يتجه العالم نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر، لأنه أصبح ضرورة وليس خيارا للحفاظ على كوكب الأرض من التغيرات المناخية، لأنه الوقود الوحيد الخالى من أى انبعاثات كربونية ملوثة للبيئة، كما بدأت عدد من الشركات فى معالجة الهيدروجين الأخضر لاستخدامه كوقود لتموين السفن، فضلا عن ذلك ثمة حرص واضح من جانب دول عربية على أن يكون لها موطئ قدم فى هذه السوق الواعدة التى ستكون خلال العقود القليلة المقبلة إحدى الأسواق الهامة لتأمين الاحتياجات من الطاقة. فضلا عن ذلك ثمة حرص واضح من جانب دول عربية على أن يكون لها موطئ قدم فى هذه السوق الواعدة التى ستكون خلال العقود القليلة المقبلة إحدى الأسواق الهامة لتأمين الاحتياجات من الطاقة.
يوضح المهندس وائل حامد، خبير الصناعات الغازية فى منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك» إن هناك نحو 65 دولة أبدت اهتماما رسميا بالاستثمار فى قطاع الهيدروجين، من خلال إعداد استراتيجية وطنية أو خارطة طريق، ويشمل ذلك غالبية الدول الأوروبية وعددا من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من بينها أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام، وفى الأمريكيتين انضمت الولايات المتحدة وتشيلى وكولومبيا.
وأضاف حامد لـ«الشروق» أن تقريرا أعده للمنظمة، الشهر الماضى، بعنوان تطورات الغاز الطبيعى المسال والهيدروجين الربع الثالث والرابع 2025، أظهر أن هذه الدول الـ65 مجتمعة تشكل نحو 85% من إجمالى الناتج المحلى العالمى، كما أن اقتصاداتها تتسبب بحوالى 80% من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون على مستوى العالم، مما يبرز الأهمية الكبيرة لهذا التوجه فى سياق جهود التحول العالمى نحو الطاقة النظيفة.
وحول الدول العربية، قال حامد إنه لم يتغير عدد الدول العربية التى وضعت أهدافا محددة ضمن أطر زمنية واضحة لقدرات إنتاج الهيدروجين أو حصتها المستهدفة فى السوق العالمية عن العام السابق، حيث استقر العدد الإجمالى عند 10 دول تضم مصر والإمارات والسعودية وسلطنة عمان والجزائر والمغرب وتونس والكويت والأردن وموريتانيا، وهو ما يعكس حرص الدول العربية على التواجد الفعال فى السوق الواعدة، وتأمين دور تنافسى ضمن التجارة العالمية للهيدروجين ومشتقاته.
قال المهندس إبراهيم مكى، رئيس الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات «إيكم»: إن الهيدروجين الأخضر يمثل الركيزة الأساسية لإنتاج الأمونيا الخضراء، موضحًا أن الاختلاف الجوهرى بين الأمونيا الخضراء والأمونيا التقليدية لا يكمن فى المنتج النهائى، بل فى طريقة التصنيع ومصادر الطاقة المستخدمة.
وأوضح مكى لـ«الشروق» أن الهيدروجين الأخضر يُستخدم كبديل عن الغاز فى عملية تصنيع الأمونيا، حيث يتم دمجه مع النيتروجين المستخرج من الهواء داخل مفاعل كيميائى لإنتاج الأمونيا الخضراء (NH₃)، مؤكدا أن الأمونيا الناتجة لها نفس التركيب الكيميائى للأمونيا التقليدية، لكن الفارق الرئيسى يتمثل فى الأثر البيئى.
وأشار مكى إلى أن سعر بيع الأمونيا التقليدية (الرمادية) المنتجة من الغاز يتراوح عالميا ما بين 400 و500 دولار للطن، فى حين يصل سعر الأمونيا الخضراء إلى أكثر من 700 دولار للطن. وأوضح أن تكلفة إنتاج الأمونيا الخضراء فى مصر تتراوح ما بين 600 و700 دولار للطن، مع اختلاف التكاليف من شركة لأخرى ومن موقع لآخر.
وأكد رئيس الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات، أن الأمونيا الخضراء صديقة للبيئة؛ حيث لا تنتج عنها انبعاثات كربونية أثناء التصنيع، على عكس الأمونيا التقليدية التى تعتمد على الغاز وتنتج عنها انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وأن المنتج النهائى واحد من حيث الشكل والتركيب الكيميائى، لكن فلسفة الإنتاج هى التى تختلف.
وحول خطط التصدير، أوضح مكى أن الأمونيا يتم تصديرها فى صورة سائلة عبر الموانئ المصرية باستخدام السفن، مشيرا إلى تنفيذ خط لنقل الأمونيا على الرصيف 27 فى دمياط بالتعاون مع وزارة النقل لتصدير كل من الأمونيا الخضراء والتقليدية، عن طريق السفن.
وأشار مكى إلى أن مصر تعمل حاليا على عدة مشروعات لإنتاج الأمونيا الخضراء، من بينها مشروع بطاقة إنتاجية تصل إلى 150 ألف طن سنويا، إضافة إلى مشروعات أخرى تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام.
وأكد أن الجهات الدولية تُبدى مرونة كبيرة فى تمويل المشروعات الخضراء، موضحا أن تمويل مشروعات الهيدروجين والأمونيا الخضراء أصبح أسهل مقارنة بالمشروعات التقليدية، فى ظل التوجه العالمى نحو الطاقة النظيفة.
أكد أشرف حماسة الرئيس التنفيذى لشركة سيمنز للطاقة فى مصر، اهتمام سيمنز للطاقة بالهيدروجين الأخضر يرجع إلى كونه عنصرًا مهمًا فى عملية التحول الطاقى، وضمان توفير كهرباء موثوقة ومستدامة فى ظل ارتفاع الطلب، خاصة عند التخطيط لدمجه بفعالية ضمن منظومة الطاقة المستقبلية.
وأضاف حماسة: «يُنظر بشكل متزايد إلى الهيدروجين كوسيلة واعدة لإنتاج طاقة خضراء، فعند وجود وفرة من الطاقة المتجددة، يمكن توجيه جزء منها إلى محلل كهربائى، وهو أحد حلول سيمنز للطاقة، حيث يستخدم جهاز التحليل الكهربائى الكهرباء لتفكيك جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين، مما يحول فعليا فائض الطاقة المتجددة إلى هيدروجين يمكن تخزينه مثل الوقود.
وتابع: «لاحقا، يمكن استخدام هذا الهيدروجين المخزن فى تطبيقات متعددة، واليوم يُستخدم الهيدروجين بالفعل فى قطاعات مختلفة؛ فهناك سيارات تعمل بالهيدروجين، وحتى توربينات غازية تعمل باستخدامه كمصدر للوقود، ومن المهم فى قطاع الطاقة العمل على تحديث التوربينات الغازية لتكون جاهزة لاستخدام الهيدروجين كوقود فى المستقبل لإنتاج طاقة نظيفة، غير متقطعة، ومتاحة دائما، وكبديل للوقود الأحفورى».
كما يمكن تحويل الهيدروجين إلى أنواع أخرى من الوقود مثل الأمونيا أو الميثانول، التى تُستخدم فى العديد من الصناعات، منها وقود السفن وتطبيقات صناعية أخرى. علاوة على ذلك، يسهل الهيدروجين الأخضر عملية الابتعاد عن الفحم كمصدر للكهرباء، فالغاز، عند استبداله بالفحم، يمكن أن يقلل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى ٦٠٪، وإذا أضفنا إلى محطات الكهرباء التى تعمل بالغاز تقنيات إزالة الكربون، مثل الهيدروجين الأخضر، فقد تصل نسبة الخفض إلى ٨٠٪.
وقال حماسة إن سيمنز للطاقة تعمل على تلبية الطلب العالمى المتزايد على الهيدروجين، والذى وصل إلى نحو ١٠٠ مليون طن فى عام ٢٠٢٤، بزيادة قدرها ٢٪ مقارنة بعام ٢٠٢٣، فى إطار نمو الطلب على الطاقة بشكل عام، وفى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، بما فى ذلك مصر، لا تقتصر أهمية الهيدروجين الأخضر على توفير كهرباء موثوقة ومستدامة فحسب، بل تشمل أيضًا تعزيز النمو الاقتصادى، إذ تسعى العديد من دول المنطقة إلى تصديره إلى الأسواق المجاورة.
وتابع: «نؤمن فى سيمنز للطاقة بضرورة التعاون المستمر بين القطاعين العام والخاص، لتطوير الأطر التنظيمية لإنتاج الهيدروجين، وتحفيز الصناعات على استخدامه فى إزالة الكربون، إلى جانب توسيع فرص التمويل وتقليل المخاطر، وتعزيز البنية التحتية اللازمة للإنتاج والنقل».
أكد حماسة، وجود إقبال لشراء أجهزة التحليل الكهربائى، خاصة فى ظل ارتفاع الطلب على الكهرباء، وخطة الحكومة لتصبح مصدرا أساسيا للهيدروجين فى المنطقة مستقبلا، ومع ذلك، لكى يصبح الهيدروجين عنصرا حاسما لتحقيق الحياد الكربونى، يجب أن يتوفر بكميات كبيرة وبأسعار تنافسية، وهو ما يتطلب إنتاج مستمر لأجهزة تحليل كهربائى فعالة، من حيث التكلفة، وعلى نحو قابل للتوسع، ويجب أيضا أن تتوفر بنية تحتية للهيدروجين، ووفرة من الطاقة المتجددة، إلى جانب وجود المشترى النهائى سواء عالميا أو محليا، بالإضافة إلى الحوافز الحكومية، مع عمل جميع الشركات على البحث والتطوير.
وتابع: لهذا السبب، أنشأت سيمنز للطاقة، بالتعاون مع إير ليكيد، مصنع ضخم لإنتاج أجهزة التحليل الكهربائى فى برلين، بأنظمة متقدمة للتشغيل والتحكم الآلى، إضافة إلى روبوتات مصممة لتصنيع أجهزة التحليل الكهربائى على نطاق واسع يكفى لدعم احتياجات الصناعات، من خلال هذا المصنع، تضع سيمنز للطاقة الأساس لتسريع نمو اقتصاد الهيدروجين.
وزارت «الشروق» محطة أدنوك للهيدروجين الأخضر بمدينة مصدر فى أبو ظبى بالإمارات العربية المتحدة، وهى محطة متكاملة يتم بداخلها إنتاج الهيدروجين وتموين السيارات ومساحتها لا تتجاوز 300 متر.
ويتم تشغيل المحطة بواسطة الطاقة الشمسية التى تغذى مدينة مصدر بالكامل، ويوجد خزان مياه بداخل المحطة ويتم تنقيتها ثم ضخها إلى جهاز التحليل الكهربائى لفصل الأكسجين عن الهيدروجين، ثم يخزن الهيدروجين فى خزان ليتم ضخه عن طريق وحدة ضغط لتموين السيارات، وخروج الأكسجين عن طريق مواسير فى الهواء الجوى.
وتمتلك شركة أدنوك للتوزيع عددا من السيارات والحافلات، تم تصنيعها خصيصا كمرحلة تجريبية للعمل بوقود الهيدروجين الأخضر، وتستوعب السيارة 5 كيلو هيدروجين.
وأوضحت شركة أدنوك للتوزيع لـ«الشروق» أنه تم الإعلان عن خطط إنشاء أول محطة فائقة السرعة للتزود بوقود الهيدروجين الأخضر فى يوليو 2023، ومنذ ذلك الوقت تم تطوير البنية التحتية اللازمة للمشروع بالإضافة للعمل على توفير المواد الخام من الموردين، والاتفاق مع مصنّعى السيارات للحصول على المركبات الهيدروجينية اللازمة لتشغيل المشروع.
وأضافت أدنوك للتوزيع، نتطلع إلى نتائج هذا المشروع التجريبى، من خلال دراسة جدوى حول إمكانية نشر تطبيقات تكنولوجيا وقود الهيدروجين للاستخدام على نطاق واسع على مستوى دولة الإمارات، بالإضافة للأسواق الخارجية التى نتواجد فيها مثل مصر والسعودية.
وأوضحت أدنوك للتوزيع: تعتبر محطة «H2GO» فائقة السرعة للتزود بوقود الهيدروجين الأخضر هى الأولى من نوعها فى المنطقة، وسيتم من خلالها اختبار المركبات عديمة الانبعاثات التى تعمل بوقود الهيدروجين، وإجراء دراسة جدوى حول إمكانية تعميم التجربة على مستوى دولة الإمارات.
قال هشام نصر استشارى المنظمات الدولية للهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة: إن العديد من الشركات الدولية فى النقل البحرى، وضعت خطط لتمويل سفنها بالوقود الأخضر، مثل شركة هاباج لويد (Hapag-Lloyd) الألمانية، التى تُعد خامس أكبر خط شحن حاويات فى العالم، وتدير حاليا أسطولاً يضم 305 إلى 313 سفينة حاويات بين سفن مملوكة ومستأجرة، وتهدف للوصول إلى صافى انبعاثات صفرى بحلول عام 2045 لمواكبة التحول الأخضر.
وأضاف نصر لـ«الشروق» أن الشركة طلبت مؤخرًا 24 سفينة جديدة (سعات 9200 و16800 حاوية) تعمل بالغاز المسال ومجهزة لتكون "جاهزة للأمونيا" (Ammonia-ready). ووقعت فى ديسمبر 2025 عقدا لبناء 8 سفن جديدة تعمل بالميثانول الأخضر بسعة 4500 حاوية بالاضافة إلى الشراكة مع شركة سيسبان الكندية لتحويل 5 سفن عملاقة بسعة 10100 حاوية نمطية (TEU) للعمل أيضا بالميثانول الأخضر.
كما وقعت هاباج لويد مذكرة تفاهم مع شركة Mabanaft الألمانية لتقييم خيارات توريد الأمونيا كوقود للسفن (Bunkering) فى ميناءى هامبورج (ألمانيا) وهيوستن بالولايات المتحدة.
وقال نصر، إن شركة ميرسك الدنماركية التى تُعد ثانى أكبر خط شحن حاويات فى العالم من حيث السعة وأكبر شركة دنماركية من حيث الإيرادات، وتدير الشركة حاليا أسطولاً يضم 700 إلى 730 سفينة، تهدف الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2040، مضيفا أصبح لدى ميرسك 19 سفينة تعمل بالميثانول الأخضر.
ومن خلال اتفاقية جولد ويند (Goldwind) الأضخم عالميا، ضمنت ميرسك شراء 500000 طن سنويا من الميثانول الأخضر (الحيوى والإلكترونى) من الصين ابتداء من عام 2026 لتشغيل أسطولها العملاق.
كما أطلقت ميرسك شركة متخصصة (C2X) لبناء مصانع ميثانول أخضر خاصة بها فى مواقع استراتيجية، أبرزها مشروع ضخم فى مصر (المنطقة الاقتصادية لقناة السويس) بقيمة 3 مليارات دولار.
وتقود ميرسك جهود تطوير محركات الأمونيا من خلال مركز ميرسك ماكينى مولر للشحن عديم الكربون (MMMCZCS) ويركز المركز على معالجة تحديات السلامة والتحكم فى انبعاثات «أكسيد النيتروز» المصاحبة لاحتراق الأمونيا.
كما أوضح استشارى المنظمات الدولية للهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، أن شركة سكاتك النرويجية، المتخصصة فى بناء وتشغيل محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تحولت مؤخرا لتصبح لاعبا رئيسيا فى قطاع الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، وتعمل سكاتك فى أسواق ناشئة عديدة وتعد من أكبر المستثمرين الأجانب فى قطاع الطاقة النظيفة فى مصر.
وأضاف أن مشروع الهيدروجين الأخضر بالعين السخنة (مصر للهيدروجين الأخضر) يعد المشروع أول منشأة متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر فى إفريقيا والمنطقة العربية، ويقع فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالعين السخنة، ومخطط أن يضم المشروع محللا كهربائيا (Electrolyzer) بقدرة 100 ميجاوات، ويتم تشغيله بواسطة حوالى 270 ميجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية التى طورتها سكاتك فى مصر.
وتابع: «يهدف المشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر ليتم استخدامه «كلقيم» (Feedstock) لإنتاج الأمونيا الخضراء»، مشيرا إلى أنه فى يوليو 2024، حقق التحالف المكون من سكاتك وفيرتيجلوب واوراسكوم للإنشاءات إنجازا عالميا بفوزه بأول مناقصة تنظمها مؤسسة H2Global الألمانية، وهو عقد شراء طويل الأجل (Offtake Agreement) تلتزم فيه الحكومة الألمانية عبر مؤسسة إتش 2 جلوبال (H2Global) بشراء الأمونيا الخضراء من مشروع العين السخنة وتوريدها إلى أوروبا، كأول صفقة تجارية من نوعها فى العالم.
وتبلغ قيمة العقد نحو 397 مليون يورو، بحيث يبدأ التوريد بكميات تجريبية فى عام 2027 حوالى 19500 طن، ما يصل إلى 397 ألف طن من الأمونيا الخضراء حتى عام 2033.
وأوضح نصر أنه تم تحديد سعر الشراء بـ 1000 يورو لكل طن شاملة تكاليف الشحن والتأمين حتى ميناء روتردام، والعقد يضمن القالبلية التمويلية (Bankability) للمشروع، حيث يوفر إيرادات مضمونة باليورو تسمح للمستثمرين بتمويل التوسعات المستقبلية.
المصدر:
الشروق