آخر الأخبار

كريم الشناوي.. الفنان الذي قطع رأس #ميدوسا فى لام شمسية

شارك

في أسطورة ميدوسا اليونانية، التي تحوّلت بفعل لعنةٍ إلهية من امرأة فائقة الجمال إلى كائن يُحيلُ من يلقاه إلى حجر، تكمن مفارقةٌ قاسية: الضحية التي تُعاقبُ على جريمةٍ اغتصاب ارتُكبت ضدها، فتصير رمزًا للرعب . لكن الأسطورة، عبر التاريخ، امتلكت طبقاتٍ من التفسير؛ ففي سياقٍ معاصر، اختُطِفَ رأس ميدوسا ليصير إشارةً مشفرةً عالمية لانتهاك الأطفال، فخلال السنوات الماضية ظهر تريند #ميدوسا ليكشف عن الملايين من المعتدي عليهم في العالم، ولم يكن المصريون بعيدا عن هذه القصص المرعبة، وأتذكر هنا بعض القصص المرعبة لعشرات الضحايا، ولكن الأكثر رعبا وإيلاما هو التعليقات والكومينتات المريضة والجارحة والجاهلة لقسوة ترك التجارب، وهو ما أضاف ملحا على جراح ملتهبة لم تندمل مع تأثير الزمن فأدركت هنا أن ثعابين ميدوسا قد بثت سمها في المجتمع، ولكن ربما قد حان وقت التطهير والتغيير.

يأتي هنا مسلسل "لام شمسية" للمخرج كريم الشناوي ليقصم هذا الرمز (ميدوسا) من جذوره، ليس فقط عبر حكايةٍ درامية، بل عبر بنيةٍ علميةٍ متكاملة تُعيدُ تعريف “قطع الرأس” كفعلٍ تحريرٍ لا إبادة.

الجهد العلمي: عندما يُصبح الفن مختبراً لإصلاح الواقع

لم يكن العمل الفني في "لام شمسية" مجرد سردٍ لحكاية الطفل "يوسف" الذي يتعرّض للتحرش، بل تحوّل إلى مشروع بحثيٍّ بإشراف فريقٍ متخصص. استعان الشناوي في إعداد العمل بما يلي:
• خبراء في حماية الطفولة: شارك هؤلاء الخبراء في مراجعة النصوص الدرامية وتوجيه الحوارات، فضلاً عن تدريب الممثلين على تصوير ردود الأفعال النفسية الدقيقة، بعيداً عن الدراما المُبالغ فيها. وقد ساعد ذلك في تجسيد تجربة “يوسف” بواقعية تُلامس الوجدان دون تجريح.

• استشاريون نفسيون:
وُضع فريق من الاستشاريين النفسيين لمرافقة طاقم العمل، وخصوصاً الأطفال المشاركين، خلال مراحل التصوير، وتقديم الدعم النفسي قبل وبعد المشاهد الحساسة. وقد وفّر ذلك بيئة آمنة خالية من الآثار السلبية على الصغار، مما حول العمل إلى تجربة علاجية وتوعوية.

• أكاديميون متخصصون في علم الاجتماع:

تم تحليل السياق المجتمعي الذي يسمح باختباء الجريمة واستغلال الضعفاء، وكيفية تحويل العمل الفني إلى مرجعية لفهم دوائر الصمت الاجتماعي. كما شملت ورش العمل التي خضع لها طاقم التمثيل تدريبًا مكثفًا حول كيفية التعامل مع ضحايا الصدمات دون تكرار الصور النمطية، مما جعل شخصية المعلمة التي تدافع عن “يوسف” نموذجاً واقعيًا يُطابق بروتوكولات التدخل الفعّالة في المدارس.

قطع رأس ميدوسا: من الرمز المشوّه إلى شهادة للقوة

بينما استُخدمت صورة رأس ميدوسا في بعض الدوائر الإلكترونية لتبرير انتهاكات صارخة ضد الأطفال، يأتي “لام شمسية” ليعيد صياغة هذا الرمز بطريقة درامية وعلمية واعية:
1. كسر حاجز الخوف: من خلال تصوير تجربة “يوسف” دون وصمة عار، يُظهر العمل كيف يمكن للطفل أن يتحول من ضحية إلى رمز للصمود، تماماً كما يقول علم النفس إن سرد الحكاية هو وسيلة لإعادة تأهيل الناجين.

2. تحويل الأدوات الفنية إلى أسلحة:
استُخدمت تقنيات الإضاءة المتقدمة التي تخلط بين الظل والنور، والموسيقى التصويرية التي تعكس اضطراب الذاكرة، في إطار توجيه من اختصاصيين يهدف إلى تحفيز وعي المشاهد دون استثارة الصدمة. فكما كان لقطع رأس ميدوسا أثرٌ تحرريٌّ في الأسطورة، يُعيد الشناوي عبر هذه الأدوات الفنية صياغة المعنى إلى تحرير النفس من القيود.

3. إشراك المجتمع في المواجهة:
تُظهر مشاهد اجتماعات الأخصائيين النفسيين مع أسرة “يوسف” نموذجًا توعويًا فعّالًا، حيث يُطرح سؤال مهم: كيف نتدخل لوقف هذه الجرائم؟ ويُبرز العمل أهمية التضامن المجتمعي في حماية الطفولة وتجاوز دائرة الصمت.

تجسيد الشخصيات: بين النور والظل

يعتمد الشناوي في “لام شمسية” على فلسفة تُرفض فيها التصنيفات الثابتة للخير والشر؛ فكل شخصية تُعرض بمزيجٍ من النور والظل يعكس تناقضات النفس البشرية.
• شخصية “يوسف”:

يمثل “يوسف” الطفل الذي تعرض للتحرش، وفيه تبرز تلك الوجوه الإنسانية التي رغم الألم والمعاناة، تحافظ على براءتها ورغبتها في الحياة. يُظهر العمل كيف يمكن للتجربة المأساوية أن تكون منطلقًا للشفاء والنمو، وقد أبدع "يوسف " في أداء أسطوري ، تجمد الطفل من هول الموقف وكأن ميدوسا قد نظرت إليه من خلال "وسام "
وينتظر المشاهد بشدة أن تنصب عليها لعنات اللألهة، لكننا للأسف لم نعلم بعد .

• بقية الأبطال:
تتنوع شخصيات “لام شمسية” بين المعلمة التي تدافع عن الأطفال وأفراد المجتمع الذين يمثلون ضغوطًا مجتمعية متناقضة؛ فبعضهم يظهر بوجهٍ رحيم رغم قساوته في التعامل مع الواقع، في حين يظهر الآخرون كضباط النظام الذين تقيد سلطاتهم حرية الفرد. هذه الطبقات تُعيد التأكيد على أن الإنسان ليس قطبيًا بل هو لوحة معقدة من الضوء والظل.

في “لام شمسية”، يمزج كريم الشناوي بين الجهد العلمي والجرأة الفنية ليخلق عملًا دراميًا يثري الوعي الاجتماعي ويكشف عن عمق النفس البشرية. وقد حضرت الأسطورة مرة أخرى كرسالة من الماضى السحيق إلى حاضر لن تقلب صفحته إلي المستقبل بدون وعي ذاتي و مجتمعي يبدأ طريق الشفاء و التعافي فميدوسا حينما تنظر لضحايها تجمد يوسف في برزخ بين اللذة والألم .


يُعيد الشناوي صياغة المعنى؛ فهو لا يُدين ولا يُنكر، بل يُظهر أن الجراح يمكن أن تتحول إلى شهادة للقوة والتحول. فكما تُحرر الأسطورة العالم عندما يُقطع رأس ميدوسا، فإن “لام شمسية” يُحرر المشاهد من قيود الأحكام النمطية، داعيًا كل فرد إلى مواجهة ظلامه الداخلي وتحويله إلى نورٍ يضيء الطريق نحو التجديد. لقد قطع كريم الشناوي رأس ميدوسا.


شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا