البحيرة - أحمد نصرة:
في ساعات قليلة، تحوّل قرار إداري داخل مواقف محافظة البحيرة من إجراء وُصف بـ"الحاسم" إلى قرار مُلغى بعد موجة جدل واسعة، أعادت طرح تساؤلات قديمة حول إدارة منظومة النقل، وحقوق الركاب، وحدود الحلول السريعة للمشكلات المزمنة.
البداية كانت بإعلان إدارة المواقف العامة بمحافظة البحيرة منع جلوس السيدات والفتيات بالمقعد المجاور للسائق في سيارات الأجرة والسرفيس وأتوبيسات النقل الداخلي والسياحة، مع التشديد على التطبيق الصارم واتخاذ إجراءات قانونية ضد المخالفين.
القرار قُدم رسميًا باعتباره يهدف إلى "الحفاظ على الآداب العامة وسلامة الركاب وتحقيق الانضباط"، إلا أنه قوبل بردود فعل غاضبة، خاصة من السيدات، وحقوقيين، وعدد من المتابعين للشأن العام، الذين اعتبروه تمييزيًا ويحمل النساء وحدهن تبعات خلل إداري وسلوكي داخل منظومة النقل.
ومع تصاعد الجدل، أعلنت محافظة البحيرة إلغاء القرار، مؤكدة في بيان رسمي احترامها الكامل لحقوق جميع المواطنين دون تمييز، وتقديرها للمرأة البحراوية، وحرصها على الالتزام بالحقوق الدستورية، مشيرة إلى أن ما نُشر لا يعكس الصورة الحقيقية لغالبية سائقي المحافظة المعروفين بحسن التعامل.
بعيدًا عن الصياغات الرسمية، كشفت مصادر وشكاوى متكررة أن أحد الدوافع الرئيسية للقرار كان لجوء بعض السائقين إلى حجز المقعد الأمامي بشكل دائم انتظارًا لركوب السيدات.
وبحسب الشكاوى، كان بعض السائقين يتعمدون ترك المقعد الأمامي فارغًا لتحقيق مكاسب مادية، عبر تحصيل أجرة مقعدين بدل مقعد واحد، ما تسبب في تكدس الركاب وخلق حالة من الاستغلال اليومي للمواطنين.
مصادر أخرى أشارت إلى ورود شكاوى من سيدات تعرضن لمضايقات لفظية وسلوكية من بعض السائقين أثناء الجلوس بالمقعد الأمامي، وهو ما دفع الإدارة للبحث عن حل سريع، وإن كان مثيرًا للجدل.
مؤيدو القرار رأوا أنه جاء استجابة لشكاوى حقيقية، معتبرين أن المقعد الأمامي تحوّل إلى "أداة ابتزاز" من بعض السائقين، وأن المنع المؤقت كان يمكن أن يضع حدًا لفوضى الأجرة الزائدة، ويغلق بابًا للاستغلال.
يقول محمود.س، موظف: "في سواقين كتير بقوا يسيبوا الكرسي الأمامي فاضي، ولو راجل ركب يقوله محجوز ومستني ست، عشان يحاسبها على كرسيين.. ده استغلال واضح ومحدش كان راضي يتكلم".
وتضيف أم علي، ربة منزل: "أنا معنديش مشكلة أقعد ورا، المهم أوصل من غير خناقات ولا مساومة على الأجرة، القرار كان هيظبط الدنيا شوية".
آخرون رأوا أن القرار يوفر حماية لبعض السيدات من مواقف غير مريحة، إذ تقول هبة.ع، طالبة جامعية: "في سواقين بيبقوا متحرشين بالكلام أو النظرات، وفي بنات بتخاف تشتكي، فكان في ناس شايفة إن المنع حل مؤقت".
في المقابل، رأى معارضو القرار أن تحميل السيدات ثمن تجاوزات السائقين يمثل خطأ جسيمًا، وأن المنع يرسخ لفكرة تمييزية تخالف الدستور، بدلًا من محاسبة المخطئ الحقيقي.
تقول نجلاء.م، موظفة: "بدل ما تحاسبوا السواق اللي بيغلط، تمنعوا الست تقعد قدام؟ كده المشكلة اتحلت ولا اتخبّت؟".
وتضيف منى محروس: "أنا بركب مواصلات كل يوم، عمري ما حسّيت إني أقل من أي راكب، القرار حسسنا إننا متهمات مش ضحايا".
وعلقت رضوى عزت ناشطة حقوقية قائلة: "القرار فيه تمييز واضح، ومخالف للدستور، والتحرش يُواجه بالعقاب والرقابة، مش بعزل النساء".
أما أحمد.ع، أحد الركاب، فقال: "اللي عايز يتجاوز هيتجاوز بأي طريقة، الحل مش في الكرسي، الحل في الرقابة الفعلية ".
ورغم إلغاء القرار، لا تزال الأزمة قائمة، إذ أعاد الجدل فتح ملف إدارة المواقف، وضبط سلوك بعض السائقين، وآليات حماية الركاب، خاصة النساء، دون المساس بحقوقهم أو كرامتهم.
القصة انتهت إداريًا، لكنها ما زالت مفتوحة مجتمعيًا، في انتظار حلول حقيقية تعالج الأسباب، لا النتائج.
المصدر:
مصراوي
مصدر الصورة