آخر الأخبار

معلومات الوزراء: سنغافورة نموذج فى تبني سياسات واستراتيجيات وأدوات تساعد على البناء

شارك

في إطار اهتمام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، برصد وتحليل التجارب الدولية في المجالات ذات الصلة بالشأن المصري أو التي تدخل في نطاق اهتماماته، ألقى المركز الضوء على "تجربة سنغافورة في التجارة الدولية"، مشيراً إلى أن سنغافورة تُعد واحدة من أبرز المراكز التجارية في العالم، حيث تمتلك اقتصادًا يعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية بفضل موقعها الجغرافي والاستراتيجي المتميز، وتتميز صناعة الخدمات اللوجستية فيها بخمس خصائص رئيسة، هي: "الكفاءة العالية، والتكنولوجيا المتقدمة، والكفاءة المهنية، والتركيز العالي على الخدمة، والقوة".

وقد استطاعت سنغافورة بناء نفسها وإثبات وجودها وأصبحت نموذجًا عالميًّا يُستفاد منه في التنمية، حيث استطاعت التحول من دولة تعتمد على السلع الزراعية إلى دولة متقدمة وغنية تعتمد على الطاقة والمعادن والتجارة، رغم صغر حجمها وقلة مواردها.

أشار التقرير إلى أن الاقتصاد السنغافوري مدفوع بتجارة السلع والخدمات عالية القيمة، ويمتاز بانفتاحه الكبير على الأسواق العالمية، وتتبنى سنغافورة سياسات تجارية حرة وداعمة للاستثمار، مما يجعلها وجهة جذابة للشركات متعددة الجنسيات والمستثمرين الأجانب، وهذا الالتزام بالتجارة الحرة والتنمية الاقتصادية جعل من سنغافورة واحدة من أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم.

وتُعد سنغافورة من أكثر الدول اتصالاً في العالم، بفضل موقعها الاستراتيجي على طول طرق التجارة والشحن والطيران الرئيسة، حيث يخدم مطار "شانغي" أكثر من 100 شركة طيران تتجه إلى حوالي 100 دولة ومنطقة، ويستقبل أكثر من 62 مليون مسافر سنويًّا، هذا بالإضافة إلى التجارة البحرية، حيث ترتبط سنغافورة بأكثر من 600 ميناء عالمي عبر 200 خط شحن، ويزور ميناءها أكثر من 130 ألف سفينة سنويًا.

ويعتمد اقتصاد سنغافورة بشكل كبير على عائدات ميناء سنغافورة، الذي يُعتبر من أكفأ وأكثر الموانئ نشاطًا في العالم، حيث يتم تحميل أكثر من مليون حاوية شهريًّا، ويعتبر هذا الميناء نقطة ارتكاز لأكثر من 366 خطًا من مختلف دول العالم، ويرتبط بأكثر من 610 موانٍ عالمية، كما تُعد سنغافورة جزءًا من شبكة عالمية واسعة تضم أكثر من 27 اتفاقية تجارة حرة، مثل: الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. وإلى جانب ذلك، تتمتع برسوم جمركية منخفضة، ما يضمن أن تظل صادراتها قادرة على المنافسة.

وتعمل مناطق التجارة الحرة في سنغافورة على تسهيل أنشطة التجارة والشحن من خلال تعليق الرسوم الجمركية وضريبة السلع والخدمات على البضائع المخزنة داخلها، وتتيح هذه المناطق الاستفادة الكاملة من قربها من مواني سنغافورة عبر الوصول المباشر إلى المحطات، وتعد جمارك سنغافورة شريكًا موثوقًا فيه للعديد من الشركات التي تعتمد على موانيها، وقدمت الجمارك في سنغافورة مجموعة من المبادرات الرقمية لتعزيز كفاءة التجارة، تتمثل في:

-منصة التجارة الشبكية: نظام بيئي تجاري ولوجستي يُعزز جهود الرقمنة.

-الضمان المصرفي الإلكتروني: تسهيل المعاملات بشكل أسرع وأكثر سلاسة من خلال قبول تقديم الضمان المصرفي في شكل إلكتروني.

أوضح التقرير أنه مع تزايد التحول الرقمي تم استخدام المنصات والأدوات الرقمية، مثل: الفواتير الإلكترونية والهويات الرقمية، وتم إبرام اتفاقيات تقدمية مع شركاء تجاريين لضمان الاتصال الرقمي، مثل: إبرام اتفاقيات الاقتصاد الرقمي وقواعد الخصوصية عبر الحدود، وقد بلغ إجمالي حجم الصادرات السلعية في سنغافورة 638.4 مليار دولار عام 2023، بينما بلغ إجمالي حجم الواردات السلعية 567.3 مليار دولار خلال نفس العام، ليصبح إجمالي حجم تجارة البضائع في سنغافورة 1205.7 مليار دولار في عام 2023.

وفي سياقٍ متصل، بلغ حجم صادرات سنغافورة من الخدمات 440.5 مليار دولار أمريكي، في حين بلغ حجم وارداتها من الخدمات 396.8 مليار دولار أمريكي، ليبلغ إجمالي حجم تجارة الخدمات فيها 837.3 مليار دولار خلال عام 2023.

ونتيجة لازدهار التجارة عبر الحدود، تتجه الشركات اللوجستية في سنغافورة نحو التنويع والتوسع في تكنولوجيا سلسلة التوريد والتمويل اللوجستي. وتلعب هذه الخدمات دورًا حيويًّا في التنمية الاقتصادية، حيث يُعرفها مجلس سلاسل الإمداد اللوجستية بأنها "جزء من سلاسل الإمداد التي تهدف إلى التخطيط والتنفيذ والرقابة والتدفق والتخزين الفعال للمواد الخام والسلع الصناعية والمعلومات المتعلقة بها من نقطة الإنتاج إلى نقطة الاستهلاك النهائية لتلبية احتياجات المستهلك، ويتمثل تطور المناطق اللوجستية فيما يلي:

-مناطق التجارة الحرة: وهي مناطق مُعافاة من الرسوم الجمركية وبها المخازن ومناطق التوزيع والتسهيلات التجارية، وتحتوي على عمليات إعادة الشحن والتصدير.

-مناطق تجهيز الصادرات "مراكز اللوجستيات": وهي تستهدف البضائع الخاصة للتصدير، فيتم فيها التصنيع أو وضع قيمة مضافة عليها.

-مناطق المشاريع: وهي تستهدف المناطق الحضرية التي تعاني من الركود من أجل تحفيزها من خلال بعض التشريعات والاستثمارات المختلفة.

-الموانئ الحرة: هي مساحة محددة داخل الميناء البحري أو الجوي، وتسمح باستيراد وتصدير السلع.

-المصانع المخصصة لتجهيز الصادرات: توفر الحوافز للشركات الفردية بغض النظر عن الموقع.

-المناطق المتخصصة: وهي تشمل صناعات محددة مثل البتروكيماويات أو الإلكترونيات مثل الحدائق التكنولوجية.

استعرض التقرير أبرز مقومات الأداء اللوجستي في سنغافورة على النحو التالي:

-الموقع الاستراتيجي: تعرف سنغافورة بموقعها الاستراتيجي في جنوب شرق آسيا، وتربط بين مجموعة من الدول، مما يُعزز من فرص الاستثمار بها.

-الاستقرار السياسي: والذي يُعد من أسباب نجاح المناطق والمراكز اللوجستية.

-رأس المال البشري: يُعد من الأسباب الفاعلة في الخدمات اللوجستية بسنغافورة، حيث يوجد بها قوى عاملة ونظام تعليم وتدريب عالٍ، يُركز على التعليم اللوجستي.

-الإجراءات الإدارية: يوجد بسنغافورة نظام جمركي وضريبي على مستوى عالي الكفاءة، يساعد بدوره المستثمر والمنتج في إتمام مهمته بدقة، وفي أقل وقت وبأقل التكاليف.

-البنية التحتية: تتميز سنغافورة بوجود بنية تحتية وطرق ذات مستوى عالٍ يُقابل المواصفات العالمية، مما يُسهل عمليات النقل والشحن والتفريغ مع الدول الأخرى.

-الاستثمار الأجنبي: تقوم الدولة بتقديم الحوافز للمستثمرين الحاليين، وجذب استثمارات جديدة، بحيث أصبحت مقصدًا للاستثمارات الأجنبية، خاصةً في مجال الخدمات اللوجستية.

-الشركات العاملة في مجال الخدمات اللوجستية: تعتبر سنغافورة مقرًا للعديد من الشركات الرائدة في مجال الخدمات اللوجستية والصناعة والنقل والشحن، ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل التي أدت إلى نجاح هذه التجربة.

أوضح التقرير أن البنك الدولي قام بتحليل مؤشر الأداء اللوجستي للدول منذ عام 2007 وحتى 2023 من خلال 6 مؤشرات وتتمثل في:

-كفاءة الجمارك وإدارة الحدود.

-جودة البنية التحتية للتجارة والنقل.

-الأسعار التنافسية للشحنات.

-جودة الخدمات اللوجستية.

-القدرة على تتبع وتعقب الشحنات.

-مدى تكرار وصول الشحنات (التوقيت).

ويُقاس مؤشر الأداء اللوجستي العام للبنك الدولي على مقياس من 1 (منخفض) إلى 5 (مرتفع)، وهذا المقياس هو المتوسط المرجح لدرجات الدولة التي تغطي الستة مكونات السابقة، ويختلف الأداء في مكونات مؤشر الأداء اللوجستي في سنغافورة من عام لآخر خلال الفترة 2007- 2023، حيث أظهر عنصر التوقيت تفوقاً ملحوظاً عن باقي المكونات الأخرى للمؤشر منذ 2007 وحتى 2018، باستثناء عام 2023.

وبالنسبة لعنصر جودة البنية التحتية المرتبطة بالتجارة والنقل، فقد أخذ يقل تدريجيًا منذ 2007 وحتى 2018، ولكنه ارتفع في عام 2023، حيث بلغ نحو 4.4%. ويُعد مكون سهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية (التكلفة) الذي أخذ أقل نسبة مقارنة بباقي المكونات الخمس، حيث بلغت أدنى نسبة لهذا المكون حوالي 3.58% عام 2018 وأعلى نسبة حوالي 4.04% في عام 2007.

وبالنسبة لمؤشر الأداء اللوجستي، احتلت سنغافورة المرتبة رقم واحد على مستوى العالم في السنوات 2008، 2012، 2023، كما احتلت المرتبة الثانية في عام 2010، بينما جاءت بالمرتبة الخامسة في عامي 2014، و2016، في حين احتلت المرتبة السابعة في عام 2018.

كما استعرض التقرير أبرز السياسات التي طبقتها سنغافورة من أجل التطور في التجارة والتي تمثلت في الآتي:

-شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف: حيث تقوم سنغافورة بشراكات ثنائية ومتعددة الأطراف لتعزيز مكانتها في الاقتصاد الدولي والعالمي ومواجهة التحديات المختلفة، وكان لهذه الشراكات تأثيرات كبيرة على المشهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للبلاد من أجل النمو الاقتصادي والتجاري والاستثماري في سنغافورة، ومن المنظور السياسي، حصلت سنغافورة على القوة الدبلوماسية، لذلك يُنظر إليها على أنها شريك موثوق به في الشؤون الدولية، كما تعمل الشراكات الثنائية على تعزيز التبادل الثقافي والتواصل بين الأفراد.

-استطاعت سنغافورة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر: حيث أدى موقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتطورة إلى جذب الاستثمار الأجنبي، وجعلها مركزًا إقليميًّا للتجارة، وقامت الحكومة بتحويل الاقتصاد من مرحلة التصنيع كثيفة العمالة إلى مرحلة تعتمد بشكل متزايد على المعرفة والتكنولوجيا، وقدمت الحكومة برنامجًا لتطوير الصناعة المحلية للاستفادة من خبرات الشركات المتعددة الجنسيات، وتم رفع مستوى المهارات التقنية.

- تعزيز الابتكار ونقل التكنولوجيا: تمتلك سنغافورة شبكة من اتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من الدول، مما يجعلها موقعًا جذابًا للشركات متعددة الجنسيات لإنشاء مقرات إقليمية ومراكز للبحث والتطوير وتعمل اتفاقيات التجارة الحرة على تعزيز تدفق التكنولوجيا والأفكار عبر الحدود، واتخذت سنغافورة نهجًا استباقيًّا للاستثمار في التقنيات الناشئة، مثل: الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والطاقة النظيفة.

-الاستثمار في رأس المال البشري: تشتهر سنغافورة بنظام تعليم بمعايير عالية من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية. وقد قامت الحكومة باستثمارات هائلة في بناء وصيانة البنية التحتية التعليمية، مما يضمن اكتساب الطلاب مهارات جديدة ويقدم إعانات مالية للدورات والبرامج التدريبية، وهو ما يجعل التعلم المستمر في متناول الجميع. وأيضًا يوفر للمتعلمين العديد من السبل لاكتساب المهارات والشهادات العملية، وإعدادهم للمهن في مجالات، مثل: الرعاية الصحية والهندسة وتكنولوجيا المعلومات.

-القوى العاملة في سنغافورة: بدأت سنغافورة في تنفيذ التعليم العام لعمالها في إطار خطتها الاقتصادية الاستراتيجية، وكان الهدف الرئيسي للخطة هو زيادة مهارة العامل وتقليل الطلب على العمال الجُدد ذوي المهارات العالية أثناء تحول اقتصاد سنغافورة.

-التقليل من سيطرة الحكومة على الصناعة: لعبت سنغافورة دورًا رائدًا في تشجيع الحد من سيطرة الحكومة على الصناعة في مختلف أنحاء رابطة دول جنوب شرق آسيا، وقد وقع زعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا مخططًا ألزم الدول الأعضاء بإنشاء سوق موحدة وقاعدة صناعية، ويقترح المخطط مجموعة من الخطوات، تتمثل في: خفض التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية، ومواءمة المعايير وتسريع إجراءات الجمارك والهجرة.

أوضح التقرير في ختامه أن تجربة سنغافورة تُعد نموذجًا رائدًا لكل الدول النامية كفرصة للازدهار من خلال تبني سياسات واستراتيجيات وأدوات وخدمات تساعدها على البناء، حيث كانت سنغافورة نموذجًا للتطور والتنمية عبر الزمن من خلال تغلبها على صغر حجمها وقلة مواردها الطبيعية والبشرية وقلة دخول الأفراد، لذلك قامت باحتضان الأسواق المفتوحة والتجارة الدولية والعالمية والبحرية والجوية، وهو ما غذى نموها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتجاري وساعد على تطورها من دولة نامية وفقيرة إلى دولة غنية ومتقدمة لتصبح مثالًا رائعًا للتنمية.


شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا