آخر الأخبار

قمة العراق.. زخم التجربة فى الداخل والمستجدات الإقليمية

شارك

القمة العربية المقبلة، والمقررة في العاصمة العراقية بغداد، تحمل أهمية كبيرة، في ضوء الظروف المحيطة بها على النطاق الإقليمي، فالمنطقة مرتبكة، بين العديد من الملفات الحاسمة، حيث تبقى غزة هي النقطة الأكثر اشتعالا في الإقليم، في ضوء تواتر الانتهاكات المرتكبة من قبل قوات الاحتلال، والتي تسعى نحو مواصلة مخططها لتفريغ القطاع من سكانه، تمهيدا لتقويض حل الدولتين، وهي المسألة التي هيمنت على أعمال القمة السابقة التي انعقدت بالبحرين، وعقدت لأجلها قمة استثنائية في القاهرة في شهر مارس الماضي، إلا أن ثمة ملفات أخرى، ربما تحظى بأهمية كبيرة، تتزامن مع القمة المرتقبة، من شأنها إعادة صياغة سياسات المنطقة بأسرها، ترتبط في جزء منها بالأوضاع الجديدة في سوريا، بالإضافة إلى صعود إدارة أمريكية جديدة، ذات توجهات مختلفة تماما عن سابقيها، ومنها ولاية دونالد ترامب نفسه الأولى (2017 -2021)، ناهيك عن المفاوضات الأخيرة بين واشنطن وطهران، للوصول إلى اتفاق بديل عن الاتفاق النووي الذي أبرمه باراك أوباما بالشراكة مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، مع إيران، في عام 2015.

المستجدات سالفة الذكر، بما تحمله من أبعاد تتجاوز المنطقة العربية، نحو الإقليم الأكثر اتساعا، بالإضافة إلى أزمة غزة، تضفي حالة من الزخم الاستثنائي للقمة العربية المرتقبة في هذا الشهر، بينما تسلط الأضواء على العاصمة العراقية بغداد، ليس فقط باعتبارها البلد المضيف، وإنما أيضا في ظل ما تحظى به من اهتمام، سواء فيما يتعلق بالتجربة العراقية نفسها، والتي ارتبطت في جزء كبير بمعركة طويلة الأمد، امتدت من الغزو الأمريكي في 2003، مرورا بالمعركة التي خاضتها على الإرهاب، في العقد الماضي، وحتى ما أصبحت عليه من استقرار وأمن يؤهلها لاستضافة الأحداث الدولية الكبرى، وهو ما يمثل نموذجا مهما، فيما يتعلق بالقدرة على الحفاظ على المؤسسات، عبر تجاوز حالة الانقسام الداخلي، في لحظة إقليمية فارقة، تبدو فيها المنطقة بأسرها في حاجة ملحة إلى تحقيق أكبر قدر من التوافقات حول العديد من القضايا الملحة، أبرزها القضية الفلسطينية، التي تبقى القضية المركزية.

استضافة العراق للقمة العربية، لا يقتصر في أهميته على مجرد لفت الأنظار مجددا إلى تجربة بغداد في الداخل، وإنما يحمل دلالات إقليمية عميقة، فالدولة العراقية تمكنت خلال السنوات الأخيرة من إعادة استكشاف دورها كقوى عربية مؤثرة، وهو ما بدا بوضوح في العديد من المشاهد، أبرزها اندماجها في الشراكة الثلاثية مع كلا من مصر والأردن، والتي ولد من رحمها مؤتمر بغداد، والذي ساهم بدوره في خلق حوار إقليمي واسع، أدى إلى تخفيف الحالة الصراعية بين القوى المتنافسة، في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى حزمة من المصالحات الإقليمية، التي لعبت دورا رئيسيا في تعزيز حالة الصمود نسبيا في مواجهة الدعوات التي تبناها الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة، وعلى رأسها تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

نجاح العراق في استعادة الدور على المستوى العربي، مع احتفاظه بالعلاقة مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى، يمثل في حد ذاته قدرا كبيرة من المرونة التي باتت تحظى بها دبلوماسية بغداد، في الآونة الأخيرة، وهو ما يتماهى مع الأوضاع الدولية في اللحظة الراهنة، والتي باتت لا تقبل التحالفات في صورتها التقليدية، أو حتى ما يمكننا تسميته بـ"الشراكات المحدودة"، حيث أصبحت سيادة الدولة مرتبطة في جزء كبير منها بحريتها المطلقة في تشكيل خريطة علاقاتها الدولية، دون قيود أو ضغوط خارجية، وهو الأمر الذي يمكن رؤيته في مشاهد لدول أخرى، وتحديدا في أوروبا، والتي خضعت في قرارها الخارجي لرغبة حليف واحد، لعقود طويلة من الزمن، فأصبحت السيادة على مناطقها الجغرافية محل نقاش، في ظل حديث متواتر عن ضم مناطق منها لتصبح جزء من أراضي دول أخرى.

استضافة العراق للقمة، يضفي شرعية كبيرة للدور الذي تلعبه بغداد في محيطها الجغرافي، وهو الأمر الذي أكدته الدولة المصرية عندما أعلنت مؤخرا عن دعمها المطلق لبغداد وحرصها التام على إنجاحها، وهو ما يعكس نجاعة الشراكة التي جمعتهما مع الأردن، ناهيك عن إدراك القاهرة لضرورة تعزيز ودعم كافة القوى الإقليمية لتعمل معا في إطار تكاملي لخدمة القضايا الرئيسية بالمنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والعمل على تعزيز الاستقرار الإقليمي، بينما لا يمكن أن نتغافل في اللحظة نفسها سابقة انعقاد قمة تنموية بالتزامن مع القمة العادية، وهو ما يعكس حقيقة الارتباط بين البعد التنموي وبنظيره السياسي في النطاق الإقليمي، وهو ما يمثل جوهر الرؤية المصرية التي سبق وأن أعربت عنها بوضوح خلال القمة الاستثنائية التي عقدت بالقاهرة، وإن كانت ترتكز على قضية إعادة الإعمار في غزة، في ظل احتواء الخطة التي قدمتها القاهرة وأقرها القادة على العرب على رؤى اقتصادية واضحة من شأنها تعزيز وضع سكان القطاع.

وهنا يمكننا القول بأن القمة العربية في العراق تحمل أهمية كبيرة، تجد جذورها في صعوبات الملفات المطروحة على مائدة القادة العرب، بينما يحمل مقر الانعقاد في قلب العاصمة بغداد، في ذاته، رمزية كبيرة، تتزامن مع الأوضاع الإقليمية المرتبكة، سواء فيما يتعلق بفلسطين، أو القضايا الأخرى.


شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا