بعد 10 سنوات من الركود، عادت الجزائر إلى واجهة الاستكشافات الطاقوية الدولية، حيث أسفرت جولة عطاءات 2024، الأولى من نوعها منذ 2014 عن منح 5 رخص من أصل 6، في خطوة تشير إلى تحوّل في سياسة الجزائر الطاقوية.
وفي حين عززت "إيني" الإيطالية موقعها، وسجلت الشركات الصينية حضورا لافتا، برز التحالف الثلاثي الذي نال ترخيص منطقة "أهارا" شرقي البلاد، ويتألف من "سوناطراك" الجزائرية (51%)، و"توتال إنرجيز" الفرنسية (24.5%)، و"قطر للطاقة" (24.5%).
يمثل دخول " قطر للطاقة " أول مشاركة عربية في قطاع الاستكشاف الطاقوي بالجزائر، ويعد هذا المشروع أول حضور فعلي للشركة القطرية في السوق الجزائرية. وتغطي منطقة أهارا، التي تقع عند نقطة تقاطع حوضي بركين وإليزي المعروفين بغزارة الإنتاج، مساحة تقارب من 14 ألفا و900 كيلومتر مربع.
وأكد وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب أن هذه الجولة تعكس تحولات هيكلية في مناخ الاستثمار. واعتبر أن القوانين الجديدة، خاصة قانوني المحروقات والاستثمار، أرست بيئة قانونية "جاذبة وشفافة" للمستثمرين.
وتراهن الحكومة الجزائرية على تنويع الشركاء، وتجديد الاحتياطات، ورفع القدرات الإنتاجية مع ضمان استقرار تموين الأسواق، خصوصا الأوروبية. كما تُبرز هذه الخطوة رغبة الجزائر في جذب استثمارات ذكية ومستدامة في قطاع الطاقة.
يرى أستاذ الاقتصاد البروفيسور فارس هباش أن فوز قطر برخصة الاستكشاف يعكس إرادة قوية من الجانبين لتعزيز التعاون الثنائي والتوسع المشترك نحو أسواق جديدة. وذكّر بالشراكة الزراعية السابقة بين الجزائر وشركة "بلدنا" القطرية بقيمة 3.5 مليارات دولار، والتي شملت مشاريع في الزراعة الإستراتيجية، واللحوم، والحليب الجاف.
وأضاف هباش أن الشراكة الجديدة مع قطر للطاقة تمثل استمرارا لمسيرة تعاون طويلة، تقوم على تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا. إذ تستفيد الجزائر من الخبرات القطرية في تطوير المشاريع الطاقوية، بينما تجد قطر فرصة لتوظيف رأس مالها في سوق واعدة، والاستفادة من خبرة سوناطراك، الشركة الرائدة عالميا في سلسلة القيمة الطاقوية.
كما أشار إلى أن هذا الاستثمار لا يعزز فقط الاقتصاد القطري، بل يساهم في تنويع استثماراته داخل المنطقة، خصوصا في ظل تزايد الطلب العالمي على الطاقة. ويُعتبر التحالف الثلاثي نموذجا ناجحا للتعاون بين مؤسسات عربية وأوروبية في مجال الاستكشاف والإنتاج.
يرى هباش أن قطر تستفيد من الموقع الجيوسياسي المهم للجزائر، كنقطة عبور نحو الأسواق الأوروبية. كما أن تطور قدرات الجزائر في مجالات التنقيب والاستخراج، مع إدخال تقنيات حديثة، يعزز كفاءة الإنتاج، ويدعم موقع الجزائر كمصدر رئيس للطاقة في أفريقيا والعالم.
ويؤكد الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي أن التعاون الثلاثي يشكل بوابة لولوج السوق الجزائرية، خصوصا في ظل وجود احتياطات كبيرة غير مستغلة. ويرى أن المشروع يعكس تحوّلا إستراتيجيا في انفتاح الجزائر على المؤسسات العالمية، ويُظهر استعدادها لتحرير قطاعها الطاقوي.
وشدد تيغرسي على الأثر الإيجابي لهذا المشروع في تعزيز التعاون الاقتصادي العربي والدولي، خاصة في ظل القوانين الجديدة التي تمنح أهمية أكبر للشراكات الإستراتيجية، وتدعم دور الشركات الكبرى في تطوير الحقول وتنشيط الاقتصاد المحلي، وزيادة الإيرادات العمومية.
أوضح الخبير الاقتصادي أن هذه الشراكة تؤسس لنمط جديد من التعاون بين الجزائر وقطر، لا يقتصر على الطاقة بل يشمل الزراعة والصحة وقطاعات أخرى. واعتبر أن توسيع استثمارات المحروقات يمثل أولوية، خاصة بعد سنوات من ضعف استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
من جهته، يرى الخبير الطاقوي أحمد طرطار أن هذا التعاون قد يشكل نواة لتوسيع استثمارات عربية في مجال الطاقة، حيث تبقى قطر نموذجا متميزا بفضل كفاءتها المالية والتقنية واحترامها للضوابط التعاقدية، مقارنة بندرة الاستثمارات العربية في هذا القطاع.
وأكد طرطار أن وجود "قطر للطاقة" في هذا المشروع قد يدفع نحو مشاريع إضافية في مجالات التكرير والتوزيع والطاقات النظيفة، خاصة في ظل اهتمام الجزائر بتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر في أفق 2025.
وأشار إلى أن الشراكة الثلاثية، بين أطراف ذات خبرة طويلة، ستعطي دفعة قوية لعمليات التنقيب والتقييم والتطوير، بما يعزز مكانة الجزائر كمركز طاقوي إقليمي، ويوسّع من قاعدة المستثمرين العرب في هذا القطاع الحساس.
وتشكّل هذه الشراكة بين "قطر للطاقة"، و"سوناطراك"، و"توتال إنرجيز" لحظة مفصلية في تطور المشهد الطاقوي الجزائري. فهي لا تعني فقط دخول أول شريك عربي إلى مجال الاستكشاف، بل تفتح آفاقا أوسع لتعاون اقتصادي إقليمي مبني على المصالح المشتركة، ونقل المعرفة، وتكامل رأس المال العربي مع الإمكانات الجزائرية والفرص الأوروبية.