من عنوانها يقرأ حضور طوفان الأقصى في مسرحية "لا سمح الله" للمترجم عمار قواسمية، وبين سطور متنها يتجلى دوران رسالتها في فلك نصرة القضية الفلسطينية، ويتضح جريان رياح فكرتها في اتجاه سردية المقاومة.
وقد قسم الكاتب نصه المسرحي إلى 5 مشاهد، استهلها بـ"لوحة" هي أقرب إلى "الفانتازيا الواقعية".
وقد بدأت اللوحة مباشرة ترق للجرح الغزي النازف، وترثي لحال الأمة المؤسف، وترسم بعض ملامح العدوان الحربي الأثيم، من خلال نقل تلفزيوني يوثق بالصوت والصورة استهداف المدنيين العزل ومجازر الاحتلال بحقهم (عام 2023) قبل الانعطاف المفاجئ الذي حول مسار اللوحة/المشهد، وكشف عنها ستر "المباشرية الإعلامية" فجاءت "أحداثها" عابرة للزمانية، بما تخلل "سردها" من استدعاء سياقي يلغي منطق المعاصرة ويستحضر مواقف التاريخ السياسي وجراحاته ومفارقاته.
فعبر حوار تبادلي على خشبة المسرح "يظهر" فيه طيف الرئيس الجزائري الراحل محمد بوخروبة (هواري بومدين) (1932-1978) ممثلا الرسمية الجزائرية، وطيفا الطفلين الفلسطينيين محمد الدرة (استشهد في انتفاضة الأقصى 2000) ومحمد أبو لولي (أصيب بحالة ذعر نفسي خلال أكتوبر/تشرين الأول 2023) وقد تخلل ظهور الثلاثة "خلفيات صوتية" افتراضية: موسيقى حزينة، عزف النشيد الوطني الجزائري، والنشيد الوطني الفلسطيني، أنشودة "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين".
وكما خرج المشهد الأول على ساعة الزمن وخرق نواميس التاريخ، حمل رسالة "وطنية" عابرة لحدود الجغرافيا السياسية، خصف عليها الكاتب من ورق الفنية، لائذا بالرمزية المحملة بالشجن، مع اقتباسات شعرية استطرادية، وتعريبات لغوية سياقية.
يسدل ستار المشهد الأول على اللوحة التأطيرية، وتفتح ستارة المشاهد الأربعة التالية، التي عادت فيها "الزمكانية" سيرتها الطبيعية، لتنتقل ساحة الحوار من غرفة المشاهدة التلفزيونية وخشبة خطاب الجمهور (في المشهد الأول المنفصل) إلى بهو المقهى، ومدرج المحاضرة، ومكتب الإدارة (في المشاهد الأربعة المتصلة التي دارت أحداثها في كندا، وترجم حوارها من الإنجليزية إلى العربية).
وقد تنازعت حوار المسرحية "الحدثية الفنية" و"الترجمة اللغوية" ليفثأ الانحياز للقضية الفلسطينية سورة التداخل، ثم ليبطل سبب التعليمية (الذي قدم به الكاتب عمله المسرحي) عجب حالات التبويب والتمرير اللغوية التي ساقها بين تضاعيف حواراته الفنية.
وعلى طريقة ظهور المخرج فجأة في لقطة تمثيلية عابرة (في المسلسلات التلفزيونية) كان للكاتب حضور اسمي وبروز "وظيفي" في دور المترجم الملقن (عمار) وذلك في سطر من حوار ضمن المشهد الثاني تناول بالإيماء الخاطف "أمانة الترجمة".
على أن ذلك البروز الظاهر كان له ما بعده من حضور مستتر، من خلال تناول نقاط من صميم اهتمام الكاتب ومجال تخصصه، تتعلق بـ"القضية اللغوية" من جوانب "السياسة اللغوية"، و"التعريب"، و"الاقتراض"، و"خوارم الترجمة"، مع "فوائد" تتصل بالثقافة اللغوية العامة، على غرار: المقابلات الأصيلة، والبدائل الفصيحة، والنحت الأوائلي، وفرض الشيوع.
وكما كسا الكاتب المشهد الأول المنفصل ثوب العاطفية السابغ، وظف المعجمية والترجمة في المشاهد الأربعة المتصلة حتى تخدم "الرسالة السياسية" للمسرحية، مدخلا الرمز على خط التوظيف، فأخرج "التطبيع" من خانة القرار السياسي إلى مجال الاستعمال اللغوي، بوصفه "مادة" لها فروعها الدلالية، التي تتصل بمخرجه السياسي السيئ، الذي يحيل إلى معاني الرضوخ، والهرولة، والشذوذ، والانتكاس.
وذلك من خلال حوار (في المشهد الثالث) دار بين مدرس وطلاب في جامعة كندية، على مائدة حصة لغوية مزدوجة، ينقلب منها الطالب والقارئ بعائدة الفرق بين "المعجم" (أحادي اللغة) و"القاموس" (متعددها) ويستأثر القارئ بما وراء الرموز من رسائل سياسية، تتجاوز المادة المعجمية، لتنفذ إلى الواقع المستكين وتعري المشهد المخزي.
وقد استغنى الكاتب بالرمز عن الاسترسال والاستفاضة، فكان "حديث التطبيع" توقيعا سريعا محملا بالإحالة الإيحائية، وذلك من خلال أسماء الطلاب المشاركين برفع الأصابع في إجابة "سؤال التطبيع".
كما استخدم الرمز في وضع أرقام الصفحات المحال إليها في المعجم المتخيل، فكان أول "المجيبين" بطل القصة الشريك "عاشور"، الذي أحال إلى رقم الصفحة (148)، وقد كنى الكاتب بهذا الرقم عن العام 1948 (عام النكبة)، ليبادر الطالب "أنور" من مصر برفع أصبعه ويحيل إلى الصفحة 178، ثم يقرأ بعض معاني المادة "ط ب ع"، وقد رمز الكاتب بالرقم إشارة إلى العام 1978 (تاريخ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين أنور السادات ومناحيم بيغن).
وعلى مستوى التوظيف الاسمي، اختار الكاتب اسم "أنور" ليرمز به إلى الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وجعله أول المتدخلين من أصحاب "الأسماء الرسمية" في إشارة إلى تولي السادات كبر التطبيع وسنه تلك السنة السيئة. ليكون له إثمها وإثم من عمل بها من الرؤساء الذين وظف الكاتب أسماءهم توظيفا تفاوت بين العلم الشخصي، والاسم العائلي، والنسب الأسري: "عبد الله" من الأردن، "نهيان" من الإمارات، "حمد" من البحرين، "برهان" من السودان، "علوي" من المغرب.
وغير الرسميات المطبعة، أدخل الكاتب على خط المشاركة في سؤال "مادة" التطبيع "مجيد" من الجزائر، وقد تضمنت إجابة الأخير ذكر وجه استعمال مستخدم في الدارجة الجزائرية، وربط بين ذلك الاستعمال وبين دلالة الكلمة في الفصحى.
لتختتم الإجابات بمشاركة "قيس" من تونس، الذي أنطقه الكاتب بأبيات مضمنة (حديثة)، تنطبق على مخرج التطبيع المكروه، واصفة حال من يخون أهله وينسلخ من المبادئ النبيلة والقيم الفاضلة، في تعريض ضمني بمن يبيع الوطن والقضية، ويواد العدو و"يطبع معه"، وقد ختم المشهد بإشارة خاطفة إلى تفاوت موقف الرسميات العربية في مستوى الخجل ومنسوب الحياء.
ولم يقف توظيف الأسماء عند هذا الحد، بل أعيدت كرته في المشهد الرابع عند تناول موضوع ازدواجية المعايير الغربية، وذلك عند حديث البطلين المحوريين (أبي كوفية وعاشور) عن الاختراع المذهل الذي قدمه زميلهما الأميركي "مارك"، بوصفه وسيلة إخضاع وآلة تشويش لساني، يظهر أثرها عند التحدث بما لا تشتهي الدعاية الغربية المنحازة للاحتلال.
وقد أوضح ذلك من خلال منع النطق بما يخالف الدعاية "الإسرائيلية"، في إشارة إلى سياسة مارك زوكريبرغ و"معايير مجتمع فيسبوك" التي جعلها مشجبا لتعليق مصادرة "المحتوى الفلسطيني" وحجب المنشورات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمنتصرة لحقه في المقاومة.
ولم ينس الكاتب من تبويبه سلاح "خداع الخوارزميات" ذلك الحل الاستباقي، الذي ابتدع له "مقترحات عملية"، لدرء شر الاختراع التكنولوجي، وإبطال فعاليته، وأجراها على لسان بطل المسرحية.
وغير "مارك" من أميركا، وظف الكاتب اسم "سيريل" من جنوب أفريقيا في إحالة رمزية إلى موقف رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا المنحاز للإنسانية والمنتصر لدماء المدنيين العزل الفلسطينيين، الذين تخطفهم عدوانية الاحتلال الحربي، في مقابل اسم "كاترين" (من أوكرانيا)، الذي عبر به عن الشخصية الغربية التي تستحضر حقوق الإنسان وتستشعر المظلومية حين يتعلق الأمر بالإنسان الأوكراني، وتتنكر لها وتجحد بها عندما يكون الحديث عن الإنسان الفلسطيني وحقه وقضيته.
وفي تلميح طريف، متدثر ببلاغة الجناس، ابتدع الكاتب مصطلح "وسائد الإعلام" للتعبير عن وسائل الإعلام المتماهية مع دعاية الاحتلال، في تلاعب لفظي تحته نقد ساخر، لا يخلو من طرافة أدبية، بحكم علاقة التناسب بين الوسائد التي هي أدوات ترتبط بالنوم وإغماض العين عن الحقيقة الذي تخلد إليه وسائل الإعلام المتواطئة حين تغض الطرف عن نقل جرائم الحرب التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي.
كما نرى الكاتب يبدع في نحت لفظ "السرألة"، ويشتق منه الفعل "سرأل"، وتصاريفه؛ للدلالة على الاستحواذ على الملكية الغيرية بـ"حق القوة"، وذلك في تعليق بطلي المسرحية المحوريين على تصرف "الغريب" (صاحب الشخصية الثانوية في المشهد الثاني)، لما أمر "عبيدة" و"عاشور" بمغادرة المقهى وتسليم مقعديهما له، والتنازل عن طاولتهما وإخلائها لـ"حلفائه" القادمين، في محاولة رفض الاستسلام لها، وشبهاها بتصرف الاحتلال الإسرائيلي وغطرسته، التي تعامل بها مع أصحاب الأرض لما سلبهم أرضهم وهجرهم منها عنوة.
وقد ألجأته العلمية إلى الاستكثار من الإحالة والعزو في هوامش صفحات المسرحية (في كل صفحة)، فوق تحميل المتن إشارات وفوائد لغوية خاطفة، كتعريب "التلفزيون" بـ"الرائي" (في متن النص المسرحي)، وبـ"المرناة" (في الهامش السفلي)، وكتعريب "الفيديو" بـ"المرئية"، وتعريب جهاز التحكم عن بعد (Remote control) بـ"الحاكوم"، ليقوده الاستطراد السياقي إلى التفريق بين "التعريب البديل" وبين "العبارة الشارحة".
كما أورد في مواضع متفرقة دقائق لغوية مثل: اللكنة، والإبدال النطقي، لينثر ذات صدره في نص الحوار المسرحي؛ حين أنطق بطلي المسرحية المحوريين بحديث عن اعتماد مجمع اللغة العربية القاهري كلمة "الترند" بلفظها الحرفي، على سبيل الرفض والإنكار، وأسدل على تلك "المسألة" ستار المشهد الثاني، الذي كان له النصيب الأوفى من تمرير "الرسائل اللغوية".
ورغم أسلوبها "التعليمي" (الذي قدمها به الكاتب) لم يخل نص المسرحية من السنن الفني، والتوقيع الإيحائي. فقد بنيت على ثلاثية الحوار، والأدوار، والشخصيات (المحورية الثابتة، والثانوية العارضة) دون تجاهل "الديكور"، وقد تجلت مزاوجة الكاتب بين "التأليف" و"الإخراج" في بدايات المشاهد.
إذ نراه يستهل المشهد الأول بتخيل "لقطة تصويرية" تظهر فيها غرفة فوضوية، لعلها ترمز لانتكاس الموقف الرسمي العربي، وترديه في قاع الخذلان، ولعل ثمة خيطا ربط بين مشاهدة ما يعرضه "الرائي" (التلفزيون) وبين حالة "التفرج الرسمي" التي رافقت إعلان الحرب على قطاع غزة، وغلظت بالتمسك بـ"التطبيع"، بعدما أسرف الاحتلال في المجازر وأوغل في الإبادة الجماعية، حتى بلغ سكين إجرامه العظم!
ولم يغب عنصر الانتقال عن تبويب الكاتب، على أن ذلك الانتقال تنازعه المسرح والسينما في المشهد الأول إذ ركزت "كاميرا" الكاتب على زاوية الأثاث المتناثر في أرجاء الغرفة، قبل أن "تتوسع اللقطة" حتى "يظهر" فيها الشخص الأول متسمرا حول التلفاز.
ثم ركزت "الكاميرا الكتابية" على الشاشة، لتعرض مشاهد حزينة من العدوان الحربي على المدنيين العزل، من النساء والأطفال والمسنين، لتعود "عدسة الكاتب" فتركز على جهاز التحكم عن بعد.
قبل أن تطوى "لقطة" المشاهدة، ويتحول "العرض" من "السينمائية" إلى "المسرحية" من خلال "خطاب الجمهور"، الذي لم يخل من "المباشرية"، التي خفف منها الكاتب بنسب متفاوتة في المشاهد الأربعة المتصلة، محافظا على ثنائية الفنية والعلمية، منوعا في الانتقال ما بين المقهى (في المشهد 2)، وقاعة التدريس (في المشهدين 3-4)، والمكتب الإداري (في المشهد الخامس "الأخير").
ولم يأخذ الانتقال شكلا واحدا في المسرحية بل انقسم إلى منفصل؛ يفتح فيه الستار على غير ما أسدل عليه (وهو الغالب)، ومتصل جاء معترضا بين المشهدين الثالث والرابع، حيث انسحب أحد الأساتذة من القاعة الجامعية ودخل زميله، ليكون فاصل الانتقال "عرضا" برزت فيه لوحة إشهارية حملت عنوان: "المسابقة العلمية لأفضل اختراع طلابي"، و"ظهرت" خلاله خلفية توسطتها صورة تجسد الذكاء الاصطناعي، مصحوبة بموسيقى إلكترونية.
ولم يقف "الانتقال" عند هذا الحد الصوري، بل سرى إلى لغة الحوار، في "دبلجة كتابية"، سوغها عامل التحول واختلاف الجغرافيا الثقافية، لتهاجر لغة النص من العربية إلى الإنجليزية، لما تحول مسار "الحدثية" من خشبة المسرح (عربها الكاتب بلفظ "الركح") إلى فناء المقهى الأجنبي، ومدرج الجامعة الكندية.
كما استخدم الكاتب أداة التوظيف في اختيار الشخصيتين المحوريتين الثابتتين: "أبي كوفية" من فلسطين، و"عاشور" من سوريا. ولا تخفى رمزية الكوفية الفلسطينية، أما ثاني الاسمين فقد تجاذبه الرمز والتورية، إذ استقاه الكاتب من اسم "آشور" التراثي، الذي يحيل تاريخيا إلى حضارة ما بين النهرين، وإذا استحضر المتلقي القول إن "سوريا" تحريف لـ"آشور" أو "آشوريا" أدرك بجلاء عمق التورية البليغة وإيحاءها الدلالي العميق!
لعل أول ما يستوقف مطالع المسرحية التي بين أيدينا عنوانها المقتبس من عبارة وردت في خطاب للناطق العسكري باسم كتائب القسام، أواخر الشهر الأول من الحرب، حين خاطب أبو عبيدة الرسميات العربية، ملتمسا منها إعلان أضعف الموقف تجاه جرائم الاحتلال ومجازره، ذاكرا أنه لا يطلب من تلك الرسميات تحريك الجيوش "لا سمح الله!"، في تعبير ظاهره رفع الحرج السياسي، وباطنه التهكم من ارتهان الموقف الرسمي العربي لواشنطن، ورضوخ صناع القرار العرب لإرادة الإدارة الأميركية حين يكون التدخل العملي "واجب الوقت"!
وفوق اعتماد العبارة الساخرة، استخدم الكاتب اسم "عبيدة" ليطلقه على بطل المسرحية، ومنعا لمباشرية التطابق الاسمي، كنى البطل بـ"أبي كوفية"، غير أنه لم يقطع إشارة العلاقة، التي لمعت مرتين: مرة من خلال توظيف المثل "الابن سر أبيه"، الذي ورد على لسان الشاب السوري "عاشور"، ليزيد الفلسطيني "عبيدة" بنصف وضوح، حين قال لصديقه وهو يحاوره "اشتقت كثيرا لأبي، أرجو أن يوفقه ربي".. ولو قال "أن ينصره ربي" لانكشف حجاب التورية الفنية، وسطع ضوء المباشرية السافرة!
والأخرى في نهاية النص المسرحي، لما عقدت إدارة الجامعة جلسة "نقاش تأديب" لبحث كيفية معاقبة الطالب "عبيدة"، بعد اعتراضه على آلية "التكميم اللساني"، ومطالبته بسحب الجهاز الذي اخترعه مارك واستغل في تكريس سياسة ازدواجية المعايير، التي أصر "عبيدة" على التعبير عن رفضها، وبين أنها ترخي زمام حرية التعبير عند الإعراب عن دعم "القضية الأوكرانية" وتجريم الغزو الروسي، وتضيق ذرعا بالتعاطف مع غزة والتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي ومجازره.
لتتوصل "لجنة التأديب" إلى اتخاذ قرار باستدعاء والد "الطالب العنيد"، حتى إذا رفع قرار المجلس التأديبي إلى العميد، كانت "النهاية المفتوحة" التي تناسب واقع استمرار الحرب، وتنسجم مع حالة انسداد أفق الحسم. ليشهر العميد في وجه القرار "فيتو" الاعتراض، محيلا إلى "العلاقة الاسمية" التي عليها مدار الربط الذهني، منبها حضرة رئيس القسم والأساتذة أعضاء "المجلس التأديبي" إلى عاقبة تنفيذ قرار استدعاء والد عبيدة، الذي هو طبعا "أبو عبيدة". وما كاد رئيس القسم والأساتذة يلتقطون تلك "الإشارة المنذرة"، ويمررون ذلك الاسم "الرهيب" حتى رددوا بصوت واحد عبارة: "لا سمح الله"!
ولقد كانت هذه العبارة مستخدمة في اللغة السينمائية (المصرية والشامية) في السياق الساخر نفسه، لكن ورودها على لسان الناطق العسكري باسم كتائب القسام أحياها في الذهن، وأضافها إلى عبارات أخرى من "قاموس الطوفان" تحولت إلى وسوم و"ترندات" انتقلت من ضيق الارتجال الشخصي العفوي إلى سعة الاعتماد الدلالي الشعبي، ومن ذلك: "معلش"، "ولعت"، "تعيطش".
وعلى ذكر هذه العبارات اللهجية الدارجة، أضفى استخدام العامية في بعض حوارات البطلين على النص المسرحي "واقعية" و"حيوية"، كسرت حدة العلمية و"التعليمية" التي كادت تغرق النص، وتحيد به عن جادة الفنية!
وبالمختصر المفيد؛ لقد خدم الكاتب قواسمية بفضل مسرحية "لا سمح الله" القضيتين اللغوية والفلسطينية، متخذا رحم العروبة منطلق دمج وجامع ربط، ليأوي إلى ركن أدبي رصين، في عمل تنازعته خلفيتان فنيتان: سينمائية ومسرحية، وكادت تختطفه الخلفية "الترجمية" لولا أن ألف الكاتب بين الفنية والعلمية، بما أودع "الحوار" من رهافة الالتقاط وإبداعية التوظيف، ليكمل معروفه ويجعل نهاية النص المسرحي مفتوحة؛ وبذلك يمد العمل الأدبي بسبب إلى سياقه الحدثي؛ لتجانس خاتمة المسرحية مع يوميات الحرب التي لما تضع أوزارها بعد، على الأقل حتى كتابة هذه السطور!