عرض الصحف: في غزة "حرب طويلة بلا مخرج سياسي واضح"، وجدل حول ارتفاع تشخيصات التوحّد، وما دور الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد؟
ونبدأ جولتنا من صحيفة واشنطن بوست، حيث يتناول مقال للكاتب ديفيد إغناتيوس الوضع في غزة ويشير إلى أن الحرب المستمرة "لا تترك مجالاً لالتقاط الأنفاس"، بل "تُراكم المآسي يوماً بعد يوم".
ويصف الكاتب مقتل مدنيين فلسطينيين أثناء انتظارهم المساعدات الغذائية مطلع الأسبوع بأنه "مشهد قاسٍ يكشف عمق الكارثة"، ويشكّل برأيه "سبباً كافياً لضرورة إنهاء الحرب دون تأخير".
وأكد إغناتيوس أن غزة تحولت بعد قرابة عامين من الحرب إلى منطقة "عنف وسلب"، يهرع فيها الجائعون إلى مراكز التوزيع، بينما يعجز الجنود الإسرائيليون عن السيطرة على الحشود، وفق تعبيره، مضيفاً أن مشاهد الفوضى والمعاناة باتت تذكّر برواية "سيد الذباب" بوصفها صورة للانهيار الإنساني الكامل.
ويرى الكاتب أن جوهر هذه الكارثة يكمن في عجز الطرفين – إسرائيل وحماس – عن إنهاء حرب أنهكت كليهما، ويبيّن هنا بأن حماس – حسب قوله – مهزومة عسكرياً لكنها ترفض الاستسلام، بل وتبدو حريصة على استغلال الفوضى، أما إسرائيل، فقد انتصرت عسكرياً لكنها أخفقت في بلورة خطة انتقالية تستبدل حكم حماس بسلطة عربية مدعومة من السلطة الفلسطينية، في حين لا يزال الرهائن الإسرائيليون محاصرين في هذا الكابوس المستمر.
ويوضح أن مرحلة الانهيار الحالية بدأت منذ انهيار الهدنة في مارس/آذار، ورغم أن حماس كانت قد تعرضت لضربات ساحقة، إلا أن بعض مقاتليها ظلوا داخل غزة، وعلى هذا الأساس، قررت إسرائيل – وفق تعبيره – أن تضغط أكثر من خلال تقليص دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، رغم أن أكثر من مليون شخص ما زالوا بحاجة للطعام.
وقال إن إسرائيل سمحت لاحقاً لمنظمة أمريكية غير ربحية تُدعى "مؤسسة غزة الإنسانية" بتوزيع الغذاء، لكن "المراكز كانت ضيقة، وأوقات عملها محدودة، وتعاني من نقص في الأمن، وعجز موظفوها عن إدارة الحشود، لتُترك المهمة في النهاية لجنود الجيش الإسرائيلي"، الذين لا يمتلكون – حسب الكاتب – التدريب اللازم للتعامل مع مثل هذه الظروف، وكانت النتيجة "سلسلة متوقعة من الكوارث".
واعتبر الكاتب أن غزة اليوم تحكمها على الأرجح "عصابات وفوضى" أكثر من سلطة منظمة، وهو ما يجعل توزيع الغذاء بين الجموع الجائعة مهمة محفوفة بالفوضى والدماء.
ورأى إغناتيوس أن إسرائيل كان عليها أن تبدأ بوضع خطة لإعادة الحياة إلى طبيعتها في غزة منذ عام، عندما تم "كسر شوكة حماس عسكرياً"، وأن مسؤولين إسرائيليين حاولوا ذلك لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني رفضوا خططهم وأقالوهم.
واستشهد الكاتب بتحقيقٍ نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في 27 يونيو/حزيران، استند إلى شهادات لجنود إسرائيليين، وصفوا فيها الأوضاع في مراكز توزيع الغذاء بـ"المروّعة"، قائلين إن "إطلاق النار بات الوسيلة الأساسية لضبط الحشود".
وأكد إغناتيوس أن ما يجمع الإسرائيليين والفلسطينيين - رغم الغضب العميق والمرارة المتبادلة - هو الحاجة المُلحّة إلى إنهاء هذه الحرب.
وفي صحيفة وول ستريت جورنال، نقرأ مقالاً تحليلياً للكاتبين ماريان إل. توبي وبيتر بوتيك، تطرّقا فيه لتصاعد الجدل حول قدرة الذكاء الاصطناعي على إدارة الاقتصاد، وربما استبدال آليات السوق التقليدية.
ويستعرض المقال ثلاث أطروحات حديثة تقترح أنظمة ذكية تتدخل في الأسواق عبر أدوات مثل الضرائب والدعم وتوجيه الإنتاج، بهدف تحقيق التوازن البيئي والعدالة في توزيع الموارد.
لكنّ الكاتبين يرفضان هذه الفكرة، مؤكدَين أن الاقتصاد ليس معادلة حسابية تبحث عن حل مثالي، بل منظومة معقدة من التفاعلات اليومية التي يقوم بها الأفراد بحسب ظروفهم ومعرفتهم وتفضيلاتهم، ولكي تتحول هذه التفاعلات إلى نظام منظم ومفيد، لا بد من وجود قواعد مؤسسية تحكمها على حد قولهما.
وهنا يشير الكاتبان إلى ما يصفانه بـ"الركائز الثلاث": حقوق الملكية، والأسعار، ونظام الربح والخسارة، والتي اعتبراها المولّد لأهم عناصر النجاح الاقتصادي: المعلومة، والحافز، والقدرة على الابتكار.
وبحسب المقال، فإن الأسعار ليست أرقاماً ثابتة يمكن أن يتعامل معها الذكاء الاصطناعي كبيانات جاهزة، بل هي ناتج مباشر لتفاعل حي ومستمر بين العرض والطلب، وعندما تتغير الأسعار – كما في حالة ارتفاع الليثيوم مثلاً – تتفاعل السوق بسرعة عبر الترشيد أو الابتكار أو البحث عن بدائل، وهذه الاستجابة التلقائية لا يمكن محاكاتها في بيئات رقمية مغلقة.
ويحذّر الكاتبان من المبالغة في الثقة بقدرات الذكاء الاصطناعي، مشيرَين إلى أنه يتعامل مع بيانات من الماضي، بينما الاقتصاد الحقيقي يتطلب قرارات استباقية قائمة على توقّع المستقبل، فالخوارزميات قد تُجيد تحليل الاتجاهات، لكنها لا تستطيع استشراف التغيرات غير المتوقعة أو ابتكار حلول جديدة.
كما يلفتان إلى أن الأسواق الحرة توفّر ما تفتقده النماذج الآلية: بيئة حقيقية تتحقق فيها الأرباح والخسائر، ويضطر فيها الأفراد لتحمّل نتائج قراراتهم، وهذا ما يمنح الأسعار معناها الحقيقي، ويجعل الاقتصاد نابضاً بالحيوية، أما الخوارزميات، فحتى وإن قدّمت حلولاً منظمة، فهي تعمل في فراغ لا يخضع للمساءلة أو التجربة الواقعية.
ويؤكد المقال أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مفيدة لتحسين العمليات، لكنه لا يمكن أن يحل محل الأسواق الحرة، ولا أن يولّد الأسعار الحقيقية أو يتحمّل المخاطر، إذ إن الاقتصاد "لا يُدار من غرف البيانات، بل من خلال التبادل الحُر بين الناس، في سوق حيّ يتشكّل لحظة بلحظة".
إلى صحيفة ذا غارديان، حيث تتناول الكاتبة جينا ريبو في مقالها النقاش المتزايد في الأوساط الطبية حول ما يُعرف بـ"فرط التشخيص" في الطب النفسي، وبشكل خاص في ما يتعلق باضطراب التوحّد.
وتبدأ الكاتبة بالإشارة إلى أن ارتفاع تشخيص أمراض جسدية مثل السكري والسرطان أثار تساؤلات حول ما إذا كان بعض الناس يحصلون على تشخيص بأمراض قد لا تظهر لديهم أعراضها أبداً، أو لا يحتاجون لعلاج لها.
وتقول إن هذا الجدل في الطب الجسدي عادةً ما يكون بدافع القلق والتعاطف، حرصاً على ألا يُحمّل الناس أعباء صحية غير ضرورية.
لكن عند الحديث عن الطب النفسي، تضيف ريبو، فإن لهجة النقاش تختلف، إذ تظهر عبارات مثل "اتساع دائرة التشخيص" أو "تحويل الطب النفسي إلى موضة"، في إشارة إلى أن بعض الحالات، مثل القلق أو التوتر، تُفسّر على أنها أمراض رغم أنها جزء من تجارب إنسانية طبيعية.
وضمن هذا السياق، ترى الكاتبة أن التوحّد أصبح في مرمى الانتقادات، خاصة مع الارتفاع الكبير في أعداد من تم تشخيصهم به خلال العقدين الأخيرين.
لكن ريبو ترفض هذا التصور، وتوضح أن هذه الزيادة في التشخيص لا تعني أننا أصبحنا نبالغ، بل هي تصحيح لتقصير دام سنوات، خصوصاً تجاه فئات مثل النساء والفتيات اللاتي كنّ يُستثنين من التشخيص في الماضي بسبب معايير ضيقة وغير دقيقة.
وتشير إلى أن المجتمع اليوم أصبح أكثر وعياً بالتوحّد، وأكثر فهماً لتنوّع طرق ظهوره بين الأفراد.
وتنتقد الكاتبة الأصوات التي تقلل من أهمية التشخيص أو تشكك في دوافعه، وتقول إن ذلك يتجاهل التقدّم العلمي في فهم التوحّد باعتباره حالة عصبية وراثية، وليس مجرد مشكلة نفسية أو فشل في التكيّف.
وتُحذّر الكاتبة من العودة إلى مفاهيم قديمة خاطئة، مثل اتهام الأمهات بالتسبب في التوحّد بسبب "برودهن العاطفي".
وتوضح ريبو أن تشخيص التوحّد لا يجب أن يُنظر إليه كعبء أو وصمة، بل كخطوة مهمة نحو الفهم والدعم، سواء بالنسبة للأهل الذين طالما بحثوا عن تفسير لسلوك طفلهم، أو للبالغين الذين عاشوا سنوات من الحيرة قبل أن يعرفوا سبب اختلافهم.
وتستشهد الكاتبة بحالات كثيرة تغيّرت حياتها بعد التشخيص، منها الكاتبة البريطانية إميلي كايتي، التي كتبت عن معاناتها الطويلة مع القلق ومحاولات الانتحار، وكيف أن اكتشاف إصابتها بالتوحّد أنقذ حياتها وفتح أمامها باباً للفهم والتأقلم.
وتؤكد أن تقييم اضطراب التوحّد ليس أمراً سهلاً أو متاحاً للجميع، بل هو عملية طويلة ومعقدة تخضع لمعايير صارمة. وترى أن الخوف من "فرط التشخيص" في هذا السياق مبالغ فيه، ويغفل حقيقة أن التشخيص هو في كثير من الحالات مفتاح لحياة أفضل، وليس نتيجة ضغط اجتماعي أو مبالغة طبية.
وتقول إن التوحّد ليس "موضة" جديدة أو تشخيصاً مبالغاً فيه، بل انعكاس طبيعي لتنوّع البشر، وإن تجاهل هذا الواقع يلحق ضرراً حقيقياً بالناس الذين يحتاجون إلى الفهم والاعتراف والدعم.