آخر الأخبار

مدن ألمانية وفلسطينية تلتقي على جسور التنمية

شارك
حازم غنيمات، رئيس بلدية صوريف بالضفة الغربية، ويان آينيغ، رئيس بلدية نويفيد الألمانية خلال حفل توقيع اتفاقية تعاون بين البلديتين في مبنى مجلس بلدية نويفيد. صورة من: Surif municipality

في بلدة صوريف، المتربّعة على سفوح جنوبيّ الضفة الغربية ، يلمس الزائر سريعًا أثر التوأمة مع مدينة نويفيد الألمانية في حياة الناس اليومية. فالمركز الصحي الذي شُيّد حديثا تحوّل إلى عنوان للأمل؛ إذ يستقبل أطفالًا من ذوي الإعاقة يتلقّون جلسات علاج طبيعي على أيدي مختصين، فيما يحصل آخرون على أدوات مساعدة، تمنحهم القدرة على الحركة بكرامة واستقلالية.

في قاعة حديثة التجهيز بأجهزة طبية وأسِرّة جديدة، تُقدَّم خدمات منتظمة للأطفال، بينما تمتد يد الرعاية لتصل أيضًا إلى منازل كبار السن والأطفال من ذوي الإعاقة، حيث يتلقّون العلاج مجانًا دون عناء التنقّل.

وتكمن أهمية تأسيس مركز صحي في صوريف في كونه يسد فراغًا حيويًا بمدينة يقطنها نحو 18 ألف نسمة وتفتقر إلى مستشفى خاص بها، كما أوضح الطبيب يوزف فرايزه من بلدية نويفيد في حديثه مع DW عربية. وأضاف فرايزه أن المركز يمنح المرضى فرصة الحصول على تشخيص أولي محلي، قبل أن يضطروا إلى خوض رحلة طويلة وشاقة نحو مستشفيات بيت لحم أو الخليل.

حازم غنيمات، رئيس بلدية صوريف بالضفة الغربية، يوقع على اتفاقية تعاون بين صوريف ونويفيد الألمانية وبجانبه يجلس يان آينيغ، رئيس بلدية نويفيد. صورة من: Surif municipality

منتزه صديق لذوي الإعاقة .. فضاء للفرح والاندماج

خارج أسوار المركز الصحي، يتكامل المشهد بمنتزه صُمم ليكون صديقًا لذوي الإعاقة، حيث يفتح ذراعيه للجميع. هناك يلعب الأطفال ذوو الإعاقة مع أقرانهم، فتتعانق الضحكات في فضاء واحد، ويغدو المكان لوحة فرح تُدخل البهجة إلى قلوب الصغار والكبار.

هذه المشاريع لم تأتِ من فراغ، يقول إياد حميدات، مدير بلدية صوريف في حديثه مع DW عربية، ويضيف أنه "خلال الأعوام 2018-2025، تطورت علاقة التوأمة بين بلدية صوريف ونويفيد من مبادرات شخصية إلى تعاون مؤسسي أثمر عن مشاريع تنموية حقيقية".

يفتح منتزه صوريف ذراعيه للجميع. هنا يلعب الأطفال ذوو الإعاقة مع أقرانهم، فتتعانق الضحكات في فضاء واحد، ويغدو المكان لوحة فرح تُدخل البهجة إلى قلوب الصغار والكبار.صورة من: Surif municipality

مركز صحي يخدم المئات شهريا

قدمت بلدية صوريف المبنى والكوادر الطبية، فيما جاءت مساهمة نويفيد عبر برنامج "ناكوبا" الممول من الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ)، بتمويل بلغ 46 ألف يورو خُصص لشراء أجهزة وأسرّة طبية. ولاحقاً، رُخّص المركز باسم "جمعية صحتك الخيرية" ليخدم نحو 400 مستفيد شهريا، ويُقدّم العلاج الطبيعي والخدمات الطبية بشكل مجاني للأطفال ذوي الاعاقة.

ويتابع حميدات في حديثه مع DW عربية: "هذه التوأمة ليست محطة عابرة، بل بداية لمسار يمكن أن يفتح آفاقًا أوسع للتشبيك مع بلديات ألمانية أخرى".

تعاون في قطاع المياه أيضا

لم يتوقف التعاون عند الصحة والرفاه، بل امتد إلى قطاع المياه، حيث "تبادل مهندسو البلديتين الخبرات واطلع فريق صوريف على أحدث التقنيات الألمانية في توزيع المياه وصيانة الشبكات".

إنها خطوة تحمل بُعدًا مستقبليًّا وتؤكد أن الشراكات بين المدن قادرة على أن تتحول إلى تنمية شاملة.

ساهمت بلدية نويفيد الألمانية بتمويل بلغ 46 ألف يورو خُصص لشراء أجهزة وأسرّة طبية لـ"جمعية صحتك الخيرية" في صوريف.صورة من: Surif municipality

كولن-بيت لحم: أول جسر توأمة ألماني -فلسطيني

وإذا كانت صوريف قد وجدت في نويفيد شريكًا تنمويًا قادراً على إحداث فرق ملموس، فإن مدينة بيت لحم تحمل تجربة أطول عمرًا مع مدينة كولن الألمانية. فمنذ عام 1996، وُقّعت اتفاقية التوأمة بين المدينتين.

وتقول كارمن غطاس، مديرة العلاقات العامة في بلدية بيت لحم لـDW عربية: "هذه التوأمة لم تكن عادية. فهي الأولى بين مدينة ألمانية وفلسطينية. بدأت من رمز روحي يجمعنا: كنيسة المهد وكاتدرائية كولن ( كولونيا ). وحتى اليوم لدينا حجر من كاتدرائية كولن مغروسا في بيت لحم كرمز للصداقة".

ومن الجانب الألماني، تشرح سابينه فوتسلاو من بلدية كولن، في حديثها مع DW عربية: "انطلقت هذه الشراكة من الرغبة في بناء جسور قائمة على الحوار واللقاءات المباشرة، ولا سيّما بين الشباب والطلاب والرياضيين. وتهدف المبادرات المشتركة إلى تعزيز التفاهم المتبادل، وتشجيع التعارف، والتقليل من الأحكام المسبقة، بما يُسهم في ترسيخ معرفة متبادلة وعلاقات إنسانية مستدامة ".

وقد تجسدت هذه المبادئ في مشاريع ملموسة، من أبرزها دعم ترميم كنيسة المهد بمبلغ 66 ألف يورو، وإرسال دراجات هوائية، وتشجيع فرق نسائية فلسطينية على المشاركة في بطولات كروية ألمانية. كما أن منتجات الأشغال اليدوية، المصنوعة في بيت لحم، تحظى بحضور مميز في أسواق عيد الميلاد في كولن.

وتتواصل المبادرات في مجالات حديثة، إذ نُفذ مشروع تحديث شبكة إنارة بيت لحم بين عامي 2020 و2023 بتمويل ألماني، حيث استُبدلت مئات وحدات الإنارة القديمة بأخرى موفرة للطاقة، إلى جانب تركيب ألواح شمسية بقدرة خمسين كيلووات.

وتوضح مديرة العلاقات العامة في بلدية بيت لحم: "لم يكن الهدف اقتصادياً فقط، بل أيضاً توعوياً. فأكثر من مئتي طالب تعلموا من خلال هذا المشروع ترشيد استخدام الطاقة". فيما تضيف سابينه فوتسلاو: "مشروع الإنارة الذي أُنجز العام الماضي كان بتمويل من الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ)، فيما تواصل كولن وبيت لحم بحث مشاريع مشتركة مماثلة".

شراكات تتوسع إلى 18 مدينة

هذه التجارب، سواء في صوريف أو بيت لحم، تأتي ضمن إطار أوسع تدعمه الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) بتكليف من الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية، وبالتعاون مع وكالة خدمة المجتمعات في عالم واحد (SKEW) التابعة لـ Engagement Global.

وكما جاء في بيان رسمي للمتحدث باسم "GIZ" إلى DW عربية، فإن الهدف هو "تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلديات الفلسطينية و تحسين ظروف معيشة الناس ، وبالنسبة للبلديات الألمانية، فإن هذه الشراكات توفر رؤى مهمة حول كيفية إدارة المدن في سياقات صعبة، وإيجاد حلول مبتكرة للخدمات العامة، وتعزيز التعاون الاستراتيجي".

ومنذ عام 2016، وفقا للبيان الرسمي، "ساهم البرنامج في تأسيس ثماني عشرة شراكة بلدية بين بلديات ألمانية وأخرى فلسطينية، ركزت على مجالات كإدارة النفايات والتنمية الحضرية الشاملة وشبكات المياه".

ومن ضحكات الأطفال في منتزه صوريف إلى الأضواء التي أضاءت شوارع بيت لحم، ومن حجر صغير من كاتدرائية كولن زرع في بيت لحم، إلى يدٍ ألمانية دعمت مركزًا صحيًا في صوريف، تُثبت التوأمات الألمانية-الفلسطينية أن العلاقات بين المدن قادرة على أن تتحول إلى مشاريع حياة.

تحرير: صلاح شرارة

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار