بعد مرور عام على انهيار نظام بشار الأسد وخروج رموزه العسكرية والأمنية إلى خارج البلاد، تكشف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تحركات سرية يقودها جنرالات سابقون، انطلاقًا من روسيا ولبنان، بهدف الإعداد لتمرد مسلح داخل سوريا، في وقت تحاول فيه البلاد شق طريقها نحو الاستقرار تحت قيادة جديدة.
التحقيق الاستقصائي الموسّع يوضح أن سقوط النظام لم يُنهِ شبكات النفوذ التي بناها كبار قادته، بل دفع بعضهم إلى إعادة تنظيم صفوفهم من الخارج، في مسعى لإرباك الحكومة السورية الجديدة، وربما فرض أمر واقع عبر السيطرة على مناطق محددة داخل البلاد.
واعتمدت الصحيفة في تحقيقها على رسائل نصية ومكالمات هاتفية جرى اختراقها، إلى جانب مقابلات وتحليل معمق، أظهرت تداخل الطموح العسكري مع التمويل المالي والضغط السياسي الخارجي.
وتتمحور هذه الشبكة حول شخصيتين عسكريتين بارزتين خاضعتين لعقوبات دولية:
سهيل الحسن، القائد السابق لإحدى وحدات النخبة في جيش النظام المخلوع
كمال الحسن، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية
ورغم اختلاف أدوات كل منهما، فإن الهدف المشترك يتمثل في إعادة ترميم النفوذ داخل سوريا التي أنهكتها 13 عامًا من الحرب.
وتشير نيويورك تايمز إلى أن سهيل الحسن، المعروف بلقب «النمر» بسبب أساليبه القتالية العنيفة، يُعد الأكثر اندفاعًا نحو العمل العسكري المباشر. فقد ارتبط اسمه لدى المعارضة السورية بسياسات الأرض المحروقة، ويواجه اتهامات بإصدار أوامر بقصف مناطق مدنية.
وبحسب التحقيق، كان الحسن من أوائل المسؤولين الذين عملت موسكو على إجلائهم مع بداية تفكك النظام، مستفيدًا من علاقة رعاية طويلة الأمد مع روسيا، وفق ما أكده أربعة ضباط سابقين.
وتكشف الرسائل المسرّبة من هاتف سهيل الحسن، منذ ربيع 2025، عن بدء تشكيل هيكل عسكري سري في منطقة الساحل السوري. ووفق الصحيفة، قام الحسن بحصر وتوثيق أكثر من 168 ألف مقاتل من الطائفة العلوية، بينهم، ولا يعمل سهيل الحسن وحده، إذ تظهر الاتصالات أنه تلقى دعمًا ماليًا مباشرًا من رامي مخلوف، رجل الأعمال وابن خال بشار الأسد، الذي يسعى من منفاه في موسكو إلى لعب دور قيادي داخل الطائفة العلوية.
ووفق التحقيق، يقوم مخلوف بدور مزدوج؛ فهو الممول الذي يضخ مئات الآلاف من الدولارات شهريًا، برواتب تتراوح بين 200 و1000 دولار للمقاتلين، وفي الوقت نفسه يقدّم نفسه باعتباره «المنقذ» القادر على حماية أبناء الطائفة.
وترى الصحيفة أن هذا التزاوج بين المال الذي يوفره مخلوف، والخبرة العسكرية العنيفة التي يمثلها سهيل الحسن، يشكّل نواة ما يمكن وصفه بـ*«جيش ظل»* ينتظر لحظة تعثر الحكومة الجديدة للتحرك ضدها.
وتلفت نيويورك تايمز إلى أن سهيل الحسن بات يوقّع بعض مراسلاته بعبارة «خادمكم برتبة مجاهد»، موجّهًا حديثه إلى شخص يصفه بـ«القائد العام لجيشنا وقواتنا المسلحة»، في إشارة قوية إلى رامي مخلوف.
وتتضمن التسريبات محاولات لشراء أسلحة، وصرف رواتب، والسعي للتنسيق مع ميليشيات إقليمية لتهريب العتاد، إلا أن هذه الشبكة بدأت لاحقًا في التآكل بسبب الخلافات الداخلية وصعوبة التنفيذ.
في المقابل، يتبنى كمال الحسن مسارًا مختلفًا، أقل عسكرية وأكثر تركيزًا على النفوذ السياسي الخارجي. إذ يقف، بحسب التحقيق، خلف كيان يُعرف باسم «مؤسسة تنمية غرب سوريا»، تعمل من بيروت بغطاء إنساني.
وسعت المؤسسة إلى التعاقد مع شركات ضغط سياسي في الولايات المتحدة بعقد بلغت قيمته مليون دولار، للترويج لفكرة فرض حماية دولية على مناطق يقطنها علويون.
وتظهر إفصاحات رسمية أميركية، تعود إلى أغسطس/آب الماضي، أن المؤسسة تعاقدت مع شركة «تايغر هيل بارتنرز»، إضافة إلى جوزيف شميتز، المستشار السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمسؤول التنفيذي السابق في شركة «بلاك ووتر».
وترى الصحيفة أن هذا المسار يثير قلقًا دبلوماسيًا يفوق خطط التمرد العسكري، لما قد يمهّد له من مطالبات مستقبلية بإقامة كيان شبه ذاتي داخل سوريا.
كما كشفت التسريبات عن دور غياث دلة، القائد السابق في الفرقة الرابعة، في إدارة عمليات لوجستية من داخل لبنان. ويُظهر التحقيق أن دلة نسّق محاولات تهريب أسلحة، بينها طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدبابات، بالتعاون مع ميليشيات عراقية مرتبطة بإيران.
وفي إحدى الرسائل، أقرّ دلة بتوزيع 300 ألف دولار كرواتب شهرية لمقاتلين محتملين وقادة ميدانيين، كما طلب الموافقة على شراء معدات اتصالات فضائية تتجاوز كلفتها 136 ألف دولار.
وتشير الوثائق كذلك إلى قيام إيران بتوفير ملاذات آمنة لطيارين سابقين متهمين بارتكاب جرائم حرب، من بينهم محمد الحصوري، المتهم بالمشاركة في هجوم كيميائي على خان شيخون عام 2017، حيث جرى إسكانه مع طيارين آخرين في فنادق بلبنان بانتظار أي تصعيد محتمل.
ورغم اتساع هذه التحركات، تؤكد نيويورك تايمز أن المشروع يواجه عقبات حقيقية، أبرزها الانقسام داخل المجتمع العلوي نفسه، ونقص الموارد، إضافة إلى الرقابة الإقليمية والدولية المشددة.
ويختتم التحقيق بنقل تحذير أطلقه بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق المنشق عن النظام، مفاده أن فشل الحكومة السورية الحالية خلال عامين أو ثلاثة قد يدفع قوى دولية، بينها الولايات المتحدة، للبحث عن بدائل أخرى للتعامل معها.
المصدر:
اليوم السابع
مصدر الصورة