آخر الأخبار

أعداء الظاهر وشركاء الخفاء.. حكاية تحالفات الشركات العالمية مع النازية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

يقول المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في أحد حواراته في كتاب البروباغندا والعقل العام (Propaganda and the Public Mind) "الشركات مؤسسات شمولية، ستبيع أي شيء لأي أحد، غازا ساما، أدوات قتل جماعي، أي شيء، طالما هناك ربح في ذلك".

لطالما وُجهت أصابع الاتهام إلى كبريات الشركات الرأسمالية التي تستربح من "الدولار القذر"، في إشارة إلى الربح غير الأخلاقي والصفقات التي تُعقد يدا بيد مع الشيطان. الأمثلة على ذلك لا تُعدّ ولا تُحصى، فمثلما تواصل شركات عالمية تمويل آلة القتل الصهيونية اليوم، كانت شركات أخرى قبل عقود تموّل آلة قتل مشابهة: النازية .

ورغم العداء الظاهر حينها بين شركات تدّعي انتماءها إلى العالم الحرّ وبين النازية والفكر الفاشي، كانت هناك صفقات تُعقد تحت الطاولة، صفقات تحكمها قوانين الجشع والميكافيلية، ولو كان الثمن هو الوطن الأم نفسه.

في منتصف عشرينيات القرن الماضي، كانت ألمانيا تجرّ أثقال هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ، وكانت رياح القومية المتطرفة تهب فيها بوضوح، لكن لم يثن ذلك الوضع أصحاب شركات أميركية كبرى عن تركيز فروع لها في ألمانيا والعمل طوال عقد على الأقل، في ظل الحكم الفاشي ومعاضدة المشروع الحربي النازي.

فمن كان ليتخيّل أن سيارة كاديلاك الفاخرة أو سيارة شيفروليه تجران وراءهما تاريخا أسودَ وخفيّا بعلاقتهما مع هتلر والنازية. الأمر بسيط هو أن شركتَي فورد وجنرال موتورز وشركات عالمية أخرى أغواها طموح التوسع وقطف الثمار المسمومة التي لا يهم في أي أرض زرعت.

مصدر الصورة إضراب في مصنع فورد ريفر روج عام 1941، حيث قارن العمال وأطفالهم فورد بهتلر (متحف هنري فورد)

سيارات جنرال موتورز.. فوهة الابن في وجه الوطن الأم

كانت شركة جنرال موتورز الأميركية من أبرز الشركات التي اضطلعت بدور مهم في دعم الاقتصاد الألماني خلال فترة ما بين الحربين وبداية الحرب العالمية الثانية .

إعلان

ففي عام 1925، أسست الشركة فرعها في ألمانيا وكانت في البداية تقوم بتجميع سيارات شيفروليه هناك، ولكن فلسفة جنرال موتورز الأم لم تكن التوسع في أراضي الضفة الأخرى فحسب، بل قامت بالاستحواذ والاندماج مع الشركات المحلية لتهيمن على سوق السيارات، وهو ما سيعطيها هامشا كبيرا للعمل تحت سلطة حزب العمال القومي الاشتراكي المعروف بالحزب النازي.

في المقابل، كانت شركة آدم أوبل الألمانية المتخصصة في صناعة السيارات، الشركة الأكثر تصنيعا للمركبات في ألمانيا، لكن إنتاجها لم يكن بحجم جنرال موتورز، لذلك وضعتها الشركة الأميركية في مصيدتها واستحوذت عليها، ليتغلغل عملاق الصناعة الأميركية في الاقتصاد والتصنيع النازي تحت مرأى ومسمع سلطة القرار الأميركية.

الباحث يوجي نيشيمورا في دراسة بعنوان "الاقتصاد النازي والشركات الأميركية الكبرى: حالة شركة جنرال موتورز" يقول "رأت جنرال موتورز في أوبل فرصة كبيرة للاستثمار، خاصة أنها تمتلك الإمكانيات المالية والخبرة الصناعية والتسويقية، وبالتالي، قررت شراء الشركة في مارس/آذار 1929. خلال عامي 1930 و1931، تصاعدت انتقادات جمعية صناعة السيارات الألمانية لسياسة الحكومة الألمانية بسبب عدم فرضها رسوما جمركية كافية لحماية السوق المحلي من السيارات المستوردة، وكانت شركة دايملر بنز هي التي وجّهت تلك الانتقادات، لكن شركة جنرال موتورز رفضت تلك الانتقادات وقدمت للحكومة الألمانية اقتراحا بديلا ينصّ على أن تطوير شبكة النقل كلها هو المفتاح لتنمية صناعة السيارات، وليس الحماية الجمركية وحدها".

مصدر الصورة الرئيس التنفيذي للعمليات الخارجية لشركة جنرال موتورز يحصل سنة 1938 على الوسام الأعلى للنسر الألماني من هتلر (صحيفة آن أربور سان Ann Arbor Sun بتاريخ 5 أبريل/نيسان 1974

استفادت شركة جنرال موتورز بعد الاستحواذ على شركة أوبل من سياسة ألمانيا المشجعة للرأسمال الأجنبي، وهي تفاحة ألمانيا بعد خروجها مهزومة من الحرب العالمية الأولى لإغواء الشركات الأجنبية للاستثمار، بل أيضا لضمان بقاء جزء كبير من المعاملات المالية لتلك الشركات التي تمثل نسبة كبيرة من إجمالي المخزون البنكي داخل دائرة الاقتصاد الألماني.

في أواخر يناير/كانون الثاني من عام 1933، دخلت صناعة السيارات في ألمانيا في منعرج كبير بعد سيطرة فكرة القومية الهتلرية، حيث منع النازيون خروج الأموال من ألمانيا بما في ذلك أرباح فروع الشركات الأجنبية، ورغم ذلك، دخلت جنرال موتورز بقوة في مجال تصنيع الشاحنات في ألمانيا.

وبحلول عام 1935 وسّعت مصانعها في روسلسهايم التي وصلت لإنتاج سنوي يقدر بمئة ألف وحدة، وهو ما رفعها على رأس قائمة أكبر مصانع السيارات في أوروبا، وحققت شركة أوبل أرباحا طائلة واستحوذت على قرابة نصف سوق السيارات هناك، غير أن شركة جنرال موتورز الأم واجهت مشكلة في تحويل أرباحها التي جنتها من فرعها الألماني إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولم يكن هناك سوى البحث عن حل واحد وهو وضع يدها في يد الفوهرر أدولف هتلر .

تقول دراسة "الاقتصاد النازي والشركات الأميركية الكبرى: حالة شركة جنرال موتورز": "في عام 1936، رتبت شركة جنرال موتورز لقاء بين جيمس دي موني، نائب رئيس شركة جنرال موتورز لشؤون العمليات الخارجية، وأدولف هتلر. خلال هذا اللقاء، تم التوصل إلى اتفاق على نقطتين أساسيتين: الأولى هي استثمار 10 ملايين دولار من أرباح أوبل فرع جنرال موتورز في ألمانيا، وذلك في توسيع مصنع الشاحنات في براندنبورغ، على أن يُدار المصنع بالكامل بواسطة كوادر ألمانية. أما النقطة الثانية فهي حصول جنرال موتورز على عمولة تصدير إضافية لكل سيارة أوبل تباع خارج ألمانيا".

إعلان

في الواقع لم يضطلع جيمس دي موني بمسؤولية إدارية في صلب الشركة فحسب، بل كانت له مهمة أخرى تحت الطاولة، فحسب الباحث يوجي نيشيمورا، ذهب موني في فبراير/شباط سنة 1940 في مهمة سرية من أجل التحضير للقاء مسؤولين كبار في الحكومة النازية، وبدا أن ذلك اللقاء قد أثمر قرارا بتحويل جزء من إنتاج مصنع أوبل في روسلسهايم، إلى صناعة قطع غيار الطائرات ودعم المجهود الحربي.

وكان أهم ما أنتجه المصنع أجزاء محركات طائرات يونكرز، ومحركات طائرات نفاثة ومعدات هبوط الطائرات، في حين احتل مصنع الشركة في براندنبورغ مركزا متقدما في إنتاج شاحنات أوبل بليتز التي تزن ثلاثة أطنان، وهي شاحنات مثلت قرابة 40 بالمئة من إجمالي الشاحنات العسكرية الألمانية في تلك الفترة.

مصدر الصورة الشاحنة العسكرية الألمانية أوبل بليتز المملوكة لشركة جنرال موتورز الأميركية (شترستوك)

بعد أيام قليلة من ذلك اللقاء، في مارس/آذار 1940، رتب موني لقاء سريا مع أدولف هتلر بصفته مبعوثا غير رسمي لروزفلت، وبلّغ هتلر أن الحرب الشاملة ستدمر الحضارة الأوروبية وأن القوة الاقتصادية الأميركية يمكن أن تكون مفتاح سلام.

بحلول عام 1941، كانت رحى الحرب العالمية الثانية تسحق كل من يسقط فيها بعيدا عن الولايات المتحدة الأميركية، ورغم ذلك كانت أعين القنصلية الأميركية في زيوريخ على ممثل جنرال موتورز في باريس وعلى جيمس دي موني بسبب علاقتهما مع النازيين، وقد فتح مكتب التحقيقات الفدرالي تحقيقا في ذلك، خاصة أن التأثير النازي وصل إلى داخل الولايات المتحدة مع تصاعد قوة الرابطة الألمانية الأميركية، وأصبحت حينها سلطة القرار تتوجس خيفة رغم اعتمادها سياسة الحياد قبل ذلك فيما يتعلق بالحرب.

بنهاية عام 1941، ومع حادثة بيرل هاربور، انفجر العداء الأميركي اتجاه هتلر، ولم يكن هذا العداء يعني سوى شيء واحد بالنسبة لشركة جنرال موتورز وهو التحايل لمواصلة الإنتاج في فرعها الألماني آدم أوبل ومواجهة قرار الحكومة النازية في نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1942 التي وضعت شركة أوبل تحت إشرافها، وكانت الخدعة المعتمدة هي خروج جميع المديرين الأميركيين في الفرع الألماني من مناصبهم وتعيين مسؤولين جدد، جميعهم ألمان.

ينقل الباحث يوجي نيشيمورا جزءا مما جاء في التقرير المالي السنوي لشركة جنرال موتورز الصادر عام 1940، أي قبل عامين من قرار الحكومة النازية الإشراف على شركة أوبل، حيث جاء في هذا التقرير "نظرا لأن منشآت شركة آدم أوبل إيه جي في روسلسهايم ستُستخدم لتصنيع مواد جديدة للدولة، يفترض أن ترحب السلطات الألمانية بإلغاء المشاركة المباشرة للموظفين الأميركيين في إدارة الشركة. ولهذا السبب، نرى أنه من المستحسن أن يستقيل مسؤولون أميركيون من الإدارة ويبقون فحسب في تمثيلية مجلس إدارة الفرع الألماني للشركة".

كان قرار جنرال موتورز العمل في الظل سابقا لقرار الحكومة النازية التي أشرفت على شركة آدم أوبل، وبحلول عام 1942، أصبح كل المسؤولين الأميركيين في الفرع الألماني لشركة جنرال موتورز يعملون في الخفاء ولكنهم يقدمون المشورة للمسؤولين الألمان الجدد في الشركة.

في أوج الحرب العالمية الثانية، عملت شركة جنرال موتورز على ضفّتين متضادتين بإستراتيجية الحرباء، وكان أكبر مسؤوليها جيمس دي موني مهندس تلك السياسة المزدوجة، إذ تقول دراسة "الاقتصاد النازي والشركات الأميركية الكبرى..": "كان جيمس دي موني، نائب رئيس شركة جنرال موتورز المسؤول عن قسم ما وراء البحار، مديرًا للعديد من الشركات التابعة لجنرال موتورز في الخارج، بما في ذلك شركة فوكس هول موتورز المحدودة في بريطانيا وشركة آدم أوبل إيه جي في ألمانيا. في الفترة من 1939 إلى 1940، شارك في عملية تطوير الشركات الأوروبية التابعة لشركة جنرال موتورز، وخاصةً شركة آدم أوبل إيه جي في ألمانيا، من إنتاج السيارات في زمن السلم إلى إنتاج الأسلحة في زمن الحرب. وبعد ذلك مباشرةً، عُيّن مساعدًا لرئيس جنرال موتورز المسؤول عن أعمال الاتصال الدفاعي في الولايات المتحدة، وبدأ في المشاركة في عملية تطوير شركة جنرال موتورز في الولايات المتحدة. وهكذا، ساهم نفس الشخص في عملية تحويل جنرال موتورز في كلا جانبي المحيط الأطلسي ".

مصدر الصورة جيمس دي موني (غيتي)

عزيزي هتلر.. شركة فورد في خدمتكم

تجمع المصادر التاريخية على أن أدولف هتلر كان يكن إعجابا كبيرا لهنري فورد صاحب شركة السيارات التي تحمل اسم عائلته، ويذكر الباحث نايل بلدوين في كتابه "هنري فورد واليهود" أن هتلر تأثر بشدة حين تلقى كتابا جديدا ذا غلاف من القماش الرمادي، ولم يكن ذلك الكتاب سوى مؤلّف لهنري فورد بعنوان "حياتي وعملي"، ويذكر بلدفين أن الفوهرر احتفظ بالكتاب ضمن مقتنياته لفترة طويلة، "وبعد واحد وعشرين عاما، وخلال الاحتلال الأميركي لميونيخ في مايو/أيار 1945، عُثر عليه ضمن مجموعة صغيرة من كتب هتلر في مكتبه".

إعلان

وليس من المعلوم صراحة الأسباب الكامنة أيضا وراء إعجاب فورد بالنازية، ولكن يذكر الكاتب نايل بلدوين في كتابه "هنري فورد واليهود" أن "فورد كان نموذجا لأدولف هتلر، وذلك منذ إقامته في ميونيخ أوائل العشرينيات من القرن الماضي". والأكيد في الأمر أن طموح فورد بغزو سوق السيارات في ألمانيا قاده مثلما قاد أصحاب شركات أميركية أخرى، للتمركز في بلاد تتأرجح بين صفيح نار القومية الراديكالية وحرب عالمية أخرى تلوح من بعيد.

في عام 1924، أرسل فرع شركة فورد في الدنمارك أربعة موظفين إلى ألمانيا من أجل البحث عن وكلاء للشركة، وفي كانون الثاني/يناير من عام 1925، تأسّس فرع لشركة فورد في ألمانيا في مكتب يضم عشرة موظفين وعشرين وكيلا، وكان عمل الفرع الألماني للشركة الأميركية يعمل على شحن قطع الغيار من الدنمارك ثم تجميعها في ألمانيا.

يقول الباحث دانيال وارش في كتاب "الشريك الصامت: كيف أصبحت شركة فورد للسيارات ترسانة للنازية؟" إنه "في أوائل عام 1926، تم استئجار مستودع في بلوتزنسي، إحدى ضواحي برلين ، وأصبح هذا الموقع مصنع التجميع الرئيسي، إضافة إلى المقر الرئيسي لشركة فورد موتور. بدأ تجميع الشاحنات في أبريل/نيسان 1926، وتبعتها سيارات موديل تي في يونيو/حزيران من نفس العام".

في عام 1927، بعد قرار فرض الحكومة الألمانية زيادة ضخمة في الرسوم الجمركية على الشركات الأجنبية المقيمة في ألمانيا، قرّر مسؤولو شركة فورد في الولايات المتحدة إنشاء شركة فعلية كاملة في ألمانيا وكان ذلك سنة 1928، ولم يمر عامان على تأسيس شركة فعلية في ألمانيا تابعة لفورد الأم، حتى أصبح الفرع الألماني ثاني أكبر شركة مصنعة للسيارات في البلاد، حيث غزت سيارات فورد الطرقات الألمانية ومثلت ما يقارب عشرين في المئة من السيارات التي يستعملها الألمان في تلك الفترة.

بعدما اجتاح النازيون السلطة، حملوا معهم خططا لإدارة البلاد ضمن أيديولوجيا قومية خالصة، بما في ذلك ضرورة أن تخدم الشركات احتياجات الدولة وخاصة الجيش. يقول الباحث دانيال وارش "إن ترسيخ سلطة هتلر وسيطرة النازيين على ألمانيا يمثلان بالتأكيد فرصة أخيرة كي تتخذ فيها فورد قرار الانسحاب كليا من ألمانيا، ليس هناك شك في أن المديرين التنفيذيين على جانبي المحيط الأطلسي كانوا يعلمون أنه في السنوات الأولى لوصول النازيين للحكم، كان الفرع الألماني يتخبط ويكلف الشركة الأم آلاف الدولارات من تكاليف التشغيل.

لم تفقد فورد مكانتها الواعدة في السوق فحسب، بل فقدت أيضا المزايا ذاتها التي دفعتها إلى قمة سوق السيارات في أواخر عشرينيات القرن الماضي. وبينما مثل الكساد مأزقا للجميع، أصبح بالنسبة لفورد مسألة سياسية. انتهى الأمر بفورد إلى البقاء في ألمانيا لأن الإدارة كانت تأمل أن يعتاد النازيون على وجودها. إضافة إلى ذلك، مع استثمار أكثر من أربعة ملايين دولار في كولونيا، فإن احتمال الانسحاب الكامل يعني خسارة هذا الاستثمار الأولي".

انتهجت شركة فورد في ألمانيا إستراتيجية مشابهة لإستراتيجية جنرال موتورز، حيث اعتمدت من أجل ضمان بقائها في ألمانيا بعد وصول النازيين إلى الحكم، على أن تظهر بصورة شركة ألمانية محضة. ويقول كتاب الشريك الصامت: "عقب الانتخابات، أكّد تقرير لمسؤول في شركة فورد أن الظهور بمظهر ألماني بالكامل أصبح من أهم أولويات الفرع الألماني للشركة، وجاء في جزء من التقرير: أسفرت الانتخابات العامة للبوندستاغ في 5 مارس/آذار عن أغلبية واضحة للأحزاب القومية، لذلك من الضروري استخدام المواد المحلية بأكبر قدر ممكن في مصنع كولونيا، من أجل التغلب على العقبات الناشئة عن الشعور القومي".

مصدر الصورة شهادة أسهم باللغة والعملة الألمانية صادرة عن شركة فورد فرع برلين في مايو/أيار 1929 (ويكيبديا)

حاولت شركة فورد الأم وفرعها الألماني التملّص من ضغوط النازيين من أجل إنتاج معدات حربية، لكن مع تصاعد التنافس التجاري في قطاع صناعة السيارات في ألمانيا، خضع مسؤولو الشركتين في ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية لمطالب النازيين بالتصنيع العسكري المتمثل في صناعة الشاحنات، حيث طالب الجيش شركة فورد الألمانية بتصنيع ناقلة جنود مزودة بمحرك "فورد في 8" الشهير الذي عرف بقوته العالية.

بذلك، واصلت شركة فورد عملها تحت ظلّ هتلر، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد اتُّهمت الشركة بتوفير معدات حربية لألمانيا النازية.

إعلان

وفي هذا، يقول الباحث تشارلز هيغام في دراسة بعنوان "التجارة مع العدو: كشف مؤامرة المال النازية الأميركية 1933-1949": "شركة ستاندرد أويل الأميركية المملوكة لرجل الأعمال روكفيلر، تنقل وقودا للعدو عبر سويسرا لقوات الاحتلال النازي في فرنسا، وشاحنات فورد تنقل القوات الألمانية، ورئيس شركة آي تي تي يساعد في تطوير القنابل التي اجتاحت معظم لندن ، وهي الشركة ذاتها التي صنعت طائرات فوك وولف التي ألقت تلك القنابل. هناك قائمة طويلة وصادمة من الدبلوماسيين ورجال الأعمال على حد السواء الذين كانت لهم طرقهم الخاصة في الاستفادة من الحرب".

يذكر تشارلز هيغام أن هنري فورد وابنه رفضا عقب اجتماعهما في مقر الشركة الأم في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1940، تصنيع محركات طائرات لإنجلترا، وبدلا من ذلك، قدما للنازيين إمدادات الشاحنات العسكرية التي يبلغ وزنها خمسة أطنان، والتي كانت تُشكّل العمود الفقري للنقل في الجيش الألماني، كما رتّبا شحن الإطارات إلى ألمانيا رغم نقص عددها، حيث وُجّهت 30% من الشحنات إلى الأراضي التي يسيطر عليها النازيون في الخارج. بذلك أصبح هنري فورد أميركيا بجلدة نازية واضحة.

في عيد ميلاده الـ75، هنري فورد يتسلم وسام الصليب الأكبر للنسر الألماني وهو أعلى وسام نازي يمنح لأجنبي (غيتي)

شركة لوريال لمواد التجميل.. اشتر صبغة شعر تحصل على قنبلتين

في عام 1909، أسس رجل الأعمال الفرنسي يوجين شويلر شركة لوريال لمواد التجميل، وتخصصت في البداية في صنع مواد صبغ الشعر قبل أن تستحوذ على شركة "مون صافون" عام 1928، لتتوسع الإمبراطورية وتصبح لها مجلة خاصة بعنوان "Votre Beauté".

في تلك الفترة، لم يكن لأحد أن يتخيّل أن مؤسس شركة تروّج لمواد التجميل قد يضع يده في يد النازيين. يذكر مقال مطول لتيري ميسان بعنوان "التاريخ السري لشركة لوريال" أنه في أوج سيطرة النازيين على فرنسا، نشط يوجين شويلر بشدة مع الألمان، وتحالف مع أصدقاء له تربطهم علاقة وطيدة بالحزب النازي.

يقول ميسان "في سبتمبر/أيلول من عام 1940، أسس يوجين شويلر صحبة صديقه يوجين دولونكل، وهو أكثر الشخصيات الفرنسية تطرفا في ذلك الوقت، حركة جديدة تُدعى الحركة الاجتماعية الثورية، وذلك بدعم من سفير الرايخ في باريس أوتو أبيتز، وبموافقة شخصية من زعيم الغستابو ، راينهارد هايدريش. وكانت اجتماعات قيادة الحركة تُعقد في مقر شركة لوريال، الكائن في 14 شارع رويال، باريس".

موّل يوجين شويلر الحركة الجديدة التي يقوم برنامجها السياسي على نقاط عديدة منها التعاون مع ألمانيا النازية ومع "كل الدول الأوروبية الأخرى التي تحررت من الرأسمالية الليبرالية واليهودية والبلشفية". ولم تكتف الحركة بالعمل السياسي فحسب، بل قامت في ليلة 2 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1941 بتفجيرات استهدفت سبعة معابد يهودية في باريس، وكان دولونكل مشرفا على تلك العمليات.

السياسي الفرنسي والقائد الفاشي "يوجين دولونكل" (مواقع إلكترونية)

كان من ضمن دائرة معارف يوجين شويلر صاحب شركة لوريال، أندريه بيتنكور الذي سيصبح مسؤولا في شركة لوريال سنة 1950 وصهر شويلر فيما بعد. قبل ذلك، وخلال الاحتلال النازي لفرنسا، ومع تركيز حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا النازية، ظهر بيتنكور بصفته أعلى أصوات الدعاية لحكومة فيشي.

وذكر مقال "التاريخ السري لشركة لوريال" أن بيتنكور "أصبح راعيا للدعاية الفاشية الفرنسية. لقد كان تحت الوصاية الثلاثية لوزير الدعاية جوزيف غوبلز والفيرماخت والغستابو، وكانت له اليد العليا على جميع المنشورات الفرنسية التي تضم متعاونين أو نازيين. تولى بنفسه تحرير مجلة الأرض الفرنسية، وهي مجلة نازية صريحة جمهورها من الأسر الريفية، وكان بيتنكور يعرض بانتظام على شويلر كتابة أعمدة في صحيفته".

لم يتول يوجين شويلر تمويل ودعم الحركة الفاشية في فرنسا فحسب، بل كان رمزا بالنسبة لقادة تلك الحركة، فقد أصبح شويلر شخصية اقتصادية بارزة بالنسبة لمنظري النازية في فرنسا، ويُعتبر كتابه "ثورة الاقتصاد" أحد أهم الأعمال الفاشية الفرنسية وأهم مراجعها.

رجل الأعمال الفرنسي يوجين شويلر صاحب شركة لوريال

ملاحقة الشركات الأميركية المتورطة مع النازية

في عام 1974، بدأت الاتهامات الموجهة لشركتي جنرال موتورز وفورد الأميركيتين، تطفو بشكل رسمي بشأن تعاونهما مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.

وذكر مقال بعنوان "دعاوى قضائية تزعم أن فورد وجنرال موتورز ساعدتا المجهود الحربي النازي" للصحفي مايكل دوبس نشر في صحيفة واشنطن بوست في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1998، أنه خلال جلسة استماع في الكونغرس سنة 1974، رفضت الشركتان طلبات الوصول إلى أرشيفهما الحربي، وحسب الصحيفة "دافع جون سبيليتش، المتحدث باسم فورد، عن قرار الشركة بالحفاظ على علاقاتها التجارية مع ألمانيا النازية، بحجة أن الحكومة الأميركية استمرت في إقامة علاقات دبلوماسية مع برلين حتى حادثة بيرل هاربور في ديسمبر/كانون الأول 1941.

وصرح جون إف مولر، المتحدث باسم جنرال موتورز، بأن جنرال موتورز فقدت السيطرة اليومية على مصانعها الألمانية في سبتمبر/أيلول 1939، وأنها لم تساعد النازيين بأي شكل من الأشكال خلال الحرب العالمية الثانية".

هل ساهمت الولايات المتحدة في صعود هتلر؟

لم تدفع شركتا فورد وجنرال موتورز عنهما تهمة التعاون مع النازيين فحسب، بل أنكرتا تهمة التشغيل القسري في فرعيهما في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

في منتصف التسعينيات، فتح مؤرخون ومحامون ملفات الشركتين من أجل تقديم دعاوى قضائية جماعية نيابة عن أسر ضحايا الحرب السابقين، وذلك من أجل جمع الأدلة لإثبات تعاون شركات السيارات الأميركية مع النازيين.

يقول الصحفي مايكل دوبس نقلا عن رادفورد سنيل، الذي أمضى عقدين من الزمن في البحث في تاريخ جنرال موتورز "كانت جنرال موتورز أكثر أهمية لآلة الحرب النازية من سويسرا، لقد كانت سويسرا مجرد مستودع للأموال المنهوبة. كانت جنرال موتورز جزءًا لا يتجزّأ من المجهود الحربي الألماني. وإذا كان بإمكان النازيين غزو بولندا وروسيا دون سويسرا، فإنه لم يكن بإمكانهم فعل ذلك دون جنرال موتورز".

في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بدأ تحرك أميركي من أجل مقاضاة شركتي فورد وجنرال موتورز، وبدا أن الشركتين آمنتا بأن إنكار ارتباطهما بالنازيين هو معركة خاسرة.

ففي 14 ديسمبر/كانون الأول من عام 1999، كتب الصحفي مايكل إسكينازي مقالا بعنوان "جنرال موتورز تُقدّم غصن الزيتون لضحايا النازية" نشر في صحيفة التايم، ويذكر أن الشركات الأميركية تستعد للانضمام إلى حملة التعويضات لضحايا النازية، بعد إعلان شركة جنرال موتورز أن شركتها الفرعية آدم أوبل قد تساهم في صندوق تعويض العمال الذي اشتغلوا قسرا في المصانع خلال فترة حكم النازيين، وتقدر قيمة الصندوق بـ2.6 مليار دولار.

يقول الصحفي مايكل إسكينازي "يحاول نائب وزير الخزانة الأميركي، ستيوارت آيزنشتات، التفاوض على مبلغ إجمالي لأكثر من 200 شركة أميركية، بما في ذلك فورد وجنرال موتورز، ارتبطت بألمانيا في أربعينيات القرن الماضي، وقد تجبر جنرال موتورز على حسم هذه المسألة، وقد تخضع فورد، على وجه الخصوص، لنفس الضغوط التي دفعت الشركات الألمانية إلى التسوية، أي أن تدفع بدلا من المخاطرة بمعركة قانونية تُعتبر فيها معارضة لقضية ضحايا النازية".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار