يعتبر وجود النساء في مجال صناعة السينما أمرا ليس غريبا؛ فقد كانت أوائل من اقتحم هذا المجال في النصف الأول من القرن العشرين هن النساء، وأصبحن رائدات في مجال الإنتاج، مثل عزيزة أمير وآسيا داغر، لكن ربما توارت النساء قليلا على مدار سنوات عن هذا الجانب واكتفين بوجودهن في إطار التمثيل أو الإخراج، ومع ذلك لا يزال هناك أسماء في العصر الحالي يحاولن الاستمرار في صناعة يسيطر عليها الرجل.
وتُعد المنتجة باهو بخش اسما مهما في هذه الصناعة حاليا، من خلال شركة "Red Star Films" التي تأسست عام 2014 ككيان يسعى إلى تطوير أسس السوق السينمائي؛ حيث أنتجت حتى الآن أكثر من ٤٠ فيلما -تشمل أفلاما قصيرة وطويلة ووثائقية- حصد بعضها جوائز عديدة من مهرجانات سينمائية إقليمية ودولية، منها: كان والقاهرة وروتردام، وكان عام 2025 عاما حافلا بالأفلام بالنسبة للشركة، فقد أنتجت حوالي 9 أفلام متنوعة، ست أفلام منها شاركت في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
وعن حب السينما واختيارات الأعمال وتنوعها، أجرت "الشروق" حوارا مع المنتجة السعودية باهو بخش، وإلى نصر الحوار..
وبينما كنت أستعد للدخول في مجال صناعة السينما عبر الانتظام بمدرسة دكتورة منى الصبان ومدرسة علي بدرخان، بدرجة من التخبط، شرفت بلقاء المنتج العظيم حسين القلا، وهو من وجهة نظري أهم صناع الأفلام المصرية في الثمانينات والتسعينات.
ورغم عدم اكتمال التجربة بصناعة فيلم مشترك إلا أنني أدين لتلك اللقاءات الملهمة فوق قدرتي على التوصيف؛ فقد شرفت بالتحاور مع قامة كبيرة في مجال الإنتاج السينمائي فتح أمامي الباب في التفكير في السينما كصناعة تتم بتوجه وليس مجرد تجارة، وهو ما حسم موقفي بالدخول في مجال الإنتاج
وأُدين أيضا وبالتأكيد بالكثير لشريكي صفي الدين محمود؛ فقد استخدم خبرته العريضة في قيادة "ريد ستار" وهو ما قلل كثيرا بالنسبة لي من إحساسي بالمغامرة.
- السينما ليست فقط صناعة تقنية، بل مساحة سرد يجب أن تتسع لتعقيد وعمق قصص النساء بعيدا عن القوالب الجاهزة؛ فأي مجال عمل يحتاج جهدا واعيا ليكون بيئة آمنة وعادلة للنساء، بمعنى خلق مناخ يسمح للنساء بالإبداع دون أن تضطر لإثبات نفسها مضاعفا مقارنة بالرجل، ووجود منتجات مثل نادين لبكي ودرة بشوشة وهيفاء المنصور لعب دورا بالتأكيد في فتح الأبواب أمام قصص وشخصيات نسائية في أفلام فارقة.
لكن، لا يمكن إغفال أن منتجين رجال مثل أحمد فهمي وأحمد الدسوقي وغيرهم فتحوا الباب أمام مخرجات رائعات مثل هبة يسري وسارة جوهر وغيرهن.
- أنحاز بكل تأكيد لقصص النساء وللشخصيات النسائية بحكم كوني امرأة لديها ذائقة فنية وتفضيل شخصي، لكن مصطلح "السينما النسوية" مُربك بالنسبة لي ولا أفضله؛ هذا التوصيف يضع الأفلام في خانة أيديولوجية ضيقة قبل أن تحظى بفرصة المشاهدة حتى.
وأيضا، أحيانا ما يتم التعامل مع الأفلام التي تعرض قضايا اجتماعية باعتبارها أقل من حيث القيمة الفنية، بل وأحيانا يحدث المعكوس ويصبح طرح القضايا النسوية أو غيرها مبررا مقبولا لتقديم سينما أقل جودة، وأُفضل أن تكون الأفلام إضافة وجسرا لما هو جديد وليس سورا أو سقفا لفكرة مسبقة.
- كانت سنة حافلة بالنسبة لـ"ريد ستار"بالتأكيد؛ فلأول مرة نشارك في مهرجانات عالمية بفيلمين وثائقيين، هما "ضايل عنا عرض" لمي سعد وأحمد الدنف، الحاصل على جائزة الجمهور في مهرجان القاهرة الدولي وجائزتي الجمهور وأفضل إنتاج من مهرجان روما للأفلام الوثائقية، وفيلم "الحياة ما بعد سهام" للمخرج المتميز نمير عبدالمسيح الذي عُرض في مهرجان كان ومهرجان إدفا وحصل على عدد كبير من الجوائز بمهرجانات دولية وعربية، من بينها الجائزة الفضية بمهرجان الجونة وذكر خاص بمهرجان زيوريخ.
كما حصل فيلم "شكوى 317713" لياسر شفيعي، وهو إنتاج مشترك لـ"ريد ستار" على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان القاهرة، وفي انتظار عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان روتردام في فبراير 2026.
أيضا، في وقت عمل هذا الحوار يُعرض فيلم "ولنا في الخيال حب" للمخرجة سارة رزيق، في سينمات مصر والخليج، وكذلك فيلم "السادة الأفاضل" وهو إنتاج مشترك للمخرج الرائع كريم الشناوي.
أرى أ، فريق عمل ريد ستار اجتهد على فترة زمنية طويلة للوصول لهذه النتيجة، وأعتقد أننا تعلمنا الكثير ولدينا حماس للتعلم والدخول في مشروعات جديدة.
- أرى أن النص الصادق يفرض نفسه عليّ، بمعنى هل هناك شيء يريد صاحب السيناريو قوله؟.. لا أقصد هنا رسالة فوقية بل شيء أعمق من مجرد فكرة جيدة وتتبعها؛ فالسيناريو هو العمود الفقري للفيلم السينمائي الذي يمنح للمخرج أرض صلبة تسمح له بالطيران والتحليق ومن ثم تسمح للمتفرجين بالاستمتاع والارتقاء بمشاعرهم، لذلك السيناريو الجيد فيه من روح الكاتب أو الكاتبة ولا يمكن إغفاله، وطبعا، رغبة واستعداد الكُتاب على العمل على السيناريو أيضا عامل مهم لأن عدم قدرتهم على التطوير تقلص بشدة من فرص تقديم فيلم فارق.
- لم يكن لدينا تخطيط مسبق، لكن جاء هذا التنوع بشكل طبيعي مع اختلاف المشروعات التي عُرضت علينا، وأستطيع القول إن فريق "ريد ستار" عموما منفتح ويتحرك بشغف باتجاه القصة الجيدة أيا كان شكلها أو مدتها أولا، ومن ثم يأخذ في الاعتبار فريق عمل الفيلم.
وبصدق، يسعى كلً منا الى صناع الأفلام الذين يقدمون جديدا للسينما، سواء كانوا كُتابا أو مخرجين أو منتجين، أما اهتمامنا بدعم الأفلام القصيرة فسببه إيماننا بأنها مساحة حرة نسبيا للتجريب واكتشاف الأصوات والقدرات الجديدة؛ فالفيلم القصير، على الأغلب رغم توافر أمثلة على عكس ذلك، يكون الخطوة الأولى للمخرج والكاتب ومدير التصوير ومدراء سائر أقسام الفيلم، ودعمه بالتالي هو أفضل استثمار في المستقبل.
- بالفعل تمكنا في 2025 من تحقيق نجاح جماهيري من خلال أفلام لم يتوقع لها الكثيرون أن تجتذب جمهورا واسعا طبقا لمعايير السوق السائدة، سواء فيلم "ضي" للمخرج كريم الشناوي، أو فيلم "ولنا في الخيال حب" للمخرجة سارة رزيق، حيث تم استقبالهم بحفاوة من قِبل الجمهور، وبالتأكيد السبب الرئيسي وراء ذلك هو تكامل عناصر الفيلم من تصوير وموسيقى وديكور وغيرها تحت قيادة هؤلاء المخرجين المتميزين.
لكن، أنا شخصيا أرى أن التشابه ما بين الفيلمين يكمن في أماكن التصوير؛ فيلم "ضي" يبدأ في أسوان وينتهي في القاهرة، هو يندرج تحت أفلام الرحلات، وغطى أجزاءً حيوية ومتنوعة وبديعة من مصر، أما "ولنا في الخيال حب" فهو فيلم يحتفي بصروح الثقافة المصرية ابتداءً من الأوبرا ومعهد سينما وأكاديمية الفنون والكونسرفاتوار، لذلك أرى أن جزءً مهما من حب الناس للفيلمين هو الغنى في أماكن التصوير والمتعة البصرية المرتبطة بذلك.
- بدأنا بالفعل تصوير فيلم "أحمد في عزبة الصفيح" وهو من إخراج أحمد فوزي صالح، وكتابة مشتركة بينه وبين أحمد عامر، من بطولة هند صبري وطارق لطفي وأحمد داش، وإنتاج مشترك مع محمد حفظي وأحمد عامر وعلي فايز.
وأيضا نحن في انتظار استكمال المخرجة هالة خليل لسيناريو فيلم "سواقة الستات"، ولدينا فيلم "أولاد البلاد" للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، كما يعمل المخرج الكبير يسري نصرالله على مشروع مشوق للغاية نتمنى أن يكتمل قريبا، وفي الوقت الراهن نناقش المشاركة في فيلم سعودي لكن لم نأخذ خطوات عملية بعدْ.
- في الحقيقة أنه بعد تصريحي السابق عُرض علينا في "ريد ستار" عمل تاريخي أرى أنه مهم، لكن الحديث عنه سابق لآوانه؛ فالأمر لا يتجاوز توافر معالجة حتى الآن، وفي العموم لا يمكن تناول أي شخصية تاريخية بمعزل عن سياقها التاريخي والأحداث التي مرت بها وساهمت في تشكيلها، كما أن تناول حقبة زمنية يستلزم توافر شخصيات درامية يتماهى معها المتفرج.
وهناك شخصيات كثيرة تثير اهتمامي شخصيا وأتمنى عمل أفلام عنها، على سبيل المثال: إنجي أفلاطون، وهي رائدة نسوية وفنانة تشكيلية ومفكرة يسارية ولدت في منتصف عشرينات القرن العشرين، ورغم دراستها الفرنسية انحازت بلا مهادنة للعمال والفلاحين، الأمر الذي أدى إلى سجنها.
أيضا أرى أن هدى شعراوي شخصية ثرية للغاية ونضالها لفتح المجال العام أمام النساء من الممكن أن يلقى صدى إيجابي في الدول العربية عموما، لقد اخترت شخصيتين كتبت سيرتهم الذاتية من قبل باحثين مهمين، وهو ما قد يسهل كتابة سيناريوهات عنهما.
المصدر:
الشروق