خلال انتخابات الرايخستاغ (Reichstag) التي أجريت عام 1932، شهدت ألمانيا انقلاباً سياسياً أثار قلق عدد من كبار المسؤولين من أمثال الرئيس بول فون هيندنبورغ (Paul von Hindenburg). فخلال هذا العام، تحول الحزب النازي لأهم حزب بالبلاد حيث كسب الأخير العدد الأكبر من المقاعد بالرايخستاغ. وأمام هذا الوضع، أجبر الرئيس بول فون هيندنبورغ على تعيين أدولف هتلر مستشارا لألمانيا أواخر يناير 1933. وبحلول أغسطس (آب) 1934، فارق بول فون هيندنبورغ الحياة عن عمر ناهز 86 سنة. وبالتزامن مع ذلك، حصل هتلر على الحكم المطلق عقب دمج صلاحيات المستشار والرئيس.
أثار حصول هتلر على الحكم المطلق حالة من الذعر بأوروبا حيث اتجه كثيرون لمغادرة المنطقة خوفا من عنف النازيين. ومن ضمن هؤلاء الذين رحلوا، يذكر التاريخ الكاتب ذا الأصول اليهودية، ستيفان سفايغ (Stefan Zweig) الذي رحل نحو البرازيل.
يصنف ستيفان سفايغ، المولود بفيينا بالنمسا عام 1881، ضمن قائمة أهم الأدباء ومؤلفي القرن العشرين بأوروبا. وخلال مسيرته الأدبية، ألف هذا الكاتب النمساوي العديد من السير الذاتية مثل ماري أنطوانيت وجوزيف فوشيه وماري ستيوارت إضافة لعدد من الروايات مثل لاعب الشطرنج وأربع وعشرون ساعة في حياة امرأة وجنون الحب وفوضى المشاعر وعالم الأمس. وبسبب تواجده بفيينا، التي لقبت بعاصمة الأدب والفنون الأوروبية، التقى ستيفان سفايغ بالعديد من الشخصيات الأدبية والفنية وكان صديقا لكل من المختص بعلم النفس سيغموند فرويد (Sigmund Freud) والكاتب الفرنسي، الحائز على جائزة نوبل للأدب سنة 1915، رومان رولان (Romain Rolland) والملحن ريتشارد شتراوس (Richard Strauss).
مع صعود النازيين بألمانيا وتزايد نفوذهم بشكل تدريجي بالنمسا، تخوف ستيفان سفايغ من أعمال انتقامية ضده من قبل النازيين بسبب أصوله اليهودية. ولهذا السبب، قرر هذا الكاتب النمساوي مغادرة بلاده سنة 1934 ليحل، رفقة زوجته فريدريك ماريا سفايغ، بلندن قبل أن ينتقل فيما بعد نحو البرازيل.
خلال المحاضرات التي ألقاها بعدد من دول جنوب القارة الأميركية، أعرب ستيفان سفايغ عن حزنه وقلقه حول مصير العالم. ويوم 7 ديسمبر (كانون الأول) 1941، أصيب الأخير بالإحباط وتدهورت حالته النفسية عقب سماعه لخبر هجوم بيرل هاربر ودخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية الثانية. وبكتابه الذي حمل عنوان لاعب الشطرنج، نقل ستيفان سفايغ آخر فترات معاناته النفسية بسبب رحيله عن وطنه ومشاهدته لما يحصل بالعالم.
أثناء فترة كرنفال ريو بالبرازيل، سمع ستيفان سفايغ بخبر سقوط سنغافورة، التي مثلت أهم المستعمرات البريطانية المحصنة بشرق آسيا، بقبضة اليابانيين. ومع سماعه لهذا الخبر وتحمله لمرض زوجته، انهار هذا الكاتب النمساوي وقرر وضع حد لحياته مؤكدا على زوال القيم والعالم الذي كان يحلم به ورفضه العيش بعالم يحكمه النازيون وحلفاؤهم.
خلال أيامه الأخيرة، زار ستيفان سفايغ صديقه الكاتب جورج برنانوس (Georges Bernanos) الذي حاول جاهداً ثنيه عن الانتحار.
في رسالة الوداع الأخيرة التي تركها قبل انتحاره، شكر ستيفان سفايغ البرازيل على حسن الضيافة واستقباله طيلة هذه السنوات كما تحدث عن زوال وطنه ودمار أوروبا وتشرده نحو مكان بعيد عن مسقط رأسه. من جهة ثانية، أثنى سفايغ على مسيرته الثقافية وحياته وشكر أصدقاءه.
يوم 22 فبراير (شباط) 1942، رتب ستيفان سفايغ منزله بشكل لائق قبل أن يتناول كميات كبيرة من دواء مهدئ يعرف بالفينوباربيتال ليفارق بذلك الحياة عن عمر ناهز 60 سنة بمدينة بيتروبوليس (Petrópolis) بالبرازيل. وفي نفس الوقت وضعت زوجته حداً لحياتها حيث رفضت الأخيرة العيش بدون زوجها.
المصدر:
العربيّة