آخر الأخبار

احتجاجات في تونس: عودة الحراك للشارع بأوجه مختلفة

شارك
مصدر الصورة

احتجاجات متصاعدة لأسباب مختلفة، شهدتها تونس خلال الأسابيع الماضية، سواء على خلفية مطالب سياسية أو خدمية أو مشكلات اجتماعية.

أحدث هذه الفعاليات الاحتجاجية تمثلت في مسيرة انطلقت من ساحة حقوق الإنسان في تونس العاصمة يوم السبت الماضي، بمشاركة مئات الأشخاص، من بينهم حقوقيون وناشطون وسياسيون.

وحمل المحتجون شعارات تطالب بـ "عودة الحريات"، و"عدم التضييق على عمل المنظمات المدنية"، بجانب إفساح المجال للعمل الحزبي، وإطلاق سراح من وصفوهم بـ "السجناء السياسيين وسجناء الرأي".

وارتدى المحتجون خلال المسيرة، التي حملت عنوان "الحقوق والحريات ضد الظلم والانتهاكات"، ملابس سوداء، ورفعوا لافتات تقول "الشعب يريد إسقاط النظام"، و" شغل.. حرية.. كرامة وطنية"، و"لا للظلم"، وذلك في وقت يؤكد فيه الرئيس التونسي قيس سعيد وأنصاره، أن الحريات مكفولة بموجب الدستور، وأن كل ما تشهده البلاد يجري في إطار القانون.

"تضييق على الحريات"

مصدر الصورة

قال الناشط الحقوقي أيوب عمارة لـ "بي بي سي":" اليوم أصبح الشعار المتفق عليه بين الجميع هو الوقوف ضد الظلم، على اعتبار أن الظلم ليس مرتبطا فقط بالحريات السياسية، بل هو موجود اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، إذ توجد حالة من الظلم يكاد يجمع عليها كل التونسيين... ولهذا قلنا إننا سنتوجّه في مسيرة نحو وجهة معلومة، لأننا نرى أن هذا النظام هو الذي ساقنا إلى وجهة مجهولة."

وفي السياق نفسه، قال المحامي والحقوقي العياشي الهمامي:" مع الوضع الذي نعيشه اليوم في البلاد،

نحن نحتجّ على الظلم المنتشر فيها سواء الظلم في السياسة، والمحاكمات السياسية لكل من يخالف الرأي، والسجون التي تُستعمل بطريقة تعسفية، وكذلك الوضع البيئي، ووضع التربية، والنقل، والصحة. فجميع الأوضاع في تونس سيئة، وهذا نتيجة السياسات التعسفية للسلطة الحالية."

وفي بيان أخير، نشرته الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في تونس، اعتبرت الرابطة أن "الظرف الحالي في البلاد، يتسم بالتصعيد الممنهج الذي يستهدف الحقوق والحريات والتضييق الخطير على العمل المدني والجمعياتي، وتصاعد وتيرة المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي الجائرة... والتدهور الشامل للأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والصحية، والبيئية".

كما نددت الرابطة في بيانها، بما سمته " تغول السلطة واستفراد رئاسة الجمهورية بالحكم" وتوظيفها للقضاء، قائلة إن المحاكمات التي تجرى للمعارضين "افتقدت لشروط المحاكمات العادلة وأن جوهرها سياسي، ضمن مسار شامل يسعى للتضييق على العمل المدني والسياسي".

بالتوازي مع ذلك، أعلن معارضون خوض عدد ممن يوصفون بالسجناء السياسيين، إضرابات احتجاجية عن الطعام. ومن بين هؤلاء، المعارض جوهر بن مبارك، الذي نُقل عديد المرات إلى المستشفى، بسبب تدهور وضعه الصحي، بعدما بدأ إضرابا عن الطعام منذ نهاية الشهر الماضي، احتجاجا على سجنه في القضية المعروفة إعلاميا بـ "التآمر على أمن الدولة"، والتي حُكم عليه فيها ابتدائيا بالسجن 18 سنة.

وأفادت شقيقته المحامية دليلة بن مبارك، وهي أيضا عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في تونس، بأن شقيقها نُقل إلى المستشفى، ولم يُسمح لها بمعرفة وضعه الصحي، ولا رؤيته أو الاطمئنان على حالته.

في المقابل، نفت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال، قبل أيام أمام البرلمان، إقدام هؤلاء السجناء من الأصل على مثل هذه الخطوات الاحتجاجية، وألمحت إلى أن من يعلنون انخراطهم فيها، يتناولون الطعام في الخفاء.

كما سبق أن نفت الهيئة العامة للسجون في تونس، صحة ما يقوله معارضون وناشطون عن إضراب سجناء عن الطعام، وتدهور حالتهم الصحية بسبب ذلك. وأكدت الهيئة في بيان، أن قيام بعض المساجين بإضراب عن الطعام، أمر "لا أساس له من الصحة، بعد أن ثبت زيف ادعاءاتهم، خاصة أمام رفضهم الخضوع للفحوصات الطبية".

ويقبع في سجون تونس منذ فبراير/شباط 2023، معارضون سياسيون وناشطون، وُجِهَت إليهم تهم منها "التآمر على أمن الدولة" و"التخابر مع جهات أجنبية". وقد صدرت بحق هؤلاء أحكام قضائية بالسجن، تراوحت بين أربع و66 سنة. وبينما يصف حقوقيون هذه الأحكام بـ "الجائرة" و"ذات الطابع السياسي"، تنفي السلطات ذلك، وتقول إن المحاكمات "تتم وفق القانون"، وإن التهم التي توجه في إطارها جنائية وليست مُسيَّسة.

مصدر الصورة

جدل حول "محاصرة العمل المدني"

شهدت الفترة الماضية كذلك، إصدار السلطات التونسية قرارات، بتعليق نشاط عدد من المنظمات والجمعيات لمدة شهر، أبرزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وجمعية النساء الديمقراطيات، وجمعية نواة.

وتقول هذه المنظمات، إن تلك الخطوات تهدف إلى محاصرة العمل المدني، وذات دوافع سياسية، فيما تقول السلطات، إن قراراتها على هذا الصعيد، تمثل تطبيقا لمرسوم صدر عام 2011، بهدف ضمان الشفافية المالية في عمل تلك الجمعيات، وعدم تلقي أي أموال من جهات توصف بالمعادية.

وتقول عضو الرابطة التونسية لحقوق الانسان في تونس حميدة الشايب إن قرار تجميد عمل العديد من الجمعيات التي تهتم بالأطفال والنساء والشأن العام دون قرار قضائي، "إنما هو قرار سياسي بالأساس، حيث إنه وبمراجعة ملفات الجمعيات، لا يوجد أي شيء فيها يستحق التقاضي".

ولكن أنصار السلطات التونسية، يؤكدون أن مثل هذه الخطوات، ترمي لتصحيح مسار عمل تلك الجمعيات وأنشطتها، ويشيرون إلى أن أي قرارات تتخذ على هذا الصعيد، تتم وفقا للقانون.

احتجاجات مطلبية

مصدر الصورة

في الأسبوع الماضي، تجددت احتجاجات الصحفيين التونسيين، على خلفية ما يصفونه بتقييد حرية العمل الإعلامي، وللمطالبة بإسقاط "المرسوم رقم 54"، المتعلق بالجرائم المتصلة باستخدام أنظمة المعلومات والاتصال، والذي يقولون إنه تسبب في سجن عدد من المواطنين والسياسيين.

ونفّذ الصحفيون وقفة احتجاجية أمام مبنى رئاسة الحكومة التونسية، قالوا إنها تأتي دفاعا عن قطاع الصحافة، الذي يشهد – كما يقولون - "تراجعا وتضييقا"، مطالبين كذلك بتمكين العاملين فيه، من الحصول على بطاقاتهم المهنية، ونيل حقهم في الحصول على المعلومة، من قبل المؤسسات العامة بالإضافة إلى تجديد تراخيص عمل الصحافة الدولية في البلاد.

وقال نقيب الصحفيين في تونس زياد دبار إن "الإيقافات مازالت متواصلة والصحفي خائف، والضيوف خائفون عند الإدلاء بتصريحات قد تضعهم وجها لوجه أمام المرسوم رقم 54، كما أن النفاذ اليوم إلى المعلومة بات مغلقا، ولا يوجد أي مسؤول يعطي تصريحا لأنه خائف، كما أنه لا يؤمن بأهمية رسالة الصحافة ودورها."

كذلك أضرب آلاف الأطباء الشبان في تونس قبل أيام عن العمل، للمطالبة بزيادة الأجور، مُتهمين وزارة الصحة بعدم الوفاء بتعهدات قطعتها لهم على هذا الصعيد، في السابق. وجاء هذا التحرّك بعد تعثّر جولات الحوار السابقة، وتأخر تنفيذ بنود اتفاق موقّع مع الوزارة، ينصّ على زيادة محدودة في المنح وصرف مستحقات مالية مؤجّلة منذ عام 2020.

في السياق ذاته، شهدت محافظة صفاقس جنوب شرقي تونس منذ أيام، تحركات احتجاجية متصاعدة، نفّذها العاملون في ما لا يقل عن 68 مؤسسة في القطاع الخاص، بحسب الاتحاد المحلي للشغل بالمدينة، إذ انخرط هؤلاء في إضراب عن العمل، للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروفهم المهنية.

مصدر الصورة

احتجاجات متقاطعة

في إشارة إلى التلاقي بين الفعاليات الاحتجاجية الحالية في تونس، كان لافتا توجه المسيرة التي خرجت السبت في تونس العاصمة، نحو مقر المجمع الكيميائي بالمدينة، حيث أطلق المشاركون فيها دخانا أسود اللون.

وشكل ذلك إشارة رمزية إلى ما ينجم عن أنشطة مجمع مماثل في محافظة قابس جنوبي تونس، حيث يطالب محتجون هناك، بإغلاق وحدات ذلك المجمع بشكل فوري، ويقولون إن أنشطته هي السبب في إصابة كثير من السكان بأمراض خطيرة ومزمنة، وحدوث حالات اختناق واسعة.

ويقول منتقدو أنشطة هذا المجمع، إنه لا يزال منذ بدء تشغيله في سبعينيات القرن الماضي، ينفث "غازاته السامة" في الهواء، ويسكب مواده الكيميائية في البحر، ما أضر بكل ما حوله على مر هذه العقود.

وعلى مدار الشهور القليلة الماضية، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات ضد المجمع الكيميائي في قابس، بسبب تزايد حالات الاختناق في صفوف طلبة المدارس وارتفاع معدلات انتشار الأمراض السرطانية وهشاشة العظام وضيق التنفس، بحسب السكان.

في المقابل، تعهدت الحكومة التونسية بإيجاد حلولٍ عاجلة لهذه المشكلة. ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعهد وزير التجهيز والإسكان التونسي صلاح الزواري، باتخاذ خطوات "عاجلة واستثنائية" للحد من التلوث الصادر عن المجمع. وبعد ذلك بأسابيع، وفي مطلع الشهر الجاري، أمر الرئيس قيس سعيّد، بتشكيل فريق عمل، للاضطلاع بمهمة إيجاد حلول فورية لمشكلة التلوث في قابس.

ولكن السلطات التونسية استبعدت إمكانية إغلاق المجمع الكيميائي لأهميته اقتصاديا، إذ ينتج الأسمدة ومشتقات الفوسفات، وهو ما يلقى رفضا من سكان قابس، بما يزيد من حدة الاحتقان في المنطقة، ويسهم في تواصل الاحتجاجات هناك.

ويقود الرئيس التونسي قيس سعيد البلاد منذ عام 2019، واتخذ في يوليو/ تموز 2021 إجراءات استثنائية، جرى بموجبها حل البرلمان وإقالة الحكومة، وتولى السلطة التنفيذية، مستندا إلى "حالة طوارئ وطنية".

وفي حين يرى الرئيس وأنصاره، أن لا مساس بالحريات وأن كل ما يُتخذ من تدابير يأتي في إطار تطبيق القانون، ويرمي إلى ضمان الاستقرار، يعتبر معارضوه سياساته والإجراءات المختلفة التي تتخذها حكومته انقلابا على الدستور، وتقويضا لأسس أي نظام ديمقراطي. وبين هذين الموقفين، يتواصل في تونس، نقاش واسع حول وضع الحقوق والحريات في أراضيها.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا