في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بين فندق ناسيونال دي كوبا الواقع قبالة البحر في حي فيدادو التجاري، وبين مركز مدينة هافانا بضعة كيلومترات. لم أشأ أن استأجر سيارة أجرة، اعتدت المشي عند زيارة المدن، فمع كل متر أقطعه اكتشف زاوية أو أثرا لن يتسنى لي الوقوف عنده إذا ما نقلتني سيارة أجرة، فسائقو سيارات الأجرة طالما يستعجلون بلوغ الهدف.
خرجت من الفندق التاريخي الذي سأروي قصته بعد حين، واتجهت نحو مركز المدينة، غير أن الاتجاه كان يتغير على خريطة غوغل، فالأنترنيت في كوبا سيئ وغير متوفر للجميع، إلا في الفنادق الفارهة.
فندق ناسيونال دي كوبا صورة من: Abbas Al-khashali/DWزيارة هافانا هي عودة في الزمن إلى أكثر من ستين عاما والطريق إلى مركز المدينة يمر عبر حي "كايو ويسو" الفقير ويعني بالإسبانية ( جزيرة العظام ). منازل الحي قديمة جميلة لكنها متأكلة وآيلة للسقوط. بعض المنازل لم يبق منها سوى واجهاتها والأبواب، أما تلك التي تمكنت من الصمود في وجه الزمن فيقطنها كثيرون، أكثر من أسرة في منزل واحد وباب المنزل يحميه باب حديدي، حتى الممرات الداخلية للمنازل مشغولة.
المحال إن صح وصفها بالمحال التجارية، فارغة. رفوف الصيدليات فارغة تماما. ومن يزور كوبا عليه أخذ الدواء والمستلزمات الطبية معه، خصوصا المضادات الحيوية.
رائحة المجاري تزكم الأنف، فمجاري المنازل تصب في الشارع ونهاية الشوارع محطات الأزبال المتراكمة. الأجساد غالبا شبه عارية، متعبة، هزيلة. عند رأس جادة صغيرة شاهدت رجلا ستيني يكاد أن يقع من شدة الضعف، يكلم سيدة بعمره، تجر هي الأخرى قدميها بصعوبة، عند نهاية الشارع المقابل يقف بائع متجول يبيع الفاكهة والخضار يحمل ميزانا بكف واحدة يدقق في قراءة ميزانه بدقة بينما تراقبه فتاة تشتري منه. تساءلت من يهتم بغرام أو غرامين أقل أو أكثر؟ تساءل يقفز ربما إلى ذهن سائح يعيش في أوروبا وحسب.
بائع متجول يبيع الفاكهة والخضار يحمل ميزانا بكف واحدة يدقق في قراءة ميزانه بدقة بينما تراقبه فتاة تشتري منه.صورة من: Abbas Al-khashali/DWفي منتصف الشارع يلعب صغار ببقايا أدوات سيارات، فلعب الأطفال هنا نادرة وعلى الأطفال اكتشاف لعبهم بأنفسهم، البعض منهم يلعب الورق، لكن الورق مجرد بقايا علب السكائر صنعوا منها ورقا للعب، كل شيء له قيمة في هافانا، حتى بقايا .. بقايا الأشياء القديمة، فكل شيء قديم في آخر قلاع الأنظمة الشيوعية المتهالكة، والتي لم يبق منها سوى الحزب الواحد، والقائد الخالد، والفقر المدقع الذي يطال أكثر من 90 بالمئة من سكان كوبا، الذين يعيشون تحت خط الفقر.
المرور في هذا الحي مهمة ليست بالسهلة، لكنها ضرورية، فالحي مشهور بالموسيقى الكوبية من أصول أفريقية بالخصوص (رومبا كوبا) ومنه خرج أبرز موسيقي كوبا من أصول أفريقية، ويقال إن الحاجة تصنع العجائب. يصف فرناندو أورتيز عالم الأنثروبولوجيا واللغويات والرائد في دراسة الثقافات الأفريقية الجديدة في الأميركيتين، وخاصة في كوبا، الابتكارات الموسيقية في كوبا بأنها ناشئة عن التبادل الثقافي بين الأفارقة المستعبدين المستقرين في مزارع السكر الكبيرة والإسبان من مناطق كالأندلس وجزر الكناري الإسبانية، حيث "صنع الأفارقة المستعبدون وذريتهم العديد من الآلات الإيقاعية وحافظوا على الإيقاعات التي تعلموها في موطنهم".
بداية حي كايو ايسو في قلب هاغانا صورة من: Abbas Al-khashali/DWفي الحي يقع "زقاق هاميل" كاليخون دي هاميل، Callejón de Hamel زقاق فني شهير، يُعدّ المكان رمزًا حيًّا لثقافة الديانة الإفريقية الكوبية (السانتيريا) ومركزًا للفن والموسيقى والتقاليد الشعبية ذات الجذور الأفريقية. والسانتيريا ديانة تمزج بين المعتقدات الأفريقية والكاثوليكية. في الزقاق يمكن رؤية رموز "الأوريشا" (الآلهة أو القديس) وألوانها وطقوسها.
جدران الزقاق مغطاة بالكامل بالجداريات الملونة، والتماثيل مصنوعة من الحديد المعاد تدويره ومواد أخرى، تشير رموز دينية وإلى الأرواح في ديانة "السانتيريا". في الزقاق تقام عروض أسبوعية للموسيقى الكوبية التقليدية مثل الرومبا، وغالبًا ما تكون يوم الأحد، حيث يجتمع السكان المحليون والسياح للاستمتاع بالإيقاعات الحية. على جدار معلقة صورة الفنان سلفادور غونزاليز ، من أسس هذا المكان الفني في أوائل التسعينيات، وجعل منه فضاءً للتعبير الثقافي والمجتمعي.
المباني تاريخية والأزبال في كل مكان في قلب هافاناصورة من: Abbas Al-khashali/DWسيارات هافانا القديمة أميركية الصنع خمسينية، تجوب الشوارع وهي جزء من هوية كوبا، ذكرتني بسيارات شيفرولية الأميركية التي كانت تملأ شوارع البصرة في العراق في سبعينات وثمانيات القرن الماضي. بعضها تستعمل كسيارات أجرة للكوبيين أنفسهم، تلك القديمة جدا منها والتي بالكاد بقيت صامدة بعد مرور أكثر من 60 عاما، منذ الثورة في كوبا. سيارات الشفروليه القديمة المكشوفة الغطاء تجوب شوارع المدينة أيضا، لا يركبها الكوبيون بل السياح، سيارات ملونة بالغالب بالوردي والأحمر والأزرق السماوي، ركوبها يكلف (رسميا) نحو 50 دولارا، لكن المساومة على السعر أمر بديهي في كوبا إذ يمكن الحصول على سعر عشرين أو عشرة دولارات في نهاية الأمر، الجولة تستمر لمدة ساعة تقريبا حول أهم معالم هافانا.
لم أشأ خوض هذه التجربة، أفضل دائما اكتشاف المدن بنفسي، لا أذهب إلى مناطق سياحية بل أتجول بين أزقة الأحياء القديمة وزواياها التي لا تصلها مجاميع السياح. مثل هذه الأزقة والشوارع البعيدة عن المعالم السياحية تكشف عن وجه المدن الحقيقية. وفي هافانا ينقلب العالم بين متر وآخر، خصوصا في مركز المدينة. فما أن تركت الحي الصيني خلفي حتى ظهر أمامي مبنى الكابيتول، بقبته الذهبية، مبنى شقيق لمبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة الأميركية، فيه يجتمع البرلمان الكوبي ليقرر مصير البلاد، ولو على الورق. المبنى رمز التناقض في كوبا، فحوله منازل آيلة للسقوط، فيما يقف وحده منتصبا في قلب هافانا بقبة ذهبية وجدران عالية ويبدو نظيفا وكأنه قد شيد بالأمس ولم يطاله الحصار الاقتصادي الأمريكي الذي فرض على كوبا منذ عام 1961، ولم تهمله يد النظام الشيوعي الكوبي، مبنى الكابيتول هو رمز الدولة، لا يعاني مثلما تعاني مباني أو شعب كوبا الواقع بين نقيضين. يقول لي مرشد سياحي حاول مرارا أن يقدم الخدمة ، قبلت بها، رغم أن لا حاجة لي بها، ساندرو الستيني المتعب من أصول أفريقية كوبية : "نحن والبلاد ملك لعصابة أسرة كاسترو المافياوية"، قبل خمسة أعوام كان الوضع أفضل، الأمور تسيء مع مرور الأيام. والدخل الشهري منخفض، فمعدل الراتب الشهري في كوبا 20 دولارا، الطبيب يحصل على 30 دولارا. "الكوبي يعمل في مهن كثيرة يوميا ويركض من مكان إلى آخر كي يجمع قوت يومه"، يقول الدليل السياحي الذي يشكو من مشكلة أخرى، حين سألته عن حال السياحة. يوضح لي بينما جلسنا نشرب القهوة : "السياح لا يبقون في هافانا، يتجهون إلى السواحل، خصوصا إلى فاراديرو، والسياح هنا أنواع". ثم شكا من أن السياح يفضلون أن يكون دليلهم السياحي من أصل لاتينية أو إسبانية، "ولا يطلبون خدمات الدليل السياحي الكوبي من أصول أفريقية".
صيدلية ، فارغة من الأدوية.صورة من: Abbas Al-khashali/DWودعت صديقي بعد جولة استبدلت فيها العملة من رجل يستبدلها في الشارع، وهو أمر لا ينصح به ، لكن الفارق في السعر كبير.
بدأت التجول في الجزء التاريخي من هافانا، قرب الميناء وفي وسط الحي القديم، توقفت للحظة وأنا لا أصدق عيني، منارة صغيرة في الحي القديم. مسجد عبد الله وفي مقابله البيت العربي، المسجد شيد في عام 2015، والبيت العربي مازال قيد التطوير على الطراز الأندلسي القديم. وكما يبدو فإن جهة خليجية مولت إنشاء المسجد وتمول البيت العربي أيضأ. لم يكن هناك من أتحدث إليه في ظهيرة اليوم الساخن هذا سوى خادم المسجد، القيت عليه السلام فرد علي " وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته". أعداد المسلمين في كوبا غير دقيقة، لكن بحسب مجلة "نيوز ويك"، فإن 9 ملايين مسلم يعيشون في كوبا، التي بعد ثورة عام 1959 حاربت الدين، رغم أن غالبية الشعب الكوبي تعتنق المسيحية الكاثوليكية، والكنائس منتشرة في هافانا وفي مدن كوبا الأخرى لكنها مهملة ومغلقة. الانفتاح الأول بين الكنيسة الكاثوليكية والنظام الكوبي جاء بعد زيارة البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني كوبا في عام 1998.
كنيسة في هافانا صورة من: Abbas Al-khashali/DWفهم كثيرون من الكوبيين حينها الزيارة على أنها انفتاح على الدين، "وقد بدأ الإسلام بالفعل في النمو بهدوء في كوبا، حيث يُقدّر عدد المسلمين حالياً بحوالي تسعة آلاف شخص. وعلى الرغم من أنهم يشكلون جزءاً ضئيلاً من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 11.3 مليون نسمة، إلا أن هذا الرقم يمثل زيادة كبيرة مقارنة بما كان لا يتجاوز بضع عشرات في أوائل تسعينيات القرن الماضي"، وبحسب المجلة "لا وجود لتراث طويل للإسلام في كوبا، غالبية المسلمين في البلاد هم من المتحوّلين إلى الإسلام، الذين اعتنقوا الدين بعد تواصلهم مع طلاب ودبلوماسيين من دول ذات أغلبية مسلمة".
سيارات أمريكية قديمة تجوب شوارع هافاناصورة من: Abbas Al-khashali/DWرحلة البحث عن مطعم لتناول طعام العشاء في جادة بوليفارد لم تكن سهلة، ففعليا يصعب الحصول على مطعم يمكن تناول الطعام فيه، والطعام في كوبا سيء، وقليل. قال لي صديق ألماني زار كوبا قبل سنين، إنه كان متفاجأ من لياقة ونحافة الكوبين، فمن النادر مشاهدة رجلا لا تظهر عضلات بطنه. لكن كما ظهر لي، فإن أحد أسباب ظهورها هو نقص الغذاء. وصلت إلى مطعم يبيع البيتزا، طلبت قنينة من المياه. على جانبي يجلس بعض السواح، على اليسار مني ، شاب من أصول تعود إلى شبه القارة الهندية، بصحبة شابة كوبية. وعلى اليمين، رجلان ألمانيان، في نهاية الستين والآخر في بداية السبعين من العمر، كانا يحتسيان البيرة الكوبية، لحظات وجاءت فتاة في العشرين من عمرها، قبلت السبعيني السعيد، الذي وقف بعد حين متجها إلى طالب حاجة من ذوي الاحتياجات الخاصة ومدمن، كان يفترش الأرض قبالة المطعم. جلس قبالته ومنحه بعض المال.
الدعارة ممنوعة قانونيا في كوبا وربما تديرها المافيا، والمافيا لها علاقاتها. الدعارة ليست ظاهرة جديدة في كوبا. ففي القرن الثامن عشر، أُرسل ضابط إسباني إلى الجزيرة لإغلاق بيوت الدعارة. وفي أربعينيات القرن العشرين، أصبح قطاع السياحة أحد أهم القطاعات الاقتصادية في الدولة الجزيرة. واستحواذ المافيا على الفنادق والكازينوهات ساهم في أن تصبح الدعارة عنصراً متنامي الأهمية في الحياة الليلية في هافانا. واشتهرت كوبا حينها ليس فقط كبيئة للمتعة بالنسبة للزوار الأمريكيين ولبعض المتنفذين في حكومة الرئيس فولخينسيو باتيستا، بل كمنزل دعارة مفتوح بحد ذاته، بحسب ما ينقل موقع "كوبا رايزن".
بعد وصول فيدل كاسترو إلى السلطة قطع وعداً لشعب كوبا بتغيير كلّ ذلك. "كانت من أولى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الثورية، عرض وظائف على مئات من العاملات في الدعارة، ليصبحن موظفات، سائقات أو نادلات. فخضعن لما يشبه إعادة التأهيل".
عندما بدأت الحكومة الكوبية الترويج لقطاع السياحة في تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانقطاع المساعدات وفتح الدولة لقطاع السياحة، كانت السياحة الجنسية هي التي أعطت دفعة الانطلاقة لتلك المبادرة. "تزايد عدد النساء اللواتي يعرضن أنفسهن على الأجانب كمرافقات مؤقتات أو حتى كزوجات محتملات. ومع انهيار الاقتصاد الكوبي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، أصبحت صناعة السياحة المصدر الأساسي للعملات الصعبة، وصار الأجانب يمثلون هدفا مرغوبا بشدة. ومن بين هؤلاء الأجانب أفواج من الرجال القادمين من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وكندا وسويسرا، بحسب موقع "كوبا رايزن".
بعد عقد من بداية الألفية الثانية حاولت كوبا الاستثمار في قطاعات أخرى من السياحة، البحرية والبيئية. لكن بحسب موقع صحيفة "هافانا تايمز" الصادرة في نيكاراغوا "يعتقد بعض الناس أن نجاح هذه التوجهات البديلة على حساب السياحة الجنسية يعود إلى رفض الحكومة تقنين الدعارة في كوبا. لكن مثل هذا القول قد يبدو ساذجاً إلى حدّ ما. كم من الأشياء محظورة في هذا البلد حتى نتفاجأ بعدم قانونية أقدم مهنة في التاريخ؟"، تتساءل الصحيفة.
جلست في باحة فندق ناسيونال دي كوبا، أحد أبرز معالم هافانا، الفندق الذي شيدته شركة أمريكية في 1930. كل ما في الفندق قديم، حتى أثاث الغرف، ورائحة الجدران القديمة القوية تشي بقدمه. الفندق الذي عقد فيه أول اجتماع لأسر المافيا الأمريكية في عام 1946 في ما يعرف بـ"مؤتمر هافانا".
جلست أدخن سيكارا كوبيا، كانت الكراسي حول طاولتي فارغة، انضمت إلي فتاة كوبية في نهاية العشرين من العمر، كانت في رحلة البحث عن زبون ما. لم أشأ أن أعدها بشيء لا رغبة لي فيه، قلت لها بإسبانية ركيكة، "لا تضيعي وقتك بالجلوس هنا، فالوقت ثمين". فهمت الرسالة ورحلت سريعا في رحلة البحث عن شخص آخر.
مشهورة كوبا بموسيقاها ورقصات السالسا لكن أيضا بالروم الكوبي الشهير وسيكارها، فصور الزعيم كاسترو أو زميله في الثورة جيفارا، عالقة في أذهان الجميع في خطاباتهم الحماسية أو لحظة تأمل يظهران فيها وبين الأصابع سيكارا سميكا، ينفث منه دخانا يضيف إلى الصورة سحرا خاصا. صورهم بالسيكار صارت طريقا للتسويق مرت عليه عقود، وحتى اليوم أجيال لم تعرف كاسترو ولا جيفارا لكنها ترغب بتجربة السيكار الكوبي بسبب صورهم.
روم هافانا كلوبصورة من: Jakub Porzycki/picture allianceما أن يدخل سائح مركز المدينة خلف مبنى الكابيتول مخترقا جادة بوليفارد، حتى يظهر بين الحين والآخر رجال يحاولون بيع السيكار الكوبي، أو يعرضون خدمات أخرى : "سيكار، تشيكا، روم .. "، يعرضون كل شيء، السيكار والروم وحتى الفتيات. السيكار الذي يبيعونه رخيص وغير أصلي. قال لي شاب كوبي تعرفت عليه في مقهى، السيكار الذي يبيعون ربما في داخله أوراق الموز لا أوراق التبغ الأصلية. أما شراب الروم فسيكون غير أصلي بالتأكيد. هناك من يبيع مباشرة حاملا بين يديه السيكار، وهذا بالتأكيد غير أصلي، فالسعر المعروض بحوالي دولارين، بينما السيكار في محال بيعه الأصلية يكلف على الأقل عشرة دولارات إلى ثمانين دولارا للقطعة الواحدة.
أشهر الماركت هي "بارتغاس" أسس المصنع في عام 1845، وهناك ماركات مثل "روميو أند جوليوت" و "كوهيبا"، " مونتي كريستو" وهناك ماركات كثيرة أخرى بعضها غير معروف. مصانع السيكار ملك للدولة، عدا بعضها لها شراكة مع شركة إسبانية لصناعة السيكار. أما صناعة شراب الروم فهي ملك كامل للدولة.
فيديل كاسترو صورة من: AP/picture allianceفي البلدة القديمة قرب مبنى الكاتدرائية القديمة أخذتني قدماي نحو زاوية خلف الكاتدرائية، أوقفني شاب كان يعرض السيكار كما هي العادة لكنه لم يكن يحمل معه أي سيكار، بل يحاول جلب الزبائن لمطعم في زقاق ضيق. أثار فضولي أن أشاهد بضاعته غير تلك المعروضة في السوق أو يحملها آخرون في الشارع، دخلنا إلى الزقاق ومنه إلى منزل، كان هناك الكثير من السياح يجلسون في المطاعم، ولذا لم أشعر بالقلق من الدخول في مغامرة، رغم أن الشراء من السوق السوداء يعاقب عليه القانون، ليس بعيدا عن باب المنزل دخلنا مباشرة إلى غرفة، في نهايتها طاولة واسعة، حين اقتربت منها شاهدت صناديق سيكار صغيرة وكبيرة ملونة. كل النوعيات غالية الثمن معروضة على طاولة في صناديق أصلية. سألته عن الأسعار، فجاءت المفاجئة، أسعارها بين عشرة إلى عشرين بالمئة من السعر الأصلي تقريبا أو حوالي ذلك. قلت له : "هذا السيكار غير أصلي".
مارادونا عاش فترة خلال العلاج من الأدمان في كوباصورة من: APأجابني رافائيل، بعدما قدم نفسه لي، والذي لا يمكنني التأكد من اسمه الأصلي، حاله حال السيكار المعروض: "هذا السيكار أصلي ومن المصنع". قلت له بصراحة، ولماذا على المصنع أن يبيع لك سيكارا يمكن أن يبيعه بأسعار باهضة بينما أنت تبيعها بعشر السعر الأصلي؟
قال رافائيل: "السيكار من المصنع، نأخذه من المصنع، أي نسرقه يا أخي"! ثم أضاف : "نريد البقاء على قيد الحياة .. برو .. هكذا نعيش".
في صباح اليوم التالي، تركت تقريبا كل ما جئت به من أدوية ومستلزمات طبية وغيرها في غرفة الفندق للسيدة التي كانت تهتم بتنظيف الغرفة. غادرت الفندق القديم، استأجرت سيارة أجرة واتجهت إلى سواحل فاراديرو، التي تبعد نحو 190 كم جنوب هافانا، حيث السواحل الرملية البيضاء والفنادق الفارهة، الطريق إلى هناك ساحر، مرة تجاور السيارة سواحل صخرية رائعة ومرة أخرى تخترق غابات استوائية. وأحيانا تمر بجانب مصنع قديم صدئ.
في فاراديرو الشوارع نظيفة والفندق حديث، أما النزلاء، فهم في الغالب من روسيا، وكندا وبعض دول أوروبا، سألت روسيا في الفندق لم هذا الإقبال الكبير على كوبا للسياحة.
الشاب الثلاثيني أجابني بالقول: "الموسيقى والشراب والسواحل ولإن كوبا تعود بنا إلى اشتراكية لم نعشها نحن الجيل الذي ولد في التسعينات".
المقال يعبر عن انطباعات صحفي في عطلة سياحية، ولم يكن في مهمة صحفية.