في عالم كرة القدم الذي لا تأتي فيه النجومية بسهولة ولا تُقاس فيه الموهبة بالثمن المدفوع، أثبت عثمان ديمبيلي الذي واجه الانتقادات والإصابات طوال مسيرته، أن الإصرار والعمل الجاد قادران على قلب الموازين.
يوم 22 سبتمبر/أيلول الجاري توج ديمبيلي بجائزة الكرة الذهبية التي تمنح لأفضل لاعب في العالم متفوقا على موهبة برشلونة لامين جمال، لكن قبل اعتلائه منصة التتويج كان على الدولي الفرنسي تجاوز الكثير من العقبات في مسيرته.
في ليلة مظلمة من مايو/أيار 2019، عاش عثمان ديمبيلي واحدة من أكثر لحظات مسيرته قسوة عندما أضاع فرصة سهلة أمام ليفربول في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
ظهر ليونيل ميسي راكعا على الأرض وهو يشعر بالكثير من الإحباط، مدركًا أن تلك اللقطة ربما كلفت برشلونة بطاقة العبور إلى النهائي. وبعد أيام فقط، جاء الرد التاريخي من "الريدز" بريمونتادا 4-0 في أنفيلد، ليُضاف اسم ديمبيلي إلى قائمة المتهمين.
كانت تلك اللقطة رمزًا لمعاناة الجناح الفرنسي في برشلونة، فمنذ انتقاله القياسي من بوروسيا دورتموند مقابل 105 ملايين يورو عام 2017، لاحقته الإصابات العضلية والإحباطات.
غاب النجم الفرنسي أكثر من 780 يومًا عن الملاعب بسبب 14 إصابة مختلفة، وسجل 40 هدفًا فقط في 186 مباراة.
بمرور الوقت، تحول لمادة للسخرية بين جماهير "البلوغرانا"، ورُسمت حوله صورة اللاعب غير المنضبط، المهووس بألعاب الفيديو والسهرات، والذي لم يفي بوعود الموهبة التي حملها معه من ألمانيا.
حتى داخل النادي، تعاقبت محاولات إنقاذه، فقد جُهّز له برنامج غذائي خاص، واستُقدم طهاة لمراقبة تفاصيل يومه، لكن دون جدوى. ومع تصاعد الانتقادات، بات خروجه من برشلونة مجرد مسألة وقت.
انتقاله إلى باريس سان جيرمان فتح صفحة مختلفة حيث وجد ديمبيلي البيئة التي افتقدها في برشلونة وتحدث بثقة عن الحرية التي منحها له المدرب لويس إنريكي للتحرك بين الجناحين وصناعة الفارق، "منذ البداية شعرت أنه يؤمن بي ويثق بقدراتي".
ومع رحيل كيليان مبابي إلى ريال مدريد وجد ديمبيلي نفسه أمام أكبر تحدٍّ وهو أن يكون نجم الفريق الأول.
لم تكن الرحلة مفروشة بالورود؛ فقد اصطدم بإنريكي في إحدى الحصص التدريبية، واستُبعد عن مباراة حاسمة ضد أرسنال في دوري أبطال أوروبا. لكن هذه المرة، بدلًا من الاستسلام، تقبّل القرار بنضج وأعاد بناء نفسه وكانت النتيجة موسما استثنائيا.
نجح ديمبيلي في تسجيل 33 هدفا في 45 مباراة، بينها 8 أهداف في دوري الأبطال، أبرزها هدف الفوز في نصف النهائي أمام أرسنال والذي قاد باريس نحو اللقب الأوروبي المنتظر.
بفضل تألقه في البطولات الكبرى وقيادته باريس إلى ثلاثية تاريخية، تفوّق ديمبيلي على لامين جمال ورافينيا ليحصد الكرة الذهبية 2025.
لحظة تاريخية أكدت أن النجم الفرنسي لم يكن مشروعًا ضائعًا كما اعتقد كثيرون، بل جوهرة صقلت نفسها بالصبر والعمل.
ربما كان أفضل وصف لما حدث على لسان المدير الرياضي السابق لبرشلونة، روبرت فرنانديز الذي أقر بالخطأ الذي اقترفته إدارة برشلونة "لم نكن صبورين مع ديمبيلي، كل الاتهامات التي وُجهت له كانت قاسية لقد أعطى برشلونة صفعة قوية بعد رحيله".
من لاعب منبوذ في كامب نو إلى قائد مشروع باريس سان جيرمان الجديد، أصبحت قصة ديمبيلي عنوانًا للفداء الكروي ورحلة تثبت أن الموهبة لا تموت، وأن الإصرار قادر على قلب الموازين، حتى وإن تأخر الاعتراف سنوات.