آخر الأخبار

من القاهرة لنيويورك.. الاعتراف الدولى بفلسطين تتويج لجهود الدبلوماسية المصرية

شارك

فى خطوة تاريخية اعتُبرت انتصارًا للعدالة الدولية وحق الشعب الفلسطينى الذى سُلبت أرضه وحقوقه طوال أكثر من سبعة عقود من الاحتلال والمعاناة، جاء إعلان دول كبرى اعترافها بالدولة الفلسطينية المستقلة ليمهّد لفصل جديد فى مسار النضال الفلسطينى، ويجسّد فى الوقت ذاته نجاح جهود الدبلوماسية المصرية التى وضعت هذا الهدف فى صدارة أولوياتها، وسعت إلى تشجيع مختلف بلدان العالم على اتخاذ تلك الخطوة.

ويؤكد مراقبون أن هذا التطور الإيجابي، خاصة في مواقف الدول الغربية، يُعد إحدى ثمار دبلوماسية القمة التي ينتهجها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى جانب التحركات المكثفة التي قادتها مصر في المحافل الدولية، حيث استثمرت جميع السبل لحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين .

وأشاروا إلى أنّ الرئيس السيسي لم يتوقف عن مطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، مؤكّدًا أنّ حل الدولتين يمثل الركيزة الأساسية والسبيل الأوحد لتحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، ومحذّرًا من أنّ تجاهل هذا الحق لن يقود إلا إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار.

كما أن استقبال الرئيس السيسي – منذ اندلاع حرب الإبادة في قطاع غزة – للعديد من القادة والمسؤولين الدوليين، واطلاعهم من مدينة العريش أو من أمام معبر رفح على حجم الكارثة الإنسانية وعرقلة إدخال المساعدات، كان له أثر بالغ في تعريف العالم بحقيقة ما يجري على الأرض وكشف ممارسات إسرائيل غير الإنسانية بحق سكان القطاع المنكوب.

وجاء انعقاد مؤتمر «حل الدولتين» في نيويورك، بدعوة من فرنسا والمملكة العربية السعودية على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي شهد سلسلة من الاعترافات بدولة فلسطين ، ليؤكد الزخم الدولي المتصاعد، ويُعد في الوقت نفسه ثمرة مباشرة للزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر في أبريل الماضي. فقد أتاحت تلك الزيارة، التي شملت العريش، للرئيس الفرنسي معاينة المأساة من أقرب نقطة ممكنة إلى غزة، والالتقاء بالجرحى الفلسطينيين ولا سيما الأطفال المصابين، وهو ما ترك أثرًا عميقًا أسهم في تسريع الموقف الفرنسي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن استمرار الظلم لم يعد مقبولًا وأن الوقت قد حان لإعطاء فرصة حقيقية للسلام.

في السياق ذاته، جاء اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية المستقلة ليعكس تحولًا جوهريًا في موقف إحدى أبرز الدول المرتبطة تاريخيًا بنشأة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ويؤكد السعي إلى تصحيح مسار تاريخي طويل؛ فبريطانيا هي التي أصدرت “وعد بلفور” الذي مهّد الطريق لقيام إسرائيل على أرض فلسطين، وكانت شريكًا في قرار الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، لم يرَ النور منه سوى الدولة العبرية.

ومن هنا يكتسب اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية دلالات خاصة، إذ يُمثل كلمة حق من جانب لندن وإنصافًا لشعب حُرم من دولته لعقود طويلة، كما يحمل رسالة واضحة بأن بريطانيا والدول المنضمة إليها في خطوة الاعتراف بفلسطين باتت أكثر وعيًا بحجم الفرص الضائعة لتحقيق السلام، وبأن حكومة تل أبيب بحاجة إلى ردع سياستها في ظل غطرستها وتهديدها لأمن واستقرار المنطقة.

ويرى محلّلون أن أي خطوات انتقامية قد تُقدم عليها “تل أبيب” ردًا على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لن تؤدي إلا إلى تعميق عزلتها، خاصة في ظل تنامي الوعي الدولي بحجم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الاحتلال خلال العامين الماضيين في غزة، بدءًا من التدمير الممنهج وتشريد السكان وقصف مخيمات النازحين وتجويع المدنيين عمدًا، وصولًا إلى سياسات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تتناقض مع القوانين الدولية.. وتكتمل هذه الصورة بالمخططات الرامية إلى تهجير سكان القطاع وإفراغه من أهله، في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما بات واضحًا للجميع ويعزز الأصوات المطالبة بمحاسبة “حكومة نتنياهو” دوليًا والإسراع في تنفيذ حل الدولتين.

ومع تراكم تلك الجرائم الإسرائيلية واستمرارها، وعجز المجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن، عن اتخاذ خطوات فعّالة لوقف الحرب وإنقاذ المدنيين، تضررت صورة النظام الدولي على نحو بالغ، بل وتفاقم الوضع مع إفلات مجرمي الحرب من العقاب رغم صدور مذكرات توقيف بحقهم من المحكمة الجنائية الدولية، فضلًا عن تجاهل إسرائيل المتكرر لقرارات محكمة العدل الدولية.

وقد شجّع هذا التخاذل سلطات الاحتلال على التمادي في عدوانها، ليس فقط ضد غزة، بل بتمديده إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، وصولًا إلى سابقة خطيرة تمثّلت في استهداف وسطاء المفاوضات داخل أراضي دولة وسيطة، في انتهاك صارخ لسيادتها.

إنّ الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لا يُعد مجرد خطوة دبلوماسية مهمة، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في المواقف العالمية إزاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، أقدم وأطول صراعات العصر الحديث؛ فإقدام دول كبرى طالما ترددت ثم اختارت اليوم -وفي هذا التوقيت الحرج من عمر القضية- الانحياز إلى الحق الفلسطيني، يوجّه رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي لم يعد يتسامح مع ممارسات الاحتلال.. وهو ما يفتح نافذة أمل أمام الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية لإحياء مسار السلام على أساس حل الدولتين، ويضع إسرائيل أمام عزلة دولية متنامية وضغوط متزايدة في المرحلة المقبلة.

من هذا المنطلق، تؤكد أوساط دبلوماسية أن مصر، الداعم التاريخي للقضية الفلسطينية، والتي دفعت وحثت العالم على الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية، وتتصدى بقوة وحزم لمخططات التهجير وتصفية القضية، ولا تدخر جهدًا في وقف نزيف الدماء في غزة وإغاثة أهلها، ستواصل حشد الجهود الدولية وتعزيز دورها المحوري في دفع مسار السلام، ماضيةً في مساعيها الحثيثة حتى يتحقق في نهاية المطاف حلم الشعوب العربية وكل محبي الحق والعدل والسلام في العالم، بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.


شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا