آخر الأخبار

الجنوب الليبي .. كنز مدفون ومعاناة متواصلة

شارك
تقع بلدة واحة واو الناموس (واو الناموس) في شرق منطقة فزان.صورة من: Abobakr Albaghdadi

غدامس، جالو، أوجلة، إجخرة، سبها، غات، الواحات، مرزق، أوباري، سوكنة، براك الشاطئ، زلة، فزان... كل هذه المدن وأكثرها تقع في الجنوب الليبي، ولكل مدينة خصائصها وطبيعتها الجغرافية.

غات: تتميز بطبيعتها الخلابة وتراثها الغني، بها آثار تاريخية مهمة، أهمها لوحاتها ونقوشها الصخرية وجبال أكاكوس التي تعود إلى آلاف السنين.

غدامس: عرفت بأنها لؤلؤة الصحراء، كل حبة فيها تروي تاريخ الأجداد، كل بيت وكل نقش يروي حاضرة وتاريخ، تنتشر فيها حرف السعف والجلود، ملتقى القوافل عرفت بالمدينة القديمة. وتنوعها الثقافي

أوجلة: أهلها أهل جود، وهي معروفة بأجود أنواع التمور.

الواحات: وهي جزء من الصحراء الكبرى، بها مجموعات واحات من أغنى الواحات بالإنتاج الزراعي مثل التمور والمانغو والزيتون.

جبراون هي واحة بها بحيرة كبيرة في منطقة صحراء إيدان أوباري في الصحراء الليبية. صورة من: Abobakr Albaghdadi

مؤهلات كبيرة واهتمام نادر

ما يميز أهل الجنوب ليس فقط كل هذه الخيرات بل التنوع الثقافي ، حيث أن سكانه مزيج من أمازيغ وعرب، كذلك طوارق وتبو، يتعايشون مع بعضهم بكل حب وسلام. وهم يمتهنون الزراعة والحرف، ويصنّعون أفضل أنواع الأحذية والإكسسوارات من الجلد. كذلك يتميزون بزيهم التقليدي المتعدد الألوان والأشكال والمهرجانات الثقافية. ومع كل ذلك يفتقر أبناء الجنوب الليبي إلى أهم الخدمات الأساسية ، ويعانون من قلة الاهتمام بحاجاتهم اليومية.

مقابل كل هذه المساحات الكبيرة والموارد الطبيعية المختلفة، والآثار، والصحراء الخلابة، والتنوع الثقافي والتراثي ، هناك انعدام تام لمبادرات أو خطط تهدف لتحسين الخدمات وتنشيط السياحة أو حتى للنهوض بالقطاع الفلاحي. وهو واقع ليس وليد التطورات التي تعيشها البلاد منذ سقوط نظام معمر القدافي وإنما يعود إلى قبل ذلك بعقود.

فعلى سبيل المثال، توجد في إجدابيا والواحات، وتازربو، وربيانة، والكفرة، وما جاورها، مرافق متهالكة، تغيب عنها البنية التحتية الأساسية لحياة مدنية، بالرغم من أنها مناطق محاطة بعدد من الحقول النفطية التي تُشكِّل مصدر دخل هائل لليبيا عامةً، إلا أن الجنوب بقي مغيّباً ولم يستفد من الثورة النفطية إلا نادراً.

أما على مستوى الفلاحة، فباتت الواحات خاصة في السنوات الأخيرة، مهددة بعمليات تقطيع أشجار النخيل وتقسيم الأراضي الزراعية لبيعها كأراض بناء.

أدوات الحرف اليدوية في التراث الثقافي للجنوب الليبيصورة من: Abobakr Albaghdad

"طريق الموت"

جانب من معاناة السكان يسرده محمد الكوري، أحد سكان منطقة الواحات، لـ DW عربية، متحدثاً عمّا أسماه "طريق الموت"، نظراً للعدد الهائل من الضحايا الذين قضوا نحبهم على هذه الطريق المتهالكة. ويقول "نحن نعاني في الحقيقة منذ عشرات السنين، بدءًا من إجدابيا ووصولًا إلى الكفرة، هذه الطُّرق لم يتم العمل عليها منذ عشرات السنين، وقد كانت هناك العديد من المشاريع والشركات التي مرت على مدى السنوات، من أجل تجديدها أو إنشاء طرق جديدة، ولكن لم يتم عمل أي شيء، سوى بعض المحاولات التي لا تستحق الذكر إطلاقًا... وقد راح بسبب وعورة ورداءة هذه الطرق العشرات من الأرواح، للأسف الشديد. العديد منهم أعرفهم شخصيًا".

الغازات السامة

يكمل محمد الكوري حديثه حول معاناة المواطنين اليومية متحدثاّ هذه المرة عن الغازات السامة المنبعثة من حرق نفايات البترول حول هذه المناطق. وحسب قوله فإنها تتسبب في مضاعفات وأمراض صحية خطيرة للسكان. ويقول: "لقد تكاثرت أعداد الإصابات بالسرطانات بشكلٍ مُرعب في السنوات الأخيرة، وهذا بالطبع نتيجة تراكمات لسنوات عديدة، حيث يستنشق السكان هذه الانبعاثات منذ أكثر من خمسين سنة، وها قد ظهرت ملامح الآفة في جينات السكان. ولا توجد أي جهة تُعنى بهذا الموضوع... لقد عشت هذه المأساة بنفسي، حيث إن والدي إدريس كوري، والذي سكن في منطقة "اللبة"، جالو، منذ خمسينيات القرن الماضي، مرض وتوفي بسبب هذه الانبعاثات".

التراث الثقافي الليبي، أدوات الحرف اليدوية في التراث الثقافي الليبي في الجنوبصورة من: Abobakr Albaghdad

مدارس يصعب الوصول إليها

يتابع محمد الكوري حديثه منتقلاً إلى مشكلة التعليم، التي يرى أنها تزداد تعقيدًا يوما يعد يوم. فعدد المدارس والثانويات قليل جدا في منطقة الواحات، فيما يسجل هناك ازدياد سريع لعدد السكان، وهو ما يؤدي تدريجيًا إلى تدهور فرص التعليم، خاصة وأن المناطق المعنية تبعد مسافات طوال عن أقرب مدرسة. ولا توجد كذلك في الجنوب جامعة. والجامعة الأقرب هي جامعة بنغازي فرع الواحات، وهذا بطبيعة الحال لا يكفي على الإطلاق لتلبية حاجة المنطقة.

نقص حاد في المستشفيات

يروي لنا أبو بكر البغدادي من مدينة أوباري أن الجنوب الليبي، وخاصة منطقة الفجيج، يواجه تحديات كبيرة في مجال التطبيب. أبرز هذه التحديات يكمن في نقص الأمصال الطبية، خصوصًا تلك المضادة للدغات العقارب، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير العلاج وزيادة معدل الوفيات، فيما

تشير اخر الإحصائيات إلى زيادة عدد الإصابات الناجمة عن لدغات العقارب.

وعموما يفتقر الجنوب إلى المستشفيات والمراكز الطبية المجهزة، كما أن المناطق المذكورة نائية وتبعد بمسافات طويلة عن المدن. والأمصال كحاجة ضرورية نظرا لطبيعة المنطقة، غير متوفرة نظرا لنقص التمويل، وقلة الدعم المالي وغياب الوعي لدى السكان بأهميتها في إنقاذ الأرواح.

وختاما يمكن القول إن الجنوب الليبي كنز مدفون وأرض بكر، لم تُكتشف بعد، وأهلها "منسيون" حسب شهادتهم.

تحرير: و.ب

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار