لطالما كان الألومنيوم "ملك الخفة" في عالم المعادن، فهو رخيص نسبيا، وسهل التشكيل، ومناسب لعدد لا يحصى من التطبيقات.
لكن عندما ترتفع الحرارة أو تصبح القوة شرطا لا يقبل التفاوض، يتراجع الألومنيوم عادة أمام مواد أثقل وأغلى مثل التيتانيوم أو المواد المركبة.
الآن، يعلن مهندسو معهد مساتشوستس في الولايات المتحدة الأميركية عن سبيكة ألومنيوم جديدة قابلة للطباعة ثلاثية الأبعاد، يقولون إنها حققت في الاختبارات قوة تعادل خمسة أضعاف الألومنيوم المصنوع بالطرق التقليدية، مع قدرة على الحفاظ على بنيتها وخواصها عند درجات حرارة تصل إلى نحو 400 درجة مئوية، ما يجعلها تتقدم خطوة ناحية صلابة التيتانيوم.
القصة ليست مجرد "خلطة عناصر" جديدة، بل وصفة تجمع بين طريقتين، وهما تعلم الآلة لاختيار التركيب الكيميائي بسرعة، والطباعة المعدنية بالليزر لصنع بنية داخلية دقيقة جدا لا تسمح لضعف الألومنيوم المعتاد بالظهور.
وبحسب الدراسة، التي نشرها الباحثون في دورية "أدفانسد ماتيريالز"، يؤكد الباحثون أن نموذج تعلم الآلة اختصر طريقا كان سيتطلب تقليديا فحص أكثر من مليون احتمال تركيبي، ليصبح البحث محصورا في 40 تركيبة واعدة فقط قبل الوصول إلى التركيبة المثلى.
الفكرة الجوهرية أن خواص السبائك لا تعتمد فقط على نوع العناصر المضافة، بل على "الهندسة الميكروسكوبية" داخل المعدن، وخاصة توزيع مكونات صغيرة جدا تسمى "الرواسب".
كلما كانت هذه الرواسب أصغر وأكثر تقاربا، زادت صلابة المعدن. غير أن الوصول إلى هذه البنية يتطلب شرطا صعبا، وهو تبريد سريع جدا يمنع الرواسب من النمو والتضخم.
هنا تدخل الطباعة المعدنية بتقنية "الانصهار بالليزر على سرير مسحوق"، حيث يمر الليزر على طبقة رقيقة من مسحوق المعدن، ليذيبها وفق الشكل المطلوب، ثم تتجمد بسرعة قبل إضافة الطبقة التالية.
هذا التجميد الخاطف يخلق ما يشبه "نسيجا داخليا" شديد الدقة، ويثبت الرواسب النانوية في أماكنها قبل أن تكبر، كان هذا المعدل العالي للتبريد هو الباب الذي فتحته الطباعة ثلاثية الأبعاد، ليس فقط لصنع شكل معقد، بل لصنع معدن بخصائص جديدة.
وبحسب الدراسة، العينات المطبوعة كانت تساوي خمسة أضعاف في صلابتها مقارنة بالنسخة المصبوبة من السبيكة نفسها، وأقوى بنحو 50% من سبائك صممت بالاعتماد على محاكاة تقليدية من دون تعلم الآلة، كما ظلت البنية الدقيقة مستقرة حتى 400 درجة مئوية.
هذا الرقم مهم صناعيا، لأن كثيرين في الصناعة ينظرون إلى التيتانيوم بوصفه الحل عندما تصبح الحرارة والقوة شرطين أساسيين، رغم أنه أثقل وأغلى.
خذ مثلا شفرات مراوح محركات الطائرات تصنع غالبا من التيتانيوم، والذي يمكن أن يكون أغلى حتى 10 مرات من الألومنيوم. ولو أمكن استبدال جزء من هذه المكونات بسبائك ألومنيوم جديدة، فقد ينعكس ذلك على استهلاك الطاقة في قطاع النقل نفسه.
ولا يقتصر الطموح على الطيران، فقوة المادة مع قابلية الطباعة قد تفتح استخدامها في مضخات تفريغ متقدمة، وسيارات عالية الأداء، وأجهزة تبريد لمراكز البيانات، وهي مجالات تستفيد من خفة الوزن ومن القدرة على طباعة أشكال معقدة تقلل الفاقد وتسمح بتصاميم لم تكن ممكنة بالتصنيع التقليدي.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة