آخر الأخبار

سقوط حكم الأسد: " دعوات الإفطار في سوريا أصبحت ترفاً خلال رمضان، والأزمة غيرت عاداتنا وتقاليدنا"

شارك
مصدر الصورة

"رمضان اختلف كلياً منذ بدء الأزمة وأصبح يمثل غصة، على عكس ما كان في السابق، عندما كنا نلتقي ونجتمع ونتبادل صحون الطعام ودعوات الإفطار"، هكذا بدأت لميس (58 عاماً) وهي ربة منزل تعيش في دمشق حديثها لبي بي سي.

"أصبحنا نحسب حساب كل مكون على سفرة الإفطار بسبب الغلاء وشح الموارد"، تقول لدى سؤالها عن مائدة رمضان.

"الأساسيات مثل الأرز واللحوم والحبوب مثل الحمص والفول أصبحت كماليات وليس من السهل طهيها بشكل مستمر حتى في رمضان العام الماضي، اعتادت العائلة على تناول نفس أصناف الأطعمة بشكل مكرر لعدة أيام وبكميات أقل من المعتاد، نظراً لأن أغلب السلع كانت مقطوعة عن الأسواق"

وتحدثت بي بي سي مع مواطنين سوريين وتجار وخبراء حول الأوضاع الاقتصادية خلال شهر رمضان الحالي واختلافه عن السنوات السابقة، اتفق أكثرهم على "تحسن بسيط ملموس في الأسواق" مع استمرار ضعف القوة الشرائية والرواتب وعوامل أخرى، وفق ما قولهم.


* ما مستقبل اقتصاد سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟

"سلع تتوفر من جديد، وقوة شرائية ضعيفة"

مصدر الصورة

استقبل السوريون رمضان هذا العام لأول مرة منذ خمسة عقود دون عائلة الأسد، في ظل تحديات اقتصادية تشهدها البلاد مثل ارتفاع أسعار السلع وضعف القدرة الشرائية وتذبذب الليرة السورية، وسط خطط حكومية للتعافي.

ومع ذلك، ظهرت بعض المؤشرات على تحسن طفيف في رمضان الحالي، ما أثار آمال السوريين نحو مستقبل أفضل.

ويعيش "تسعة من كل عشرة أشخاص في سوريا في فقر، كما أن واحداً من كل أربعة أشخاص عاطل عن العمل"، بحسب الأمم المتحدة، ولكن اقتصاد البلاد يمكن أن يستعيد مستواه قبل الصراع في غضون عقد من الزمان في ظل نمو قوي".


* مؤتمر الحوار الوطني السوري: هل نجح المؤتمر في تمهيد الطريق أمام مرحلة انتقالية سلسة؟

بدوره، أشار الباحث السوري المختص بالشؤون الاقتصادية خالد التركاوي، إلى أن "معظم السلع التي لم تكن متوفرة أصبحت موجودة بشكل أكبر" وعلى الرغم من أن هذه السلع ربما تكون رخيصة نسبياً، " لكن القدرة الشرائية ضعيفة أيضاً".

وقال لبي بي سي: "حتى هذه اللحظة لا يستطيع معظم أفراد الشعب السوري بمختلف طبقاتهم شراء تلك السلع، ما يعني عدم وجود فرق من الناحية المعيشية" ما يجعل التركاوي يعتقد بأنه لا يوجد فروقات كبيرة بين شهر رمضان خلال حكم عائلة الأسد، ورمضان الحالي، بعد سقوط النظام، رغم توفر السلع التي كانت مقطوعة من مصادر تركية أو بعض المصادر الأخرى اللي كانت تقريباً غير موجودة، ما أعاد التنوع في السوق السوري"، وفق قوله.

مصدر الصورة

لميس التي أوضحت أن عائلتها "اجتماعية جداً وتتبادل الدعوات يومياً في رمضان قبل الأزمة" قالت: "دعوة الآخرين على الإفطار في رمضان أصبحت تثقل كاهل الداعي، بسبب التكلفة والمشقة" لذلك أصبح الكثير من الناس تبادل دعوات الإفطار في رمضان خلال السنوات السابقة، ما أضعف الروابط الاجتماعية والأسرية بشكل كبير.

تضيف لميس "دعوات الإفطار أصبحت ترفاً، والروابط الاجتماعية على المحك، ونحاول استعادة الأيام الجميلة السابقة بالعودة لتلك التجمعات والألفة بين العائلات.. الأزمة غيرت عاداتنا وتقاليدنا".

لكن مع انخفاض أسعار بعض السلع بشكل طفيف، والتوقعات بزيادة الرواتب، تأمل لميس أن تتمكن العائلات من العودة لسابق عاداتهم وتقاليدهم من حيث تناول طعام الإفطار سوياً مع أقاربهم ومعارفهم، وتعويض ما فاتهم خلال السنوات الصعبة السابقة.

"بدأت تشعر بفرحة الناس"

التركاوي، لفت إلى أن التغيّر الذي طرأ على الشق المعيشي قبل حكم الأسد وبعده لم يختلف كثيراً، على الرغم من تحسّن العلاقات الاجتماعية والتفاعل بين الناس، إلا أن عجلة الاقتصاد لم تتحرك كما يجب للآن، ولم ترتفع الدخول المعيشية كما هو متوقع.

وقال التركاوي: "شهدنا عودة كثير من الأشخاص لمنازلهم، وبإمكاننا القول إن الإطلالة الاجتماعية خلال رمضان الحالي أفضل، والتي تعرف بلمة العائلة والدعوات للإفطار، من هذه الناحية هناك اختلاف بشكل واضح جداً".

"بدأت تشعر بفرحة الناس، من خلال التحسن ولو بشكل بسيط في الأوضاع بعد حكم الأسد، وفي قضية عودة أبناء من كانوا في الخارج ولو للزيارة ولمة الأقارب والجيران والأصدقاء"، بحسب التركاوي.

وتابع: "هذه العوامل جميعها تنشط الحركة التجارية والاقتصادية، لأن هذه الزيارات والدعوات تزيد استهلاك الوقود والمشتريات وغيرها، لذلك الجانب الاجتماعي حالياً هو لاعب رئيسي لعودة الاقتصاد وتحسن الأحوال".

يعتقد التركاوي أن مدن دمشق، حمص، حلب، وأغلب المدن الكبرى، شعرت بالفارق أكثر من غيرها من المناطق.

وذكر أن القادمين من خارج سوريا ساهموا في دفع وتمويل شراء السلع الواجب توفرها في العزائم العائلية، عبر إنفاقهم ولو بشكل بسيط ولفترة زمنية قليلة وتحويلات مالية ممن هم في الخارج، ما انعكس على الحركة في شهر رمضان.

وحول الخطط الحكومية، أوضح أن هناك إجراءات تؤخذ من قبل الحكومة الحالية لتحسين الكهرباء والوقود بأنواعه والأساسيات التي كانت غير متوفرة في السابق، ومن المتوقع أن يلمسها السوريين قريباً.

"الحياة الدينية بدأت تستعيد نشاطها"

رغم الصعوبات الاقتصادية، يبقى الجانب الروحي والديني لرمضان حاضراً بشكل كبير، ويشهد العديد من السوريين تواجداً أكبر في المساجد والفعاليات الدينية، حيث يحرصون على الصيام والصلاة والقيام بالأعمال الخيرية التي تعكس التضامن في هذه الفترة، وفق نجوى، (61 عاماً) وكانت تعمل ببيع الملابس في حمص.

"خلال حكم الأسد والأزمة الطويلة الماضية، كنا نخاف أن نصل المساجد أو نقيم جلسات عبادة خشية من التضييق السائد حينها، فكنا نقيم شعائر رمضان في بيوتنا أو بتواجد لبعض الأشخاص فقط"

لكن في رمضان الحالي، اختلف الأمر بالنسبة لنجوي، "يمكن القول بأن الحياة الدينية بدأت تستعيد نشاطها في سوريا، والمخاوف تلاشت إلى حد كبير، وعاد الجميع إلى المساجد وحتى في الأوقات التي كانت تعتبر خلال الأزمة بالخطيرة لتأخرها، مثل صلاة الفجر والسحور في المساجد"

ورغم الصعوبات الاقتصادية، تؤكد نجوى أن التضامن الاجتماعي يشكّل سمة مميزة في رمضان، ففي هذا العام عادت العديد من الجمعيات الخيرية والمؤسسات المحلية إلى تقديم المساعدات النقدية والمادية للعائلات الفقيرة وهي كثيرة، وفق قولها، مثل توزيع السلات الغذائية أو تقديم الوجبات المجانية، ما يساعد في تخفيف بعض الضغوط على الأسر.

مصدر الصورة

"الأزمة غيرت سلوك المستهلك"

مصدر الصورة

ويقول تجار في منطقة سوق الهال المعروفة ببيع العديد من السلع الغذائية والتموينية، تحدثت بي بي سي إلى بعضهم، إن شهر رمضان خلال السنوات السابقة كان يشهد حركة تجارية محدودة جداً على عكس المعتاد.

"بعض الناس كان يشترون بالحبة الواحدة وقد لا يستطيعون ذلك" يقول أحدهم، أما عن السلع التي تباع بالوزن فكان الكثير من الناس يشترون أوقية فقط (وحدة لقياس الوزن تساوي نحو 250 غرام) أو حتى أقل بسبب سوء الأوضاع وضعف القدرة الشرائية"، في إشارة إلى ضعف القدرة الشرائية بين الناس.

أما في ظل انقطاع العديد من السلع بسبب الأزمة، فكان التجار يلجأون إلى ما يعرف "بالسوق السوداء" التي توفر تلك السلع عبر التهريب أو غيره، ما يخلق حالة من الفوضى في الأسعار تؤدي إلى ارتفاعها، ويعرض التجار لعقوبات في حال تم ضبطهم.

أشار بعض التجار إلى تغيرات في سلوك المستهلك بسبب الأزمة وسوء الأوضاع، حيث يزداد الطلب على بعض السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والأدوية، بينما يتراجع الطلب على بعض السلع الكمالية أو حتى العادية، لكن البعض أصبح يعتبرها كمالية نظراً لعدم قدرتهم على شرائها، مثل الدجاج واللحوم "التي أصبحت تدخل البيوت بشكل نادر" يقول أحد التجار.

كذلك ارتفعت أسعار العديد من السلع، بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها ونقلها وارتفاع كُلف المواد الخام، ما دفع التجار لرفع الأسعار، بالإضافة إلى تقلبات في سعر صرف الليرة السورية والدولار، ما أنعكس بشكل كبير على حركة السوق.

لكن مع تغير الأوضاع السياسية ووعود بتحسن الاقتصادية وانخفاض طفيف في الأسعار، لمس التجار حركة أفضل في الأسواق، وإن كانت بشكل محدود، ما ساهم بعودة السوريين للإقبال على السلع التي كانوا يتجنبونها في السابق.

"من الواضح أن رمضان الحالي سيكون أفضل من السنوات الكثيرة السابقة، ونأمل بمزيد من التحسن، خاصة مع توقعات بمزيد من التعافي لليرة السورية ورفع الرواتب".

ماذا عن رواتب السوريين؟

يقول الباحث المختص بالشؤون الاقتصادية خالد التركاوي، وهو باحث في مركز جسور للدراسات، إن هناك ثلاثة أنواع من الرواتب في سوريا، الرواتب الحكومية؛ التي تعتبر من بين الأقل في البلاد، حيث لا تتجاوز في معظم الحالات عشرات الدولارات شهرياً، على سبيل المثال، قد تصل الرواتب في بعض المؤسسات الحكومية إلى 20 أو 25 دولاراً شهرياً، وفي حالات نادرة 30 دولاراً.

ورغم أنه يوجد بعض الموظفين الجدد الذين عادوا إلى وظائفهم في مؤسسات حكومية، مع بعض الزيادات في رواتبهم بموجب خطة الحكومة لزيادة الرواتب في المناصب الرئيسية، بحسب التركاوي، إلا أن تطبيق هذه الزيادات قد يستغرق وقتاً، ومن غير الواضح متى سيتم تنفيذها بشكل كامل.

ثانياً، هناك رواتب القطاع الخاص؛ رغم أن رواتب القطاع الخاص ليست مرتفعة، إلا أنها أفضل من نظيرتها في القطاع العام، يمكن أن تصل رواتب بعض الموظفين في القطاع الخاص إلى 100 أو 120 أو حتى 150 دولاراً شهرياً، على الرغم من أن هذا المبلغ لا يزال محدوداً، إلا أن بعض الشباب في دمشق بدأوا يحصلون على رواتب تتراوح بين 300 و400 دولار شهرياً، وهي أفضل بكثير من الوضع في العام الماضي، وبالتالي، يعتقد التركاوي أنه مع انتعاش القطاع الخاص، قد ترتفع الرواتب أكثر في المستقبل.

أما النوع الثالث من الرواتب، فهي رواتب المنظمات والمؤسسات الدولية، التي توثر على الاقتصاد إيجاباً، نظراً لأن رواتب هذه المنظمات غالباً ما تكون مرتفعة، حيث يمكن أن تصل إلى 1000 دولار أو أكثر.

بالإضافة إلى ذلك، بعض الشركات الدولية أو التي لها نطاق عالمي، مثل الشركات التركية التي افتتحت مكاتب لها في سوريا، تدفع رواتب جيدة، تصل إلى 1200 أو 1500 دولار شهرياً، وهو مبلغ جيد بالنسبة للكثير من الشباب السوريين، هذه الرواتب المرتفعة تساهم في تنشيط السوق المحلي من خلال القوة الشرائية للأفراد الذين يتلقون هذه الرواتب.

بالمحصلة، أشار التركاوي إلى أن الانتعاش في القطاع الخاص سيؤدي إلى زيادة في الرواتب، ما سيساهم في تحسن الوضع الاقتصادي بشكل عام.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار