مراكش – اختارت المغربيتان رجاء خيرات وهبة أغياتي دخول سوق العمل كرائدتي أعمال أو بنظام المقاول الذاتي، الأولى في قطاع الصحافة والإعلام، والثانية في مجال الأثاث المنزلي.
تقول رجاء لـ"الجزيرة نت" إنها لا تستطيع العودة إلى الوراء بعد 3 سنوات من انطلاق تجربتها على الرغم من الصعوبات التي تواجهها، وإن شغفها بمهنتها يدفعها للاستمرار.
أما هبة فاستطاعت أن تحقق قفزة مهمة بعدما استفادت من امتيازات إدارية وضريبية في بداية عملها، إذ تحولت إلى تأسيس شركة حين نما حجم نشاطها، ووصل رقم معاملاتها السنوي إلى ما يناهز 570 ألف درهم (57 ألف دولار) في ظرف أقل من سنة واحدة.
وتقول لـ"الجزيرة نت" إن نظام المقاول الذاتي يمنح فرصة التكيف تدريجيا مع بيئة العمل الرسمية، من دون التعرض لتعقيدات كبيرة، من خلال إصدار الفواتير والتعامل مع الإدارة وتنظيم الأمور بطريقة سهلة ومبسطة، لكنه في حاجة إلى مواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والرقمية.
وأطلقت الحكومة المغربية سنة 2015 نظام المقاول الذاتي، بهدف المساعدة على تخفيف البطالة وتشجيع العمل الحر والمستقل بين الشباب، وهي بذلك تعمل على تعزيز منظومة ريادة الأعمال وتثمين المهن وإرساء فرص التنمية.
ويمارس المقاول الذاتي نشاطا مهنيا بصفة فردية، ويستثمر ماله وخبرته.
والمقاول هو صانع أو تاجر أو مقدم خدمات يعمل لحسابه فقط بصفة قانونية، ويستفيد من نظام قانوني، ومحاسباتي وجبائي مبسط، بشرط ألا يتجاوز رقم معاملاته السنوية 200 ألف درهم (20 ألف دولار) في تقديم الخدمات، أو 500 ألف درهم (50 ألف دولار) في الأنشطة الصناعية والتجارية والحرفية، كما يمكنه الحصول على تمويل من مؤسسات القروض، مع وجوب الانخراط في الحماية الاجتماعية.
تختلف المقاولة الذاتية عن باقي المقاولات بما فيها المقاولة الصغيرة والصغيرة جدا، بعدد العاملين (عامل واحد صاحب المقاولة)، ورقم معاملات صغير، و بإعفاء من التقيد السجل التجاري، وبأداء ضريبة مخفضة بنسبة 1%.
وقال أستاذ قانون الأعمال في جامعة الحسن الأول بمدينة سطات في المغرب، محمد حميدا إن هذه التجربة رائدة في العالم العربي، وتشكل منظومة قانونية وإدارية وضريبية متكاملة، وتساعد على زيادة العائدات الاقتصادية، ومساعدة الشباب العاملين للاندماج في الاقتصاد المنظم.
وأضاف أن التجربة لقيت إقبالا في بداية انطلاقتها، لكن مع توالي السنوات ظهرت الحاجة إلى تطويرها من الناحيتين القانونية والإدارية.
وحسب معطيات وزارة التجارة، وصل عدد المسجلين بعد سنة واحدة من انطلاق النظام (2016) أكثر من 40 ألف شخص وهو ضعف ما كان متوقعا.
ويمارس 85% من المقاولين الذاتيين أنشطتهم بشكل دائم، ويستقر 50% منهم في منطقة الجذب الاقتصادية ما بين مدينتي الدار البيضاء والقنيطرة، كما يشتغل نحو نصف المسجلين بدورهم السكنية.
ويهيمن على النظام قطاع التجارة 45%، متبوعا بقطاع الخدمات 27% والصناعة 24% ثم قطاع الصناعة التقليدية 4%.
بعد 10 سنوات، تؤكد الحكومة على قدرة استمرار نظام المقاول الذاتي في إنعاش الاقتصاد الوطني واعتباره رافعة للاندماج في الاقتصاد المنظم.
وأبرز الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع خلال مناقشة قانون المالية 2025 أن عدد المقاولين الذاتيين تجاوز 430 ألفا حتى نهاية 2023، مع تسجيل أكثر من 30 مقاولا جديدا خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2024.
وبالرغم من نمو عدد المسجلين في السنوات الأولى، إلا أنه لوحظ انخفاض منذ سنة 2021، كما جاء في تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة استشارية رسمية).
وعزي ذلك إلى القيود المفروضة على رقم المعاملات وعلى التوظيف، والتي تعيق قدرة المقاولين الذاتيين على تطوير حجم مشاريعهم.
وأضاف التقرير أن إقرار إصلاحات ضريبية في قانون المالية لسنة 2023، للحد من عدم التصريح بالعاملين بالمقاولات الذاتية، أثر سلبا على الامتياز الضريبي التنافسي.
أما رئيس الاتحاد الوطني للمقاولين الذاتيين (هيئة مهنية) رشيد بلوش فيحدد لـ"الجزيرة نت" صعوبات المقاولة الذاتية فيما يلي من بين أخرى:
يبقى التحول من المقاولة الذاتية إلى الشركة، كما حدث مع الشابة هبة، طموح كل مستثمر يبدأ من الصفر، لكن ذلك لا يتوفر دائما للجميع بسبب صعوبات الوصول إلى التمويل الكافي والصفقات العمومية.
ويقول الأكاديمي حميدة إن المشرع أتاح للمقاول الذاتي الاستفادة من نسبة منها خاصة في مجال التوريدات التي يشتغل فيها غالبية العاملين بهذا النظام، لكن ما زالت آلية تفعيل هذا الحق غير ظاهرة.
ويقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي استحداث بورصة لتشجيع المقاولين الذاتيين والمقاولات الصغيرة جدا على تقديم ترشيحات مشتركة للوصول إلى الصفقات العمومية، مع سن إمكانية خصم الضريبة على القيمة المضافة من الأرباح الخاضعة للضرائب لصالح المقاولين الذاتيين، من أجل تشجيع الإقبال على هذه الصيغة من المقاولات.
ويعود الأستاذ الجامعي ليؤكد على أهمية استحداث اتحادات مهنية خاصة بهذه الفئة، وإمكانية الدمج بين المقاولات الذاتية لتقويتها ونموها وتطويرها مع البقاء على نفس التحفيزات الإدارية والضريبية.
تعمل رجاء باستمرار على تطوير مهاراتها المهنية، لكنها لا تستطيع القيام بأكثر من عمل يتطلب لتطوير مقاولتها الذاتية، ولا البحث عن موارد مالية، لذا تضطر إلى العمل بأجر في شركة أخرى لتغطية نفقاتها.
تأتي رغبات رجاء في تحسين وضعيتها، متطابقة مع توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي برفع رقم المعاملات السنوي للمقاول الذاتي على ما هو مسموح به، وتمكينه تشغيل 2 أو 3 أجراء.
ويقول الأكاديمي المغربي محمد حميدا إن المشرع المغربي راهن على التخفيضات الضريبية للتحفيز، لكنها غير كافية.
ويرى ضرورة لتنويع مصادر التمويل؛ لأن الاعتماد على القروض التقليدية يرهق المقاولات لا سيما إن كان العمل في البداية.
ويدعو إلى إقرار دعم مالي وتقني وفني لتمويل ومتابعة المقاول الذاتي إلى حين الوصول إلى مرحلة الاستقرار المالي والإداري، وإدماج المقاولة بالمحيط الاقتصادي، مع ربطه على المستوى الرقمي بجميع الإدارات، سواء مؤسسات التمويل أو مؤسسات الضمانات المنقولة أو الوثائق المحاسبية.
ويؤكد على دور الغرف التجارية والصناعية والخدماتية في توعية الشباب الحاملين للمشاريع في ظل نظام المقاول الذاتي بطرق العمل وتنظيمه، وسبل الاستثمار والوصول إلى التمويلات الكافية، لا سيما أنهم في غالبيتهم من دون تجارب سابقة.
ويختم الأكاديمي أن الرهان ليس فقط على تسجيل 400 ألف شاب في هذا النظام، وهو رقم مهم، لكن أيضا على صمودهم في هذا الاختيار في ظل ما يعرفه الاقتصاد الوطني من تحديات التضخم وغلاء الأسعار والمنافسة.