آخر الأخبار

هل يكسب ترامب رهان عسكرة المدن الأميركية؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

منذ توليه السلطة في 20 يناير/كانون الثاني من العام الجاري، تبنّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهجا متشددا حيال ملفي الهجرة غير النظامية ومحاربة الجريمة في المدن الأميركية.

ويخلط الخطاب القادم من البيت الأبيض بين الهجرة غير النظامية والجريمة المتفشية في مدن يديرها قادة ديمقراطيون، وهي السردية التي تلقى استحسانا لدى أنصار حركة " ماغا " -التي تعني لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى- القاعدة الانتخابية لترامب.

ويذكر متابعون تصريحات ترامب المثيرة للجدل عند إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية للمرة الأولى في 16 يونيو/حزيران 2015، عندما اتهم المكسيك ودولا أخرى بإرسال أشخاص "يعانون من مشاكل كثيرة، ويجلبون تلك المشاكل إلى أميركا كالمخدرات والجريمة ويرتكبون جرائم أخرى ومنها الاغتصاب".

وبالفعل كان التصدي للهجرة غير النظامية الموضوع الأبرز في حملته للانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، التي حسمها لصالحه على حساب منافسته الديمقراطية كامالا هاريس .

غير أن النهج المتشدد الذي سلكه ترامب في تنفيذ سياسته، لا سيما بإرساله عناصر الحرس الوطني إلى عدد من المدن الأميركية، رغم معارضة حكام الولايات المعنية، أثار جدلا كبيرا في الساحة السياسية وفي الشارع الأميركي.

مصدر الصورة الشرطة تعتقل متظاهرا أثناء اشتباكات في لوس أنجلوس (الأوروبية)

صدامات مفتوحة

في يونيو/حزيران الماضي، شهدت مدينة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا اشتباكات بين متظاهرين مع عناصر الشرطة الفدرالية عقب مداهمات نفذتها وكالة الهجرة والجمارك في أماكن عمل بالمدينة لتوقيف مهاجرين غير نظاميين.

وإثر تأجج التظاهرات بالمدينة قرر ترامب نشر 2000 عنصر من الحرس الوطني، رغم اعتراض حاكم الولاية غافن نيوسوم ، الذي وصف ترامب بـ"الدكتاتوري"، معتبرا قراره "اعتداء مباشرا على سيادة الولاية".

إعلان

وتُعد لوس أنجلس أول مدينة يرسل إليها ترامب الحرس الوطني، ثم تلتها العاصمة واشنطن في أغسطس/آب الماضي، حيث نشر بها نحو 2000 عنصرا، ووضع شرطة العاصمة تحت إشراف فدرالي مباشر، وشدد على أن المدينة تعاني من ارتفاع معدلات الجريمة التي باتت خارجة عن السيطرة تماما، وفق تعبيره، قائلا: "سأجعل عاصمتنا عظيمة مرة أخرى".

وواصل ترامب سياسة نشر عناصر الحرس الوطني مستهدفا مدنا يديرها عمداء ديمقراطيون كمدينة بورتلاند بولاية أوريغون، وممفيس بولاية تينيسي، كما سعى لنشرها في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي.

وهدد ترامب بنشر الحرس الوطني في مدينة نيويورك وكذا بالتيمور بولاية ماريلاند، التي يديرها حاكم ديمقراطي أيضا.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول ذكر أن سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا ستلحق بالركب، وقال عنها إنها "كانت إحدى أعظم مدننا قبل 10 سنوات أو 15 سنة لكنها أصبحت فوضى الآن..".

وحتى وهو بعيد عن الولايات المتحدة آلاف الأميال، يستمر ترامب في التهديد بتوسيع حملة مكافحة الجريمة والهجرة غير النظامية في المدن الأميركية، كان ذلك في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وهو على متن حاملة الطائرات الأميركية جورج واشنطن في قاعدة يوكوسوكا البحرية في اليابان إذ صرّح بأن المدن الأميركية تواجه مشاكل.

وقال ترامب: "سنرسل الحرس الوطني، وإذا احتجنا إلى أكثر، فسنرسل أكثر من الحرس الوطني، لأننا سنضمن أمن المدن"، مشددا على أن إدارته لن تسمح بسقوط قتلى في المدن الأميركية، وسواء رضي الناس بذلك أم لا.

اتهامات بـ"تغول فدرالي" غير مبرر

خلّف نهج ترامب في التعامل مع الجريمة والهجرة غير النظامية جدلا كبيرا في الساحة السياسية الأميركية، كما أثار اتهامات مباشرة من خصومه الديمقراطيين وذلك للاعتبارات التالية:


* أولا: أن إجراءات ترامب استهدفت أساسا المدن التي يديرها عمداء أو حكام ديمقراطيون، وتعد كلها معقلا للحزب الديمقراطي في مختلف المواعيد الانتخابية، بحيث تصوت للمرشحين الديمقراطيين ولم تصوت لترامب، ويتحدث منتقدو الرئيس عن استهداف مقصود لإظهار عجز القادة الديمقراطيين عن إدارة هذه المدن ولإرباك قاعدة الحزب الديمقراطي بهذه الولايات الرئيسية بالنسبة لهم.
* ثانيا: يؤكد مسؤولو المدن المعنية أنهم يتحكمون في الوضع وألا حاجة لتدخل فدرالي في الوقت الحالي، وأن قوة إنفاذ القانون المحلية قادرة عل محاربة الجريمة وضمان السلامة العامة، ويشددون على أن معدل الجريمة في تراجع. فمثلا، وردا على قول ترامب إن العاصمة واشنطن ينخرها الإجرام، قالت عمدة المدينة موريل باوزر "إن جرائم العنف بلغت أدنى مستوياتها منذ 30 عاما".
* ثالثا: يرى الديمقراطيون في سلوك ترامب تغولا لاستخدام التدخل الاتحادي في المدن الأميركية على حساب صلاحيات الولايات، التي لم يطلب حكامها دعم الحكومة الفدرالية، مع العلم أن هناك جدلا قانونيا متواصلا وقضايا في أروقة المحاكم بشأن مدى قانونية إرسال الرئيس للحرس الوطني لمحاربة الجريمة في المدن دون طلب من قادتها.

وكان آخر فصول "المعركة القانونية" بين ترامب والولايات المعنية ما حصل في مدينتي بورتلاند وشيكاغو، في 29 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، حيث أوقف القضاء الأميركي مجددا نشر قوات الحرس الوطني في المدينتين.

إعلان

وبموجب القرار الصادر عن المحكمة العليا الأميركية عُلق نشر الحرس الوطني في بورتلاند إلى أجل غير مسمى، بينما أمرت المحكمة -التي يشكل المحافظون غالبية أعضائها- أطراف القضية في شيكاغو بالإدلاء بحجج إضافية بحلول 17 من الشهر الجاري.

وسبق للقضاء الأميركي أن علّق نشر مئات من جنود الحرس الوطني في شيكاغو بولاية إلينوي هذا الشهر، بناء على طلب عمدة المدينة وحاكم الولاية جاي بي بريتزكر.

كما أوقفت قاضية اتحادية نشر 200 عنصر من الحرس الوطني في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، ورأت أن "من المحتمل أن ترامب تجاوز سلطته القانونية في الرد على احتجاجات صغيرة نسبيا قرب مبنى تابع لإدارة الهجرة والجمارك الأميركية في بورتلاند".

أما إدارة ترامب فتبرر تحركها عبر قانون التمرد ، وهو قانون يعود لعام 1807، ويمنح الرئيس صلاحية نشر القوات المسلحة بما في ذلك الحرس الوطني، في حال وجود "تمرد داخلي" يهدد النظام العام ويعيق تنفيذ القوانين الفدرالية التي تعجز سلطات الولاية على فرضها.

كما تجادل بأن استدعاء الحرس الوطني ضروري لمواجهة المتظاهرين في منشأة تابعة لوكالة الهجرة والجمارك الأميركية خارج شيكاغو، وتقول إن أولئك المتظاهرين منخرطون في "معارضة منسقة وعنيفة لتنفيذ القانون الفدرالي".

مصدر الصورة القضاء الأميركي أوقف مجددا نشر قوات الحرس الوطني في مدينتي بورتلاند وشيكاغو (الأوروبية)

غالبية الأميركيين لا يدعمون نهج ترامب

تظهر استطلاعات الرأي أنه رغم وجود شبه إجماع بين الأميركيين على أن الجريمة بلغت معدلات غير مقبولة في مدن عدة فإن قطاعا واسعا منهم لا يوافقون على سياسة ترامب الصارمة لكبحها، لا سيما إقحام الحرس الوطني في العملية.

فقد كشف استطلاع مشترك لـ" واشنطن بوست وإبسوس"، نشر في 19 سبتمبر/أيلول 2025، أن 44% فقط من المستطلعة آراؤهم يؤيدون طريقة معالجة ترامب لموضوع الجريمة، بينما يعارضه 54%. وفي موضوع الهجرة يحظى ترامب بتأييد 44% في حين يعارضه 55%.

وكان استطلاع مشترك لـ"رويترز وإبسوس"، أجري في 26 أغسطس/آب، أظهر أن 38% فقط من الأميركيين يؤيدون نشر الحرس الوطني في العاصمة واشنطن، بينما يعارضه 46%.

ويتعاظم التأييد لنهج ترامب في صفوف ناخبي الحزب الجمهوري ، فقد أظهر الاستطلاع نفسه أن 76% من الجمهوريين يدعمون نشر الحرس الوطني في واشنطن، غير أن هذا النهج لا يلقى التأييد لدى الديمقراطيين، إذ أعرب 8% فقط منهم عن تأييدهم لنشر الحرس في العاصمة.

وإن كان من السابق لأوانه تقييم نتائج نهج ترامب المتشدد حيال ملفي الجريمة والهجرة غير النظامية، فإن المراقبين يتوقعون أن تكون له تداعيات سياسية ستؤثر بشكل أو بآخر على المواعيد الانتخابية المقبلة، لا سيما انتخابات تجديد الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل، حيث يسعى ترامب وحلفاؤه الجمهوريون للحفاظ على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.

مصدر الصورة مظاهرات ضد ترامب احتجاجا على وصول الحرس الوطني إلى بعض المدن الأميركية (الفرنسية)

رهان مواصلة السيطرة على الكونغرس

يريد ترامب أن يظهر أمام قاعدته الانتخابية، المشكّلة أساسا من حركة "ماغا"، في ثوب "القائد الحازم" الذي وفّى بوعد انتخابي قطعه على نفسه بمحاربة الجريمة المتفشية في المدن وكبح الهجرة غير النظامية، ومن شأن هذه الصورة أن تسهم في ضمان تماسك هذه "الكتلة الانتخابية" لتشكل مصدر دعم قوي في المواعيد القادمة.

وجاء في تقرير للإذاعة العامة الأميركية "إن بي آر" نشرته في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني أن ترامب يراهن على هذه التحركات لكي تساعده والجمهوريين في الانتخابات النصفية العام المقبل.

وأشار التقرير إلى تصريحات سابقة لترامب خلال اجتماع لفريقه الحكومي في أغسطس/آب الماضي وصف فيها الجريمة بأنها "قضية أقوى" بالنسبة للجمهوريين من قضية "الرياضيين المتحولين جنسيا" في المدارس وربما أقوى حتى من مسألة الهجرة.

إعلان

وفي المقابل، يبدو أن نهج ترامب ينطوي على مخاطرة سياسية، إذ من شأن سياسته هذه أن تغضب قطاعا واسعا من الأميركيين، ليس فقط من الديمقراطيين، وإنما أيضا من المستقلين والأقليات وفئات أخرى لا تنسجم مع سياسات ترامب وتنزعج لرؤية القوات المسلحة تجوب شوارع المدن الأميركية.

وقد يؤدي ذلك إلى تحشيد انتخابي ربما سيفقد الجمهوريين السيطرة على مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل.

فقد كان موضوع "عسكرة المدن الأميركية"، من خلال استخدام ترامب للحرس الوطني أحد أبرز المواضيع التي حرّكت ملايين الأميركيين للمشاركة في مظاهرات "لا للملوك" التي شهدتها مختلف المدن الأميركية في 18 أكتوبر/تشرين الأول، وشارك في المظاهرات نحو 7 ملايين شخص تجمعوا في نحو 2700 موقع في كامل أرجاء البلاد، وفق المنظمين.

ورغم أن ترامب وحلفاءه سخروا من تلك المظاهرات، غير أن تحليلات سياسية في واشنطن قرأتها بمثابة تحذير جدي لمعسكر الرئيس من أنه بدأ بالفعل يفقد الدعم لأجندته، ومن أن هناك حماسا في المعسكر المقابل قد يقلب الموازين في المواعيد الانتخابية المقبلة.

ووفق "مؤسسة بروكينغز" فإن حزب الرئيس يخسر دائما تقريبا انتخابات التجديد النصفي، إذ حصل ذلك في 20 من أصل 22 انتخابات تجديد نصفي سابقة منذ عام 1938.

وبحسب تحليل "بروكينغز" تلعب نسبة التأييد لأداء الرئيس دورا حاسما في تحديد نتائج انتخابات تجديد الكونغرس، ففي عام 2002، أثرت هجمات 11 سبتمبر /أيلول 2001 بشكل حاسم على انتخابات التجديد النصفي، بعدما ارتفعت نسبة التأييد الشعبي للرئيس جورج دبليو بوش إلى 63%.

وفي انتخابات التجديد النصفي لعام 1998 التي كسبها الديمقراطيون، كان الرئيس بيل كلينتون يحظى بنسبة تأييد بلغت 66% بعدما فشل الجمهوريون في محاولة عزله.

وتفيد استطلاعات الرأي بتراجع نسبة التأييد للرئيس ترامب إلى مستوى متدن، بحيث أن 38% فقط من الأميركيين صرّحوا بأنهم راضون عن أداء ترامب، وفق استطلاع نشره "بيو ريسرش"، في 14 أغسطس/آب الماضي، مقابل 60% من الأميركيين أعربوا عن عدم رضاهم عن أداء رئيسهم.

ولا شك في أن هذه الأرقام تشير إلى احتمال وارد بخسارة ترامب والجمهوريين لمجلس النواب، وربما مجلس الشيوخ، في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2026.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا