يشهد المشهد السياسى فى الشرق الأوسط تصاعداً ملحوظاً فى الضغوط الأمريكية المباشرة على القيادة الإسرائيلية، وبالتحديد على رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ، للقبول بخطة سلام شاملة تضمن استدامة الهدنة وتفتح الباب أمام مستقبل سياسى لقطاع غزة.
وتأتى هذه الضغوط الأمريكية فى سياق يهدف إلى إنجاح المساعى الدبلوماسية المكثفة التى قادتها مصر وعدد من الحلفاء الإقليميين، والتى تبلورت فى مخرجات مؤتمرات شرم الشيخ الأخيرة.
فعلى الرغم من الدعم العسكرى والسياسى الثابت لإسرائيل، فإن الإدارة الأمريكية تمارس ضغطاً كبيراً على حكومة نتنياهو لتحقيق أهداف استراتيجية لا تتوافق بالكامل مع طموحات الائتلاف اليمينى المتشدد.
وتأتى أولى آليات الضغط تتمثل فى فرض خطوط حمراء واضحة بشأن مستقبل قطاع غزة، حيث تصر واشنطن على منع أى محاولات لضم القطاع أو تشجيع هجرة الفلسطينيين قسراً، مؤكدة أن أى سيطرة إسرائيلية يجب أن تكون مؤقتة، وهذا الموقف يتعارض بشكل مباشر مع رغبات الأطراف الأكثر تشدداً داخل الحكومة الإسرائيلية التى تطالب بعودة الاستيطان أو السيطرة العسكرية المطلقة.
ثانياً، تضغط واشنطن لضمان أن تكون غزة "منزوعة السلاح"، لكن مع إشراف دولى ورفض السيطرة الإسرائيلية الدائمة، وربط الإعمار الشامل بوقف إطلاق نار مستدام، وهو ما يرفضه نتنياهو عملياً عبر محاولات المماطلة فى تنفيذ المراحل الصعبة من الاتفاق.
ثالثاً، هناك ضغط سياسى داخلى صريح من الإدارة الأمريكية. فقد صدرت تحذيرات من تراجع الدعم داخل الكونجرس والرأى العام الأمريكى فى حال استمرار خرق الهدن أو توسيع الصراع، وهو ما يمثل تحدياً وجودياً لنتنياهو الذى يدرك أن مقاومة الخطط الأمريكية قد تؤدى إلى "قطيعة" مع حليفه الأهم.
رابعاً، يتمثل الضغط فى التنسيق الفعال؛ حيث يدفع المبعوثون الأمريكيون للتنسيق المباشر مع الوسطاء العرب، وتحديداً مصر وقطر، لضمان التزام إسرائيل بخطوات الاتفاق المرحلية ومنعها من نسف الجهود الدبلوماسية
مثّلت مؤتمرات واجتماعات شرم الشيخ (التى شاركت فيها الأطراف الرئيسية والوسطاء) نقطة تحول، حيث وضعت الإطار العملى لخطة التهدئة والتعافى الإقليمي. هذه المخرجات ترتكز على إطار مرحلى يبدأ بالتهدئة الإنسانية وتبادل الأسرى، ثم يتجه نحو تثبيت الترتيبات الأمنية وبدء دخول المساعدات والوقود بشكل سلس عبر آليات لا تخضع بالكامل للرقابة الإسرائيلية المنفردة.
الأهم فى مخرجات شرم الشيخ هو زيادة الضمانة الدولية للاتفاق، فبدعم من مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة، أصبح الاتفاق مضموناً من عدة أطراف، مما يرسل رسالة واضحة لإسرائيل بأن أى انتهاك للاتفاق سيضعها فى مواجهة المجتمع الدولى بشكل أوسع.
كما أكدت المساعى المصرية، التى عكستها مخرجات شرم الشيخ، على ضرورة تشكيل لجنة فلسطينية (من خبراء وفلسطينيين) لإدارة القطاع فى مرحلة التعافى المبكر، مع الابتعاد عن السيطرة الإسرائيلية أو حكم طرف واحد. وهذه النقطة تحديداً هى مصدر خلاف كبير مع نتنياهو الذى يرفض دوراً واضحاً للسلطة الفلسطينية أو عودة قادة المقاومة إلى الحكم.
فى حين تشتد الضغوط والمخرجات الدبلوماسية، يواجه نتنياهو تحدياً داخلياً يدفع به نحو رفض الانسحاب الكامل أو القبول بأى إطار يفضى لدولة فلسطينية.
التناقض يتجلى فى معضلة الائتلاف: إذ يهدد الشركاء اليمينيون فى الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب فى حال قبول نتنياهو بخطة تمنع الاحتلال الدائم، لذلك، يحاول نتنياهو تحقيق توازن صعب بين ما يطلبه حلفاؤه الداخليون وبين ما تفرضه عليه الضرورة الأمريكية والدبلوماسية الإقليمية.
وبشكل عام، يعكس الضغط الأمريكى المتزايد على نتنياهو إدراك واشنطن بأن استمرار المراوغة الإسرائيلية يهدد بتقويض الجهود الدبلوماسية التى تبلورت فى شرم الشيخ، ويؤدى إلى انهيار الهدنة وعودة الصراع، وهو ما لا يتفق مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية التى ترغب فى استقرار المنطقة.
المصدر:
اليوم السابع