آخر الأخبار

محمود الجارحي يكتب: بين الدخان والنار.. آخر مشاهد حياة نيفين مندور في العصافرة - الوطن

شارك

أنا نيفين مندور.. طبعًا كلكم عارفيني.. عرفتوني من فيلم «اللي بالي بالك» قدّام الفنان محمد سعد.. ضحكتكم وفرحتكم وكنت جزء من ذكرياتكم.. أنا عارفة إني مش موجودة بينكم دلوقتي.. أنا دلوقتي عند ربنا.. بين يد رب رحيم.. أعتذر أنني أوجعت قلوبكم.. والله لم أكن أقصد.. بس ده قدري.. ده اللي ربنا كتبه ليا.. وأنا راضية بقضاء ربنا.

اللي حصل ما كانش مشهد تمثيل.. ولا لقطة أخيرة.. كان حقيقة عشتها لحظة بلحظة.. كنت واقفة وسط شقتي في الدور الرابع بشارع أحمد تيسير.. بمنطقة العصافرة في محافظة الإسكندرية.. ومش فاهمة إيه اللي بيحصل.

الدخان بدأ يملى المكان بسرعة.. وأنا حاسة إن نفسي بيتسحب مني واحدة واحدة.. رفعت إيدي قدام وشي وأنا بكح بعنف.. صدري كان مولّع.. وكل نفس كنت باخده كان أصعب من اللي قبله.. حاولت أدور بعيني على شباك.. على باب.. على أي طريق أطلع منه.. بس الدخان كان سابقني في كل حتة.

ربما صرخت.. يقينًا تألمت عندما سقطت الأرض.. وحاولت النهوض بنفسي وفشلت.. كنت أحاول تحريك ذراعي.. خطواتي كانت تقيلة ومتلخبطة.. رجلي مش شايلاني.. والهوا بقى تقيل كأنه واقف ضدي.. ناديت بصوتي على قد ما قدرت:«مساعدة.. حد يلحقني» بس صوتي ما طلعش بره الشقة.. اختفى جوه الدخان.

النار كانت بتزيد.. والدخان كان بيقرب أكتر.. حسيت إني محاصرة.. لا شايفة قدامي.. ولا قادرة أتحرك.. عيني دمعت.. وصدري اتقبض.. ووقفت لحظة بحاول أقاوم.. بحاول أكمّل.. بحاول أعيش.. حاولت أمشي تاني.. سحبت نفسي خطوة.. وبعدين خطوة تانية.. لكن جسمي خذلني.. صوتي وقع قبل ما أقع أنا.. الصراخ اتحول لأنفاس متقطعة.. وبعدها.. مابقاش في صوت.. تذكرت وأنا في لحظاتي الأخيرة.. عائلتي فهي الموجوعة أكثر.. في اللحظة دي.. ماكنتش فنانة ولا اسم معروف.. كنت إنسانة بتحاول تتنفس.. الدخان غلبني.. وكل حاجة سكتت.. بعدها النار اتطفت.. وأنا كنت لسه جوه الشقة.

دخلت قوات الحماية المدنية.. وبعدها الإسعاف.. أصواتهم كانت بعيدة.. كأنها جاية من عالم تاني.. دخل المحقق.. وقف شوية عند باب الشقة.. بص حوالين المكان.. سقف مسوّد.. أثاث محروق.. وهدوء تقيل.. ما لمسش حاجة.. كان بيسجل كل تفصيلة في عينه.

الأدلة الجنائية دخلت.. صور.. معاينة.. ملاحظات.. وحد فيهم قال بهدوء:
«الدخان كان السبب.. ممكن تكون سيجارة او الدفاية هما السبب فى الحريق».. فى الوقت ده.. كنت هناك.. جسمي ساكن.. وبقيت مجرد سطر في محضر.. اتنقلت للمشرحة في الإسكندرية.. مكان بارد وصامت.. النيابة حققت.. والتقارير اتكتبت.. وقالوا: مفيش شبهة جنائية.

وأنا لسه هناك.. شفت الخبر بيتنشر على المواقع:«وفاة الفنانة نيفين مندور في حريق شقتها بالعصافرة».

بعدها بدأت الرحلة.. من الإسكندرية للقاهرة.. سفر طويل.. صامت.. من غير صوت ولا وداع.. وصلت علشان الدفنة.. دعاء.. صمت.. ونهاية.

الحكاية اتقفلت رسميًا.. والملف اتحط في درج.. والشقة سكتت.. بس اللحظة الأخيرة.. لسه موجودة.


*
*
*
الوطن المصدر: الوطن
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا