بمشاركة مغنين من 23 دولة، تعيد روسيا السبت المقبل إطلاق مسابقة "إنترفيجن" الموسيقية العائدة إلى الحقبة السوفيتية والتي تطرحها موسكو كبديل من مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" التي استبعدت منها روسيا عام 2022 بعد حربها على أوكرانيا .
على مسرح "لايف أرينا" قرب موسكو، سيُحيي الحفل فنانون من دول الاتحاد السوفييتي السابق (بيلاروسيا وأوزبكستان وكازاخستان)، وشركاء مجموعة بريكس (البرازيل والهند وجنوب إفريقيا و مصر و الإمارات )، إلى جانب فاسي (فاسيليكي كاراجيورغوس) المغنية وكاتبة الأغاني الأسترالية المتخصصة في الموسيقى الإلكترونية والبوب والتي ستمثل الولايات المتحدة.
وللترويج لهذه الأمسية، عرض التلفزيون الروسي الرسمي فيديو على شاشة عملاقة في ساحة تايمز سكوير بمدينة نيويورك .
كان ذلك بمثابة تحدٍ في وقت يُعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن صبره تجاه فلاديمير بوتين "نفد بسرعة" بسبب تعثر الجهود لإنهاء النزاع في أوكرانيا، وهو ما أدى إلى استبعاد موسكو من مسابقة يوروفيجن، التي كانت قد فازت بها في 2008.
وصُمم مهرجان "إنترفيجن" كاحتفال غنائي للدول الحليفة للاتحاد السوفيتي السابق، وأُقيمت أولى دوراته في العام 1965 في تشيكوسلوفاكيا السابقة. وبعدما قمع السوفيت "ربيع براغ" في 1968، تم تعليق المهرجان قبل أن يُعاد إحياؤه في 1977 في بولندا. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينات، لم يعد المهرجان قائما.
بالمقابل، استُبعدت سابقا دول من مسابقة الأغنية الأوروبية يوروفيجن ، بينها بيلاروسيا في عام 2021 بعد إعادة انتخاب الرئيس ألكسندر لوكاشنكو المثيرة للجدل. واستُبعدت روسيا في العام التالي إثر غزوها أوكرانيا.
أصبح مهرجان "إنترفيجن" اليوم بصيغته الجديدة أكثر من مجرد مناسبة ثقافية، فهو يعكس بشكل واضح التداخل بين السياسة و" القوة الناعمة " الثقافية بطريقة غير مسبوقة.
ووعد المنظمون بأن يكون المهرجان "عيدا حقيقيا للموسيقى" وفي الوقت نفسه احتفالا بـ "الهوية الوطنية"، في خطوة تعكس الخطاب الرسمي الروسي الذي ينتقد الغرب "المنحط". في المقابل، لن يرسل أي بلد من الاتحاد الأوروبي مشاركا يمثله في مهرجان إنتروفجن.
وفي هذا السياق يقول خبير الجيوسياسة الفرنسي سيريل بريت الذي سيصدر قريبا كتابا مع الباحث فلوران بارمونتييه بعنوان "جيوسياسة اليوروفيجن" ان "إعادة إحياء إنترفيجن تعني مواجهة الترفيه الغربي واستعادة مسار مسابقة كانت جزءا من حرب باردة".
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فعلق على الموضوع أمام الصحافيين في إشارة إلى فوز المغنية المتحولة جنسيا كونشيتا فورست في مسابقة يوروفيجن 2014، وقال إنه لا يعترض على "حق جمهور اليوروفيجن في التصويت لصالح رجل بلحية يرتدي فستانا" وأضاف: "إذا كانت مسابقة يوروفيجن تُسعد البعض، فلا مانع لدينا من أن يشاهدها الناس في بلادنا".
وجعل فلاديمير بوتين من روسيا راعيا لـ "القيم التقليدية"، في مواجهة ما يعتبره "الانحلال" الأخلاقي للغرب بسبب تقبله لأفراد مجتمع الميم .
وفي إشارة إلى قمع الأقليات الجنسية في روسيا، حظرت المحكمة العليا في أواخر 2023 "الحركة الدولية لمجتمع الميم" بتهمة "التطرف".
بالمقابل، أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية، المسؤولة عن اختيار المشاركين في مسابقة "يوروفيجن" أن إسبانيا قد تمتنع عن المشاركة في حال شاركت إسرائيل "في ظل استمرار المجازر في غزة" .
وفي حال مشاركة إسرائيل، ستنضم إسبانيا إلى كل من أيرلندا وسلوفينيا وآيسلندا وهولندا، التي تبنت الموقف ذاته. لكن إسبانيا هي أول دولة من مجموعة الدول الخمس الكبرى المعروفة بـ"بيغ فايف" (إسبانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا) التي توجّه تهديدا بالمقاطعة.
مساء السبت قرب موسكو، سيغني كل فنان بلغته الأمّ، مثل المغنية القطرية دانا المير أو المغنية الملغاشية دينيز "على عكس مسابقة يوروفيجن التي تُقدّم فيها معظم الأغاني غالبا باللغة الإنكليزية"، كما أكد منظمو المسابقة.
أما الروسي شامان، الشخصية البارزة في الحفلات الوطنية التي تنظمها الحكومة، فسيقدم أغنية بعنوان "نحو القلب مباشرة".
وأوضح المدير العام لقناة "بريفي كانال" التلفزيونية الحكومية الروسية كونستانتين إرنست والمنظم الرئيسي لإنترفيجن، أن العرض سيُبثّ مباشرة أو مسجلا في كل دولة مشاركة، بحسب توقيتها المحلي.
وفي رأي سيريل بريت أن روسيا تسعى منذ منعها من المشاركة في يوروفيجن إلى إيجاد "منابر وقنوات تأثير جديدة". وقال: "إحياء مسابقة إنترفيجن، التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في السابق، يأتي في إطار إعادة توجيه النفوذ الروسي من الغرب نحو الشرق وأوراسيا والجنوب العالمي".
وأشار المسؤول الكبير في الإدارة الروسية ورئيس مجلس الإشراف على المسابقة سيرغي كيرينكو في مؤتمر صحافي إلى أن الدول المشاركة تمثل "4,334 مليارات نسمة أي أكثر من نصف سكان العالم".
وستختار الفائز في إنترفيجن لجنة تحكيم دولية، على عكس يوروفيجن التي يتم فيها جمع تصويت لجنة التحكيم مع تصويت المشاهدين عبر الرسائل النصية.
تحرير: خالد سلامة