في قلب مدينة دوالا الكاميرونية، حيث تختلط أحلام الصغار برائحة العشب في الملاعب الترابية، لم يكن كارلوس باليبا مجرد طفل يركض خلف كرة من الجلد، بل كان مشروعاً صاغه والده يوغين بعناية فائقة ليصبح أحد النجوم المنتظرين في كأس أمم أفريقيا بالمغرب مع منتخب بلاده.
يوجين، الذي تذوق طعم الاحتراف في الكاميرون، لم يكتفِ بمراقبة ابنه، بل كان يزرع فيه حب كرة القدم، إذ كان يحلم برؤية نسخة جديدة من مارادونا أو رونالدينيو، ليصبح لاعباً في برايتون الإنجليزي وهو لم يتجاوز الحادية والعشرين.
يقول كارلوس بوضوح إن أداءه يرتبط طردياً بحالته النفسية؛ فإذا اختفت الابتسامة، تعطلت قدرته على قراءة الملعب. ولكن، خلف هذه البراءة، يختبئ طالب نجيب يقضي ساعات طوال أمام شاشة الحاسوب، لا لمشاهدة الأفلام، بل لتحليل جينات العظمة لدى من سبقوه، هو لا يشاهد بول بوغبا وكيفين دي بروين وتياغو ألكانتارا، وسيرجيو بوسكيتس كمعجب، بل كمحلل تكتيكي يبحث عن أسرار التمركز، وكيفية عمل مسح شامل للملعب قبل وصول الكرة، وطريقة اتخاذ القرار في أجزاء من الثانية.
ويدرك باليبا أن الموهبة وحدها لا تصنع أفضل لاعب وسط في العالم، وهو اللقب الذي يضعه هدفاً نهائياً لمسيرته، بل يصنعه التعلم المستمر من مدارس مختلفة، سواء كانت مدرسة الثنائي الإسباني تشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا مع برشلونة أو مدرسة الدوري الفرنسي الحديثة بمرونتها مع فيتينيا وجواو نيفيز.
وكان انتقال باليبا إلى أوروبا، وتحديداً إلى ليل الفرنسي، الاختبار الحقيقي لقدرته على التكيف مع ضغوط كرة القدم الحديثة، إذ بدأ العالم يلاحظ هناك أن هذا الشاب الكاميروني يمتلك شيئاً مختلفاً، وعندما انتقل إلى برايتون في أغسطس 2023، انفجرت موهبته تحت قيادة المدرب فابيان هورزلر، ليتحول في وقت قياسي إلى واحد من أكثر الأسماء تداولاً في سوق الانتقالات وبين كبار المدربين في القارة العجوز.
ورغم أن بداية الموسم الحالي شهدت بعض التراجع في الزخم، إلا أن باليبا يرفض الاستسلام لفكرة البداية الصعبة، ويرى أن التحديات هي التي تصقل اللاعب.
واعترف باليبا لشبكة "سكاي سبورتس" بأن صعود نجمه كان أسرع مما توقع، وأن رؤية اسمه ترتبط بأرقام فلكية كان أمراً يثير الرهبة في البداية، لكنه سرعان ما حول تلك الرهبة إلى وقود لطموحه، مؤمناً بأن كل ما حققه حتى الآن ليس سوى الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل نحو قمة الهرم الكروي العالمي.
ويرى باليبا أن تمثيل منتخب الكاميرون في كأس أمم أفريقيا بالمغرب، فرصة مثالية ليعلن عن نفسه كقائد جديد لجيل "الأسود غير المروضة"، حيث إنه لا يذهب للمشاركة فحسب، بل ليثبت أنه الوريث الشرعي لأسطورة كوت ديفوار يايا توريه في ملاعب القارة السمراء، كما يريد أن يظهر للعالم أنه قادر على قيادة منتخب بلاده لاستعادة الأمجاد، متجاوزاً كل الأزمات الإدارية والضغوط التي تحيط بمنتخب بلاده.
وكشف باليبا أن حلمه لا يتوقف عند حدود كأس أمم أفريقيا، بل يمتد ليصل إلى تحقيق إنجاز تاريخي في كأس العالم.
المصدر:
العربيّة