في حادث غريب، شهدت مدينة لانغرس الفرنسية سرقة نحو ألفي قطعة نقدية من الذهب والفضة من متحف "ميزون دي لوميير ديني ديدرو"، وذلك بعد ساعات فقط من السرقة التي استهدفت مجوهرات التاج الفرنسي من متحف اللوفر في العاصمة باريس، والتي قُدّرت قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار.
وقالت السلطات المحلية إن موظفي المتحف لاحظوا صباح الاثنين تحطّم إحدى خزائن العرض الزجاجية، ليكتشفوا أن السرقة وقعت في الواقع قبل يومين، في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أثناء إغلاق المتحف أمام الزوار.
المتحف الذي يحمل اسم الفيلسوف والموسوعي الفرنسي ديني ديدرو، أحد رموز "عصر التنوير" في القرن الـ18، يضم مجموعة نادرة من القطع الأثرية التي توثق تطور الفكر والفن الأوروبي. وكانت العملات المسروقة جزءا من مجموعة تاريخية عُرضت للجمهور بعد اكتشافها عام 2011 أثناء أعمال ترميم المتحف.
وأفاد بيان رسمي صادر عن السلطات المحلية في منطقة لانغرس بأن السارقين تصرفوا بـ"خبرة كبيرة ودقة لافتة"، مشيرة إلى أن اختيار القطع المنهوبة تم بشكل انتقائي ومدروس، مما يرجح أن العملية لم تكن عشوائية.
ووفقا لتقديرات أولية، تبلغ قيمة القطع المسروقة نحو 90 ألف يورو (ما يعادل 104 آلاف دولار أميركي). وتضم المجموعة عملات يعود تاريخها إلى الفترة الممتدة بين عامي 1790 و1840، وهي مرحلة تاريخية حساسة تزامنت مع الثورة الفرنسية وبدايات العصر الحديث.
صحيفة "لو باريزيان" أوضحت أن الموظفين لاحظوا آثار اقتحام خزانة العرض بعد يومين من وقوع السرقة، مما يعني أن اللصوص نفذوا عمليتهم في غياب أي إنذار أمني فوري، واستطاعوا مغادرة المكان دون أن يتركوا وراءهم إشارات واضحة.
وبحسب المصادر، فإن الشرطة المحلية سارعت إلى فتح تحقيق واسع بقيادة فرقة مكافحة السرقات الكبرى، وسط تساؤلات متزايدة عن تزامن السرقتين اللتين طالتا موقعين ثقافيين بارزين في فرنسا في غضون 48 ساعة فقط.
وتأتي هذه السرقة بعد ساعات فقط من الجريمة التي وُصفت في الصحافة الفرنسية بـ"سرقة القرن"، حين اقتحم 4 لصوص متحف اللوفر في وضح النهار، مستخدمين رافعة شوكية وسلّما معدنيا للوصول إلى قاعة عرض مجوهرات التاج الفرنسي.
وتمكن اللصوص من كسر النوافذ وصناديق العرض الزجاجية، قبل أن يفرّوا على متن دراجات نارية كبيرة حاملين 8 قطع نادرة تُقدّر قيمتها الإجمالية بأكثر من 100 مليون دولار.
وأفادت "لو باريزيان" بأن بعض المشتبه بهم معروفون لدى الشرطة بضلوعهم في عمليات سطو منظمة، ويُعتقد أنهم نفذوا العملية "بناء على طلب خاص" مقابل عمولة.
وقد تم اعتقال اثنين من المشتبه بهم لاحقا، أحدهما أثناء محاولته الصعود على متن طائرة متجهة إلى الجزائر من مطار شارل ديغول في باريس.
وفي ظل هذه التطورات، كشفت إذاعة "آر تي إل" الفرنسية أن متحف اللوفر نقل بعضا من أغلى مقتنياته إلى خزائن بنك فرنسا، بعد أن أظهرت التحقيقات الأولية وجود "ثغرات أمنية مقلقة" في إجراءات الحماية داخل المتحف الأكثر زيارة في العالم.
وذكرت الإذاعة أن عملية النقل جرت تحت حراسة مشددة يوم الجمعة، حيث تم إيداع عدد من القطع الثمينة من معرض أبولو -الذي يضم جواهر من الحقبة الملكية الفرنسية- في خزائن البنك المركزي الواقع على بعد 500 متر فقط من اللوفر، في قبو ضخم على عمق 27 مترا تحت الأرض، وهو المكان نفسه الذي تُحفظ فيه احتياطات فرنسا من الذهب.
السرقات المتتابعة أثارت حالة من القلق والاستغراب في الأوساط الثقافية الفرنسية، ودفعت الحكومة إلى إعادة النظر في إجراءات حماية المتاحف الوطنية والإقليمية.
ونقلت صحيفة "لوموند" عن مسؤول في وزارة الثقافة قوله "ما حدث خلال أسبوع واحد يفرض علينا إعادة تقييم منظومة الأمن الثقافي برمتها، فالقضية لا تتعلق فقط بالخسائر المادية، بل بثقة الجمهور في قدرة المؤسسات على حماية إرثها".
وتُعد فرنسا من أكثر الدول التي تتعرض مؤسساتها الفنية والثقافية لمحاولات سرقة منظمة، حيث شهدت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة أكثر من 150 عملية سطو استهدفت متاحف ومجموعات خاصة ومعارض متنقلة.
المصدر:
الجزيرة