تفصلنا أيام قليلة عن الموعد المنتظر للانتخابات الأميركية لعام 2024 التي ستقرر من يجلس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، ورغم أن الانتخابات بحد ذاتها ليست أمرًا تقنيا معقدًا، فإن أصابع التقنية امتدت إلى جوانب عدة بها، بدءًا من الآليات المستخدمة لتنظيم العملية الانتخابية وضمان نزاهتها وحتى التأثير في أصوات الناخبين ونشر الدعاية الانتخابية لمختلف المرشحين.
ولكنّ هناك استخداما آخر للتقنية يفضله الخبراء السياسيون في مختلف بقاع العالم، إذ يمكن استخدام التقنيات الحديثة عبر مجموعة من الآليات المتنوعة للتنبؤ بنتائج الانتخابات الرئاسية قبل نهايتها، وهو ما يعتمد عليه كثير من المحللون السياسيون والخبراء في وضع خططهم المستقبلية، فكيف ذلك؟ وهل يمكن أن تتوقع التقنية نتائج الانتخابات بشكل دقيق؟
يتمتع الرئيس الأميركي بنفوذ واسع يمتد في كل القطاعات المختلفة في العالم، وبينما يظهر هذا النفوذ بشكل أوضح داخل حدود الولايات المتحدة، إلا أنه في النهاية يصل إلى الدول كافة سواء كان بشكل سياسي مباشر أو حتى اقتصادي غير مباشر.
ومن هنا ظهرت الحاجة إلى وجود منظومة تنبؤ دقيقة بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك حتى تمكن الخبراء السياسيين والاقتصاديين في أنحاء العالم من وضع خطط وتوقعات تتكيف مع نتائج الانتخابات الأقرب إلى التصديق.
يعدّ النفوذ الاقتصادي الذي يتمتع به الرئيس الأميركي أحد أبرز الأسباب التي تدفع الشركات إلى الاستثمار في أنظمة توقع نتائج الانتخابات، وربما كان حظر "هواوي" من قبل الرئيس الأميركي الأسبق والمرشح الحالي دونالد ترامب مثالًا واضحًا على النفوذ الذي يتمتع به الرئيس الأميركي، إذ تسبب عبر قرار واحد في تقويض جهود "هواوي" في تطوير الهواتف والأجهزة الذكية.
لذا فإن التنبؤ الصحيح بنتائج الانتخابات يتيح للشركات بناء خطط وإستراتيجيات للتعامل مع الأوضاع الجديدة التي يفرضها كل رئيس جديد في كل دورة انتخابية، ولهذا السبب أيضًا تتأثر البورصة بشكل مباشر بنتائج الانتخابات وتوقعاتها.
توجد العديد من الأنظمة التي يمكن استخدامها للتنبؤ بنتائج الانتخابات في مختلف بقاع العالم، وبينما تعتمد جميع هذه الأنظمة في الوقت الحالي على التقنيات الحديثة وتعلم الآلة، إلا أنها في الماضي كانت تعتمد على القدرات الذهنية للخبراء السياسيين مثل آلان ليختمان (77 عاما) الذي تمكن من توقع نتائج الانتخابات بشكل صحيح 9 مرات في الـ20 عامًا الماضية.
يعتمد ليختمان وأمثاله على تحليل الوضع السياسي عبر وضع مجموعة من النقاط والعوامل التي تؤثر في قرار الانتخاب الشعبي، وهي آلية تعتمد على خبرة المحلل السياسي وقدرته على قراءة الوضع بشكل صحيح ومناسب.
ورغم نجاح هذه الطريقة، فإنها ليست الأفضل لأنها تعتمد على المهارة البشرية ولا يمكن تطبيقها بوضوح في كل دول العالم فضلًا عن كونها خاضعة لقدرات الخبير السياسي وميوله الشخصية، وهو ما دفع الشركات التقنية إلى البدء في تطوير آليات تعتمد على الحواسيب المجردة من المشاعر والأهواء للتنبؤ بنتائج الانتخابات وتوقعها بشكل صحيح وملائم.
يمكن تبسيط آلية عمل أنظمة التنبؤ بالانتخابات إلى مرحلتين مرتبطتين ببعضهما، الأولى تتطلب جمع البيانات ثم إنتاج بيانات جديدة بالاستناد إلى البيانات الأساسية المجموعة قبل تحليلها وبناء التوقع النهائي للانتخابات، وهي المنظومة التي ظهرت في ورقة بحثية نشرت بمكتبة "إم دي بي آي" (MDPI) المفتوحة المصدر.
أشارت الورقة إلى استخدام مزيج من تقنيات المحاكاة وتقنيات التعلم الآلي لجمع البيانات وتحليلها بشكل أدق وتقديم نتائج تقترب من الدقة بنسبة كبيرة، وقد تم اختبار هذه الآلية سابقًا في البرازيل وأوروغواي وبيرو وجاءت النتائج مطابقة للواقع بنسبة 100% من الجولة الأولى.
تتكون هذه الآلية من 4 مراحل، تبدأ عند تحديد العوامل الانتخابية التي تؤثر في فئات المجتمع المختلفة، ثم تقوم بتوزيع هذه العوامل بناء على عدد السكان والطبيعة الديمغرافية للمنطقة المنشودة، وبعد ذلك تبدأ عملية المحاكاة لتوليد مزيد من البيانات المتعلقة بالناخبين قبل تزويد منظومة التعلم الآلي بها وانتظار النتائج النهائية للانتخابات.
تعد هذه الآلية إحدى الآليات الدقيقة للتنبؤ بنتائج الانتخابات لأنها تستند إلى مجموعة من البيانات الحقيقية حتى في حالة المحاكاة فضلًا عن دقة نتائج التعلم الآلي بشكل عام، ولهذا تتمتع هذه الآلية بمعدل نجاح مرتفع.
وتوجد طريقة أخرى تعتمد على التعلم الآلي وتحديدًا الخوارزميات البايزية وسلاسل ماركوف من أجل تحليل مجموعة من العوامل. ويمكن القول إن هذه الآلية تعتمد على طريقة قريبة مما يقوم به ليختمان، ولكن بشكل آلي تمامًا، وقد أثبتت نجاحها بمعدل يتجاوز 90%، بحسب ما نشر في مجلة "ساينس دايركت" (Science Direct) المهتمة بالأبحاث العلمية.
في يونيو/حزيران الماضي، قام شابان يبلغان من العمر 19 عاما بتطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على التنبؤ بنتائج الانتخابات في آلية تحاكي آليات استطلاع الرأي المستخدمة بكثرة في عدد كبير من ا ....