في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يعتقد المفكر الإسلامي الماليزي البروفيسور عثمان بكار أن هناك فرصة تاريخية لتفاهم العالم الإسلامي والصين، وذلك من خلال البحث عن المبادئ المشتركة بينهما. ويرى أن مبادئ الكونفوشية التي قامت عليها الحضارة الصينية قريبة جدا من التعاليم الإسلامية، بل إنه يؤيد العلماء الذين رجحوا أن يكون مؤسس الكونفوشية نبيا مصلحا.
ويعتقد البروفيسور بكار، الذي قضى عقودا من البحث في الكونفوشية والإسلام، أن ما ينقص ورثة الحضارتين هو فهم كل منهما للآخر، وإذا ما اختفى الجهل، فإن ذلك ينبئ بمستقبل من الوئام الاجتماعي والثقافي لما يزيد على ثلث سكان المعمورة.
وبقدر ما تحول التعقيدات والتناقضات السياسية والاقتصادية دون الانسجام بين الدول والشعوب، فإن جهل المفكرين وأصحاب الرأي بالمبادئ الخيّرة المشتركة يسهم في توسيع الهوة، ومن هنا تبرز الحاجة إلى إقامة مؤسسات فكرية وتعليمية لبناء قاعدة للتفاهم والانسجام.
الجزيرة نت التقت البروفيسور عثمان بكار، أحد أبرز منظري التفاهم الإسلامي الكونفوشي، الذي يشغل منصب الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا.
لقد أشرفت على أول مبادرة لبحث العلاقة بين الإسلام والكونفوشية في عام 1995، عندما كنت نائبا لرئيس جامعة الملايا، وهي أقدم جامعة ماليزية. نظمت مؤتمرا موسعا لبحث علاقة الإسلام بالكونفوشية، وكان برعاية رئيس الوزراء أنور إبراهيم، عندما كان نائبا لرئيس الوزراء في ذلك الوقت، وكان المتحدث الرئيسي في المؤتمر بروفيسورا في جامعة هارفارد الأميركية، متخصصا في الفلسفة الإنسانية الصينية، وهي الفلسفة التي تقوم عليها الكونفوشية.
بدأ اهتمامي بالكونفوشية عندما كنت أحضّر رسالة الدكتوراه في جامعة تمبل بفيلادلفيا الأميركية، وتتلمذت على يد عدد من الأساتذة الصينيين، وقرأت كثيرا من الكتب المتخصصة في الكونفوشية ومؤسسها، والتي ترجمت إلى الإنجليزية.
ولماذا كل هذا الاهتمام؟ لأن الإسلام والكونفوشية تعايشا في ماليزيا منذ مدة طويلة، وكان التعايش سلميا ولكن من دون حوار. وبذلك، كانت هذه محاولة لتعريف كل منهما بالآخر، وتطبيقا لما ورد في الآية الكريمة: "لتعارفوا"، وكان المؤتمر محاولة لتجسير الهوة بين أتباع الكونفوشية من الصينيين والمسلمين في ماليزيا.
الإسلام والكونفوشية تعايشا في ماليزيا منذ مدة طويلة، وكان التعايش سلميا ولكن من دون حوار
تابعنا جهودنا بعد المؤتمر الأول عام 1995، ولكن ليس بالمستوى المطلوب، وذلك من خلال سلسلة من المؤتمرات البحثية، ومن خلال الصحافة، خاصة صحيفة ذا ستار الماليزية. وفي إندونيسيا التي كانت تواجه مشكلة مع الكونفوشية، حيث لم يكن معترفا بها على أنها دين، وصل الأمر إلى الرئيس عبد الرحمن واحد الذي اعترف بالكونفوشية أنها سادس دين يمارس في إندونيسيا.
تنسب الكونفوشية إلى كونفوشيوس، وهو فيلسوف عظيم ومعلم، كما فهمه أتباعه من الصينيين الأوائل. عاش في القرن السادس قبل الميلاد، ولم يكن أكثر من فيلسوف، لكن الاعتقاد تحول لاحقا إلى أنه مؤسس ديانة، أو "نبي" كما نفهمه نحن المسلمون. وهنا يبرز السؤال: هل يمكننا نحن المسلمين أن نعتبره نبيا؟ وهو ما أرجحه بالفعل.
وقد استندت في أبحاثي إلى العالم الإندونيسي المسلم "حمكا" من سومطرة الذي كتب تفسيرا للقرآن الكريم، وتوصل إلى أن كونفوشيوس كان واحدا من 124 ألف نبي ورد ذكرهم في حديث للرسول الكريم ﷺ، والذين أرسلوا إلى مختلف فروع الإنسانية. ونظرا لأن العرق الصيني أحد أكبر الأعراق في العالم، فمن المنطقي أن عددا من الأنبياء أرسلوا إليهم، ولم تذكر أسماؤهم في القرآن.
"استندت في أبحاثي إلى العالم الإندونيسي المسلم "حمكا" من سومطرة الذي كتب تفسيرا للقرآن الكريم، وتوصل إلى أن كونفوشيوس كان واحدا من 124 ألف نبي ورد ذكرهم في حديث للرسول الكريم ﷺ، والذين أرسلوا إلى مختلف فروع الإنسانية. ونظرا لأن العرق الصيني أحد أكبر الأعراق في العالم، فمن المنطقي أن عددا من الأنبياء أرسلوا إليهم، ولم تذكر أسماؤهم في القرآن"
تقدير العلم، وأن التعلم فريضة، وهو ما ورد عندنا في الإسلام: "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"، و"اطلبوا العلم ولو في الصين".
وإذا ما اطلعت على كتابات كونفوشيوس، فإنك تكتشف أنه كاتب عظيم، يمثل الحكمة ويدعو إلى الحب والتسامح والصلاح، وهي الرسالة التي يحملها الأنبياء لأقوامهم. ويعبر عنه في المعتقدات الصينية "بالحكيم"، كما هو الحال مع الغزالي والفارابي لدينا، لكنه تجاوز تعريف الحكيم بما وهبه الله من معرفة تفوق قدرات البشر، وقد أثبتها في كتاباته الكثيرة. عندما أقارن كتابات كونفوشيوس بالإسلام، لا أجد ما يخالفه.
"عندما أقارن كتابات كونفوشيوس بالإسلام، لا أجد ما يخالفه"
أعتقد أن أجمل ما في آية التعارف: "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" هو أن الله خلق التنوع البشري لكي نعرف بعضنا بعضا. ولا يقف ذلك عند معرفة لون الجلد، أو اختلاف اللغة، أو المظهر والثقافة، فروح الآية تشير إلى أن التنوع الإنساني قدر من الله لا يمكننا محوه، ولكن يمكننا الدخول فيه والتواصل من خلاله عبر مبادئ أخلاقية عالية.
من خلال قراءاتي عن كونفوشيوس، يمكنني القول إنه قد يكون أحد الأنبياء غير المذكورين في القرآن. وقد أعطى الله كل نبي أمرين: المنهاج والشريعة. المنهاج يشير إلى العقيدة والروحانية، والشريعة تشير إلى الحياة الاجتماعية. أرى أن كونفوشيوس قدّم شريعة للصينيين بهدف إصلاح المجتمع الصيني في وقته. هناك مفهوم مختلف للإله؛ فهم يعتقدون أنه "السماء"، وأنه تلقى الأمر من السماء عندما كان في الخمسين من عمره، وكانت المهمة التي أعطيت له هي تعليم الصينيين الهداية والصلاح. وعندما نقارن هذه التعاليم بالتعاليم الإسلامية، نكتشف الكثير من التشابه
من خلال قراءاتي عن كونفوشيوس، يمكنني القول إنه قد يكون أحد الأنبياء غير المذكورين في القرآن. وقد أعطى الله كل نبي أمرين: المنهاج والشريعة. المنهاج يشير إلى العقيدة والروحانية، والشريعة تشير إلى الحياة الاجتماعية. أرى أن كونفوشيوس قدّم شريعة للصينيين بهدف إصلاح المجتمع الصيني في وقته. هناك مفهوم مختلف للإله؛ فهم يعتقدون أنه "السماء"، وأنه تلقى الأمر من السماء عندما كان في الخمسين من عمره، وكانت المهمة التي أعطيت له هي تعليم الصينيين الهداية والصلاح. وعندما نقارن هذه التعاليم بالتعاليم الإسلامية، نكتشف الكثير من التشابه.
وقد تغيب هذه المفاهيم عن المسلمين في المناطق البعيدة عن هذه الثقافة، وبذلك فإن الطريقة الأفضل لفهم الكونفوشية هي الاطلاع على ما يفهمه العلماء الصينيون المسلمون منها. أحد هؤلاء العلماء اسمه "ليوشي"، عاش في القرن العشرين، وحاول شرح الشريعة الإسلامية للشعب الصيني، ونجح في ذلك لأنه كان عالما بالكونفوشية والإسلام معا.
الطريقة الأفضل لفهم الكونفوشية هي الاطلاع على ما يفهمه العلماء الصينيون المسلمون منها. أحد هؤلاء العلماء اسمه "ليوشي"، عاش في القرن العشرين، وحاول شرح الشريعة الإسلامية للشعب الصيني، ونجح في ذلك لأنه كان عالما بالكونفوشية والإسلام معا
بالنسبة لماليزيا، فإن هذا المركز مهم جدا، وذلك لأن معرفة المسلمين الملايويين والصينيين بالمشترك بين الإسلام والكونفوشية تسهم في تعزيز التفاهم والانسجام بين المجتمعات والثقافات المختلفة. نحن نبحث عن القيم المشتركة. أما في الصين، فإن العلاقة ليست على ما يرام حاليا بين المسلمين وغالبية المجتمع الصيني. وقد قمنا ببعض الأنشطة في الصين التي تهدف إلى ردم الهوة، لكننا نحتاج إلى مزيد من الجهد. إن وضع الإسلام في الصين، حيث يتراوح عدد المسلمين بين 40 و50 مليون نسمة، يمكن أن يمكنهم من أن يصبحوا جسرا بين الصين والعالم الإسلامي.
معرفة المسلمين الملايويين والصينيين بالمشترك بين الإسلام والكونفوشية تسهم في تعزيز التفاهم والانسجام بين المجتمعات والثقافات المختلفة. نحن نبحث عن القيم المشتركة. أما في الصين، فإن العلاقة ليست على ما يرام حاليا بين المسلمين وغالبية المجتمع الصيني
قد لا تكون المشكلة في الأديان، وإنما في النظام السياسي الذي يضطهد المسلمين. السلطات الصينية تميز بين المسلمين الصينيين (قومية هوي) والإيغور، وتنظر إليهما كقضيتين مختلفتين. علينا أن نفهم ما الذي يقصدونه بذلك، وهذا لا يعني أننا نتفق معهم. فوضع المسلمين الصينيين أفضل حالا من الإيغور، ولا يوجد ما يمنع انتعاشهم اقتصاديا وتعليميا. أما بخصوص الإيغور، فهناك مشكلة حقيقية، إذ تعتقد السلطات الصينية بوجود حركات تطالب بالاستقلال.
"السلطات الصينية تميز بين المسلمين الصينيين (قومية هوي) والإيغور، وتنظر إليهما كقضيتين مختلفتين. علينا أن نفهم ما الذي يقصدونه بذلك، وهذا لا يعني أننا نتفق معهم. فوضع المسلمين الصينيين أفضل حالا من الإيغور، ولا يوجد ما يمنع انتعاشهم اقتصاديا وتعليميا. أما بخصوص الإيغور، فهناك مشكلة حقيقية، إذ تعتقد السلطات الصينية بوجود حركات تطالب بالاستقلال"
هذا ما يدعونا إلى الحوار، فلا بديل عن أن نفهم بعضنا بعضا. ولأول مرة، تعترف الحكومة التي تحمل الفكر الماركسي الاشتراكي بالحوار بين الإسلام والكونفوشية، وهو ما لم يحدث من قبل. وقد وافق الرئيس شي جين بينغ على دعم الحوار الذي تبنته الجامعة الإسلامية العالمية، وسوف نعقد مؤتمرنا الثاني في بكين.
لأول مرة، تعترف الحكومة الصينية التي تحمل الفكر الماركسي الاشتراكي بالحوار بين الإسلام والكونفوشية، وهو ما لم يحدث من قبل. وقد وافق الرئيس شي جين بينغ على دعم الحوار الذي تبنته الجامعة الإسلامية العالمية، وسوف نعقد مؤتمرنا الثاني في بكين
نعم، يمكن ذلك. واعتمادا على التغييرات الكبيرة التي طرأت خلال العقود الأخيرة في الصين، سواء على مستوى الاقتصاد أو التعليم، فإن الفضاء مفتوح للحوار والبحث والمعرفة. لقد دعيت للحديث في ندوات ومؤتمرات كثيرة عن الإسلام في بيئة يفترض أنها اشتراكية لا تعترف بالأديان، وهو ما كان عليه موقف القيادات الصينية السابقة. وهم اليوم أكثر انفتاحا واستعدادا للاستماع ومعرفة وضعنا وفكرنا.
"نحن في ذلك لا نقف مع الصين ضد الغرب، أو مع الغرب ضد الصين، فلنا حضارتنا الإسلامية المستقلة التي يمكنها بناء حضارة مشتركة. مبادرة "الحزام والطريق" للرئيس شي جين بينغ يمكنها أن تبني على هذا الإرث، وقد اعتبر رئيس الوزراء أنور إبراهيم هذه المبادرة متوافقة مع مبادئنا، من دون اعتبارها مشروعا ضد الغرب. يمكن للصين والعالم الإسلامي أن يتعاونا لبناء نظام عالمي جديد يقوم على أسس الأخلاق والمبادئ والعدل"
أعتقد ذلك. للإسلام، الدين العالمي، دور تاريخي في تجسير العلاقة بين الشرق والغرب، ويمكننا البناء على هذا الدور. ونحن في ذلك لا نقف مع الصين ضد الغرب، أو مع الغرب ضد الصين، فلنا حضارتنا الإسلامية المستقلة التي يمكنها بناء حضارة مشتركة. مبادرة "الحزام والطريق" للرئيس شي جين بينغ يمكنها أن تبني على هذا الإرث، وقد اعتبر رئيس الوزراء أنور إبراهيم هذه المبادرة متوافقة مع مبادئنا، من دون اعتبارها مشروعا ضد الغرب. يمكن للصين والعالم الإسلامي أن يتعاونا لبناء نظام عالمي جديد يقوم على أسس الأخلاق والمبادئ والعدل.
يمكننا المضي قدما في المسارين معا، فليس الخيار بين هذا وذاك. يجب القيام بكل ما هو ضروري لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية، فكل هذا يسهم في صناعة الانسجام بين العالم الإسلامي والصين. وفي الوقت نفسه، يجب العمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام. بحسب اطلاعي، فإن الكثير من المفاهيم الخاطئة منبعها الجهل، وهذا يحتاج إلى تطوير بيئة للتفكير الإيجابي، وهذه مهمة الأكاديميين والباحثين بالدرجة الأولى.
المفهوم القرآني للتعارف ينقلنا إلى مستقبل يعم فيه التفاهم، ويحول المشاريع الاقتصادية والسياسية إلى تفاهم شعبي
لا يمكن تجاهل المصالح المشتركة المتعلقة بالأمن والعلاقات الدولية وحسن الجوار، وهذا على مستوى القيادة. لكن ذلك لا يغني عن الحوار السياسي بين القيادات الإسلامية والصينية. المفهوم القرآني للتعارف ينقلنا إلى مستقبل يعم فيه التفاهم، ويحول المشاريع الاقتصادية والسياسية إلى تفاهم شعبي. ولنأخذ مثال مبادرة "الحزام والطريق"، فهي مبادرة اقتصادية صينية عابرة للدول الإسلامية، ودورنا يكمن في تحويلها إلى وسيلة للتفاهم والتعايش والدعوة، إلى جانب البناء والتقدم الاقتصادي. أعتقد أنها تشي ببيئة مناسبة لتطوير التفاهم والانسجام.