة إلى البلدان المصدرة، فإن لهذه الخطوة ميزة أمنية إذ تسهم في معالجة مشكلة السلامة الطرقية ونقص إمكانية التتبع والتسجيل للدراجات التي تغمر السوق المحلي من دون خدمات ما بعد البيع معتمدة.

مصدر الصورة الدراجات النارية لها مزايا للفقراء في المغرب (الجزيرة)

سلامة الطرق

رغم المكاسب الاقتصادية، يبقى تحدي سلامة الطرق محور اهتمام الحكومة والمجتمع، وتشير إحصائيات منظمة الاقتصاد والتعاون والتنمية إلى أن أصحاب الدراجات النارية يمثلون أعلى نسبة إجمالي عدد الوفيات في حوادث السير على الطرقات في المغرب، وارتفع في هذه الفئة 26.9% بين 2017 و2022 (من 1102 إلى 1398 وفاة).

وعملت الحكومة على مراقبة سرعة الدراجات، لكنها أرجأت تطبيق بعض الإجراءات بعد استياء شعبي، مع اعتماد مهلة للتصحيح وتوسيع التوعية عبر وسائل الإعلام، بحسب بيان وزارة النقل واللوجستيك.

وبرزت مطالب اجتماعية بضرورة تحسين وسائل النقل العمومي خاصة الحافلات التي لا تمثل سوى 0.2% من مجموع المركبات، بدلا من فرض أعباء مالية إضافية على الأسر.

ويرى عضو مجلس المستشارين عبد الرحمن الوفا ضرورة أن تراعي قرارات الحكومة البعد الاجتماعي والاقتصادي، مع فتح حوار جاد مع الجمعيات المهنية لإعادة الثقة في السياسات العمومية".

ويضيف خلاطي أن فرض سرعة محدودة (50 كيلومترا/ الساعة) غير واقعي في المناطق الجبلية والمرتفعات، ويؤكد على ضرورة منح فترة انتقالية كافية، مع إطلاق حملات توعية قبل تفعيل أي قوانين جديدة لضمان تطبيق فعّال ومتوازن يحافظ على السلامة من دون الإضرار بالاقتصاد والمواطنين.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار