آخر الأخبار

«جعلوني زوجة» قبل الآوان.. حين تُباع الطفولة في مزاد الأهل

شارك

نهاية نوفمبر 2024، تلتقط الطفلة «دنيا» 13 عامًا، أنفاسها بملامح تبدو عليها الحيرة والخوف، وتمتلأ عيونها بدموع تكاد تُخفيها، أثناء جلوسها جوار والدها مع سيدة أخرى «الخاطبة»، تبادله أطراف الحديث حول جريمة عُقدت النية على ارتكابها ضد الصغيرة، في مقهي رث بإحدى حواري مصر القديمة. فالتقطت أطراف حديثهما ليتجمد الدم في عروقها؛ وانهمرت دموعها، جراء ما سمعته من خبر تزويجها.

"دنيا" واحدة ضمن آلاف الفتيات اللاتي يتعرضن لزواج القاصرات، الذي بلغت 15% من نسب عقود الزواج وفق أخر احصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وتزويجهن بالمخالفة لقانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، ويعد الباب الخلفي للإتجار للبشر وفق القانون رقم 64 لسنة 2010.


يتم استخدامهن كأداة لتفريغ شهوات جنسية لأزواج يكبرهن بفارق كبير في العمر، لتحدث مشكلات اختلاط الأنساب ورفض توثيق عقود الزواج العرفي بعد وصول العروس للسن القانوني المحدد بـ18 عامًا، إضافة لمخاطر صحية بسبب الحمل المبكر أو هروبهن من جحيم الأزواج ليتخذن من الشارع مأوي، وهنا تصبحن فريسة للذئاب البشرية.


"قانون الطفل المصري رقم 126 لسنة 2008 لا يعترف بزواج الفتاة قبل سن الـ 18 عامًا، وعليه فإن أي تصادق أو توثيق يتم قبل هذا السن يعتبر تحايلاً على القانون".. بهذه الكلمات بدأ سمير الشفي، المحامي المتخصص في شئون الأسرة، حديثا مؤكدا أن هذه الجرائم تعتبر جريمة اتجار بالبشر.


وأضاف "الشفي"، أن الدولة تواجه جريمة الاتجار بالبشر بعقوبات مغلظة واردة في قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010، إذا توافرت فيها شروط استغلال القاصر جنسيا أو ماديا، ومن تلك الشروط الاستغلال تحت ستار الزواج: كـ "الزواج السياحي" أو "زواج الصفقة" الذي يكون القصد الأول منه هو تحقيق منفعة مادية للأب أو الولي، أو استغلال الفتاة جنسيًا، انعدام الرضا القانوني كون الزوجة أقل من 18 عامًا يجعلها فاقدة للأهلية القانونية لإبداء الرضا الصحيح، ويتحول الفعل إلى استغلال.


وتابع : العقوبة في تلك الجرائم تكون السجن المشدد وغرامة تصل إلى 200 ألف جنيه، وقد تصل إلى السجن المؤبد في حالات الأذى الجسيم أو الوفاة.


وبالعودة لـ" دنيا " أثناء جلوسها على مقهي مصر القديمة ترجل شخص في منتصف العقد الرابع من العمر، نحو والدها وتبادلا أطراف حديث، قادهم لتوقيع " عقد زواج عرفي"- من نسختين- لتوقع الطفلة مرغمة لزوج يكبرها بنحو 22 عامًا. لتتم عملية بيع الأب لابنته مقابل 20 ألف.

للوهلة الأولى حدقت" دنيا" في وجه والدها وعيناها تتساءل: "هونت عليك يا بابا؟".. تتحرك بخطوات مرتجفة مع عريسها لشقة الزوجية في حي المنيل.

"بابا باعني علشان الفلوس"

صباح اليوم التالي للزواج، مشادة كلامية بين زوجها ووالدها الذي طلب زيادة مبلغ بيع ابنته، كشفت سر التزويج أمام صاحبة العقار. لتصرخ "دنيا" "بابا باعني علشان الفلوس"، ولم تصدق " صاحبة العقار"، هول ما سمعته، وبدت على وجهها الدهشة .. تصمت قليلا ثم تسأل: "عمل معاكي شيء ؟".. بكل براءة ترد : "لا مضربنيش "... لتكرر السؤال بطريقة أخري وبتلميحات عن العلاقة الجنسية: "العريس عمل معاكي حاجة ؟".. لتفهم قصدها: "أيوه نام معايا مرتين".


على الفور أبلغت صاحبة العقار خط نجدة الطفل التي حررت بدورها محضرًا وأحيل الأب في القضية رقم 13104 لسنة 2024، جنايات مصر القديمة، للمحاكمة بتهمة الاتجار في البشر.. وصدر حكما بسجنه 3 سنوات مشدد في 26 نوفمبر 2025، لتعود الطفلة لمنزلها، في انتظارها مأساة جديدة، فوالدها هارب من العدالة بعد الحكم عليه بالسجن المشدد بقضية اتجار بالبشر.. وأشقاءها القصر بلا معيل.

أمر إحالة والد دنيا

الدكتور "مجدة إمام"، عميد مركز التخطيط الاجتماعي والثقافي، بمعهد التخطيط القومي، تقول إن نسبة زواج القاصرات في مصر لـ 15% من نسب عقود الزواج سنويًا، مضيفة، أنه ينتشر في صعيد مصر وفي الدلتا، لصغيرات حرمن من طفولتهن ومن التعليم، فالأب يزوج طفلته للتخلص من الأعباء المالية التي تقع على كاهله.


"جهزي نفسك جايلك عريس" بمقابل 16 ألف جنيه وحُرمت من أولادي

بعد 13 عامًا من زواجها وتحديدًا مارس 2023، قررت "هند عبد العزيز"، العودة بأبنائها الخمسة من المدينة المنورة حيث تعيش مع زوجها السوداني الجنسية، لمسقط رأسها في الإسكندرية " شمال مصر"، ولكنها عادت بدونهم إثر حيلة الزوج الذي طلب وداع أطفاله قبل السفر بيومين ليدبر حيلته ويهربهم لمسقط رأسه هو في أم درمان السودانية. لتكتشف الأم المؤامرة بعد إقلاع الطائرة التي تقل أبنائها الذين تتراوح أعمارهم ما بين السنتين والتسع سنوات بعد فوات الأوان.


"هند"، ضحية أخري من زواج الصفقة في عمر الـ15 عامًا، لتعود معنا بذكرياتها في 2011 أثناء عودتها من مدرستها الإعدادية بحي المنتزه في الإسكندرية "شمال مصر"، والفرحة تشكل ملامح وجهها، إثر وضع اسمها في قائمة المتفوقين، لتنطلق نحو كورنيش المندرة الشهير ليشاركها الشاطئ فرحتها المؤقتة قبل خبر ساقه والدها إليها "جهزي نفسك للزواج جايلك عريس"

هند ضحية زواج القاصرات

فأُصيبت "هند"، بصدمة خاصة بعد زواجها من عريس يكبرها بـ12 سنة، حيث سافر والدها لعقد قرانها بتوكيل خاص في السودان في صفقة بـ 2700 دولار ما يقارب 16 ألف جنيه إنذاك للتحايل على القانون الذي يمنع الزواج في مصر للفتاة قبل 18 سنة.

بداية معاناة "هند" ضحية زواج القاصرات

انتقلت بعدها مع زوجها للإقامة في المدينة المنوة، وهناك بدأ يعاملها كـ"أمة" فقد أخفى جواز سفرها، ونال جسدها وصلات من التعذيب والضرب والإهانة، ومنعها من الاتصال بأهلها، وحولها لأداة لتفريغ شهواته الجنسية.. "زوجي كان بيعاملني كطفلة وتحملت الضرب والذل من زوجي لآن أهلي باعوني ومش هيصرفوا عليا "..هكذا وصفت "هند" حالها بعد انجابها 5 أطفال.


إثر عملية التعذيب تعرضت "هند"، لجلطة فى المخ، لتقرر الانفصال عن زوجها، لتحصل على حكم قضائي بالطلاق من أول جلسة.


ورغم كل العقبات والظروف لم تستسلم وبدأت فصلاً جديدًا من المعاناة والبحث عن أولادها منذ سنتين على أمل عودتهم لحضنها.. ويكتفي والدها الذي أجبرها على الزواج المبكر بدور المتفرج على معاناة ابنته التي باعها بحفنة من المال قبل بضع سنوات.

"اختلاط انساب".. سجلوا شهادة ميلاد ابني باسم عمه


في عام 2012 بمركز سوهاج تقدم عامل لخطبة "منى" 13 سنة، والذي تربطه بها صلة قرابة من ناحية الأم، العروسة حاصلة على الشهادة الابتدائية ولم تكمل تعليمها، وعلى الفور وافق والدها على الارتباط، واستمرت فترة الخطوبة ثلاثة أشهر ليتم تحديد حفل الزفاف، ليوقع العريس على وصل أمانة 200 ألف جنيه كتأمين لحقوق العروسة، لحين عقد قرانها رسميا بعد بلوغها السن القانوني.


بعد شهرين من الزواج شعرت "منى" بتعب شديد في منطقة البطن، لتكتشف أنها حامل في شهرها الأول، ليبتسم الزوج دون التفكير في المخاطر التي قد تتعرض لها.

ورزقت "مني"، بمولودها الأول وكادت أن تفقد حياتها أثناء الوضع.. وقبل أن تتعافي من ألم الولادة استقبلت صدمة مازالت تعاني منها حتى الآن فطفلها لا يستطيع والده تسجيله في مكتب الصحة تمهيدًا لاستخراج شهادة ميلاد له خوفا من المساءلة القانونية، ليسجل طفله باسم شقيقه الأكبر ليتمكن من الحصول على التطعيمات اللازمة وأيضا حتي لا يتأخر في دخول المدرسة، ليرتكب الأب واقعة اختلاط أنساب فأبنه أصبح نجل شقيقه على الورق.

وتُضيف الدكتورة "مجدة إمام": في حالة وفاة الزوج قبل عقد القران الرسمي بعد بلوغ الأم السن القانوني، قد يظهر أطفال مجهولي النسب بسبب رفض أسرة الزوج الاعتراف بالأطفال، كما توجد مشاكل تتعلق بتسجيل الأطفال في الأحوال المدنية تمهيدا لاستخراج شهادات ميلاد لهم.
وتابعت:" الشخص الذي يتزوج من فتاة قاصر لديه رغبات جنسية يريد اشبعها فالزواج أسرة ومشاركة وسعادة وأفكار وحلم وتكوين أسرة سعيدة".

أنتِ حمل كبير

شرق محافظة "سوهاج" في مدينة ساقلتة "جنوب مصر"، لم تكمل "هند كمال"، حياتها التعليمية، بسبب ظروف أسرتها الاقتصادية، وفضلت مساعدة والدتها في أعمال المنزل، وذات يوم من شهر يناير من عام 2013، بينما كانت تجلس مع والدتها وكان عمرها 14سنة في ذلك الوقت دخلت جارتهم "هناء" لمنزلهم كعادتها.


حضور الجارة هذه المرة كان مختلفًا، قائلة: "بنتك جايلها عريس".. ترد والدة الفتاة: البنت لسه صغيرة والمأذون مش هينفع يكتب عليها".. لتقنع الجارة والدة الصغيرة بقبول العريس وكتابة ورق عرفي.. وتنهي كلامها "البنت حمل كبير في المصاريف عليكي أنتي وأبوها".


حدد يوم للزواج وحضر العريس بصحبة أقاربه وقاموا بكتابة عقد عرفي، ووقع العريس على وصل أمنة بـ150 ألف جنيه كنوع من الحفاظ على حقوق الطفلة لحين عقد قرانها بأوراق رسمية بعد بلوغها السن القانوني.. أنجبت "هند" طفلتها الأولى "بسنت" قبل مرور العام الأول على زواجها، ثم أنجبت طفلتها "جنا"، في العام الثاني، وقبل حلول العام الثالث توفي زوجها في حادث سير لتخرج روحه لبارئها.


عانت "هند"، في تربية طفلتيها فلا يوجد دخل ثابت لزوجها المتوفي وواجهت مشكلة استخراج شهادات ميلاد لابنتيها فالزوج توفي قبل اتمامها السن القانوني وعقد قرانها على يد مأذون، لتبدأ تحدي جديد لإثبات نسب الطفلتين.

قامت "هند"، برفع دعوي "اثبات العلاقة الزوجية" أمام محكمة الأسرة، طبقا للمادة رقم 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000، بشأن تنظيم أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحول الشخصية، وبعد عام من رفع الدعوي حصلت على حكم إثبات الزواج، ومن ثم إثبات نسب طفلتيها.. ومازالت تكافح بمفردها لتربيتهن منذ رحيل زوجها.

"المعتقدات الخاطئة بأن الزواج سترة للبنت".. بهذه الكلمات وصفت الدكتورة مجدة إمام، حال بعض الأسر التي تسارع في زواج بناتها بسبب معتقدات توارثوها منذ مئات السنين، بان البنت ليس لها إلا بيت زوجها، دون النظر للعقبات التي قد تواجه الطفلة مثل المخاطر الصحية والمستقبل المجهول الذي قد يواجه الأطفال الناتجين عن تلك الزيجات.

وأضافت أن الفتاة القاصر تتعرض لجرائم عديدة بعد الانفصال مثل الاغتصاب والزنا فهي صغيرة السن وسهل استقطابها وقد تهرب من أسرتها بعد الزواج وتقع فريسة لذئاب بشرية، وفي بعض الأحيان تقوم القاصر بعد تخلي أسرتها عنها بإلقاء أطفالها في الشارع وقد لا تلام فهي طفلة تتخلص من طفلة.


الدكتورة مجدة إمام

"هند عبد العزيز.. منى.. وهند كمال.. دنيا ".. ضحايا لزواج القاصرات، سيظل بداخلهن جرح لن تخفي أثاره مع مرور السنين بسبب عادات وتقاليد أسرهن الذين أجبروهن على الزواج المبكر ووأد طفولتهن مقابل حفنة من المال، فالأولى مازالت تبحث عن أطفالها منذ أكثر من سنتين، والثانية أصبح ابنها مسجل في شهادة الميلاد باسم عمه، والثالثة تكافح لتربية أطفالها بعد رحيل زوجها بعد معاناتها في إثبات نسبهم، والرابعة صدر حكم بالسجن ضد والدها الذي باعها مقابل المال وأصبح أشقائها بلا معيل.


لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا