آخر الأخبار

جدل وتبادل للتهم.. الدعوة للإصلاح والمساواة بالميراث في مصر

شارك
دعوات الإصلاح الديني تلقى الرفض من الأزهر والمؤسسة الدينية والتيار المتشدد في مصر وآخرها دعوة الهلالي للمساواة بين الذكر والأنثى في الميراثصورة من: Heiner Heine/imageBROKER/picture alliance

أثارت دعوة أطلقها أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي للمساواة في الميراث بين المرأة والرجل، جدلاً موسعاً في مصر ، لا سيما مع التفاعل الحاد والسريع من الأزهر ودار الإفتاء المصرية للانتفاضة ضده وتكفير تصريحاته. ما يشير إلى حالة الخطر التي شعرت بها المؤسسات الدينية من تحويل دعوته الشخصية إلى ظاهرة مجتمعية، خاصة في ظل وجود تيار فكري تدعمه الدولة يدعو إلى التنوير والتجديد في الخطاب الديني الذي لم يعد يناسب الواقع المصري المعاصر.

هذه الدعوة أعتبرها التيار المحافظ "عبثا ومساسا" بالثوابت الدينية، فيما طالبت دعوات من المتشدًدين على مواقع التواصل الاجتماعي بفصل الدكتور سعد الدين الهلالي من منصبه، خاصة مع تداول مصادر لموقع اليوم السابع المصري بأن جامعة الأزهر ستتخذ قراراً لإحالة الهلالي إلى التحقيق. وحاولت DW عربية التواصل مع الهلالي دون رد.

وكانت دعوة الهلالي جاءت خلال لقاء تلفزيوني، مستنداً إلى مسألة غياب نص قرآني واضح يمنع المساواة، و اقتداء بدول إسلامية أخرى مثل تركيا و تونس . كما دعا أيضاً إلى إجراء استفتاء مجتمعي لتغيير القوانين الخاصة بالميراث، وبالتالي ترك سلطة الميراث للمجتمع وليس المؤسسات الدينية. الأمر الذي اعتبرته دار الإفتاء المصرية في بيان لها، ستاراً يراد به "نقض الحكم الشرعي وإلحاق الأمة بركب مفاهيم دخيلة لم تُنتج إلا اضطراباً وانهياراً في مجتمعاتها".

كما استند الأزهر في رده على أن أحكام الميراث في الإسلام هي نصوص قطعية لا تقبل الاجتهاد أو التغيير وتمثل تعديًا على الشريعة الإسلامية ومحاولة لإعادة إنتاج الفكر التكفيري المتطرف. والهلالي معروف بأفكاره التنويرية والجدلية في نفس الوقت، حيث أشار في السابق إلى أن الحجاب ليس فرض ، وهو رفضته المؤسسات الدينية.

واعتبر الشيخ علي المطيعي، وهو من علماء الأزهر، في حواره مع DW عربية، تصريحات الهلالي "مخالفة" للشريعة الإسلامية ولا يمكن لأي مسلم القبول بها، وإن حديثه لا يليق بعالم ينتمي إلى جامعة الأزهر وتصريحاته لا تمثل غيره. معتبراً أن أي "عبث" بثوابت الدين مرفوض، ونصوص الميراث من النصوص "القطعية" في الدين.

بارقة أمل وكسر لاحتكار المؤسسة الدينية

ومع حالة الرفض والجدل من عدد من المصريين المحافظين، لاقت الدعوة قبولاً وتفاعلاً من إعلاميين وحقوقيين اعتبروها بادرة أمل للتعامل مع تلك القضية المحتكرة من قبل المؤسسات الدينية، ومنها دعوة الحقوقية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، إلى توزيع الميراث بالتساوي. واعتبرت أبو القمصان في تصريحات لـDW عربية أن 95 بالمئة من النساء في مصر لا يحصلن على ميراثهن. مستنكرة ردة فعل الأزهر لا سيما وأنهم "لا يبذلون مجهوداً في تحذير الناس بعدم إعطاء الميراث الذي عقوبته أقوى من الشرك بالله".

انتصار السعيد: قضية مساواة الميراث ليست مجرد مسألة قانونية أو دينية، بل هي قضية "تحرر اجتماعي صورة من: Reham El Sayed/DW

(م.ص) هو أب مصري لأربعة فتيات أضطًر إلى أن ينقل كل ثروته لبناته خشية أن يرثه إخوته . حيث أشار لـ DW عربية أنه لا يحق لإخوته أن يأخذوا مجهوده. مضيفاً أنه احتكم إلى عقله وقلبه بصرف النظر عن النصوص الدينية.

ردة فعل الأزهر ودار الإفتاء العنيفة أثارت استنكار النسويات المدافعات عن حقوقهن، واعتبرن ذلك حلقة من حلقات "التشدًد ضد حقوق المرأة وتقزيم لدورها". انتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون أشارت في حوارها مع DW عربية، إلى أنها كنسوية ترى أن قضية مساواة الميراث ليست مجرد مسألة قانونية أو دينية، بل هي قضية "تحرر اجتماعي وتعكس نظاما اقتصاديا واجتماعيا يُقيًد النساء ويحد من استقلالهن المالي". وأضافت "في رأيي أن الدعوة إلى المساواة في الميراث هي دعوة مشروعة وجادة، ومن الممكن أن تكون لها أصداء، ولكنها ستظل محصورة في فئات معينة من المجتمع". وفسًرت ذلك بسبب التأثير "القوي" للمؤسسات الدينية.

وأضافت أنه "كان من الأفضل أن يتبنى الأزهر دورًا أكثر تفاعلًا مع المطالب النسوية والمجتمعية ويشجًع على فتح حوار ديني جاد حول كيفية تفسير النصوص الدينية بما يتناسب مع مفاهيم المساواة والعدالة في عصرنا الحالي". فيما اعتبرت أن الدولة لا يمكنها أن تتخذ خطوة "جريئة" في هذا المجال دون أن تواجه معارضة شديدة من المؤسسات الدينية.

جمال زايدة: فكر الهلالي مستنير، ولا تتعارض أفكاره مع الشريعة الإسلامية ويقدًم حلولا للمجتمع ومدعوم من الدولة صورة من: Reham El Sayed/DW

دعم الدولة لتجديد الخطاب الديني!

خاضت الدولة المصرية ممثلة في النظام الحالي معارك ضد مؤسسة الأزهر من أجل تجديد الخطاب الديني ، بعدما ألًح الرئيس المصري على شيخ الأزهر في بذل مزيد من الجهود. وكانت أبرز تلك المعارك هي معركة "الطلاق الشفهي" بعدما طالب النظام المصري بإلغائه، وهو ما رفضه الأزهر. واعتمدت الدولة على مفكرين إسلاميين إصلاحيين من ضمنهم الدكتور الهلالي لقيادة التجديد، ومن دون أن تضطًر الدولة إلى لاصطدام المباشر مع الأزهر، من خلال تأسيس تيار ديني جديد. ولكن هذا التيار مازال قيد التشكًل والاختبار، في ظل دعم مجتمعي محدود له ورصيد شعبي أكبر للأزهر. لذلك لم يستبعد مفكرون مصريون أن تكون تصريحات الهلالي مدعومة من الدولة.

الكاتب الصحفي في مؤسسة الأهرام، جمال زايدة رأى في تصريحاته لـ DW عربية عن الهلالي، بأنها "جيدة ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية". وفسًر هجوم الأزهر على الهلالي، بسيطرة "الفكر السلفي والإخواني المتشدًد"، رغم "اعتدال" فكر شيخ الازهر خاصة وأنه درس في فرنسا. واعتبر أن "فكر الهلالي مستنير، ولا تتعارض أفكاره مع الشريعة الإسلامية ويقدًم حلولا للمجتمع ومدعوم من الدولة التي تدعو دائما لتجديد الخطاب الديني، ولكنه لا يمثل تياراً كبيراً في مصر". ويرى أن هجوم الأزهر على الهلالي هو امتداد للهجوم على مفكرين تنويرين مصريين مثل الدكتور سيد القمني الذي قاموا بتكفيره.

ويبدو أن الجهود التي قامت بها الدولة المصرية لتغيير الخطاب الديني مازالت "ضعيفة" وتصطدم بهيمنة الخطاب الديني المتشدًد. وطريق الإصلاح الفكري في مصر مازال طويلاً، رغم تقدم دول عربية وإسلامية على مصر فيما يتعلق بحقوق وحرية المرأة.

ريهام السيد- القاهرة

DW المصدر: DW
شارك

حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار