آخر الأخبار

"بيت الشيخ" آخر قلاع طانا الصامدة دفاعا عنها

شارك

نابلس- ما إن فرغ المسن شكري مليطات والمصلون من أداء صلاة العشاء وجلسوا يتسامرون لبعض الوقت كعادتهم، حتى باغتهم المستوطن المتطرف "كوبي" وآخرون معه، بإطلاق نار كثيف ومباشر كاد يفتك بهم جميعا.

لحظات صعبة عاشها المواطن السبعيني مليطات والأهالي، قبل أيام، عندما هاجمهم المستوطنون مسجد "بيت الشيخ" في خربة طانا (الخربة قرية صغيرة) قرب بلدة بيت فوريك في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية .

وتعرَّضت منازل طانا ومنشآتها الخدمية، كمدرستها الوحيدة، وطرقها وشبكات الكهرباء والماء، للتدمير مرات عدة، وهُدمت منازلها المشيدة من الخيام والصفيح وحتى الكهوف التي التجأ الأهالي للاحتماء بها.

مصدر الصورة من اقتحام سابق للمستوطنين لبيت الشيخ في طانا (الجزيرة)

ليلة عنيفة

ظل "بيت الشيخ" صامدا، يواجه آلة الهدم الإسرائيلية وتطرف المستوطنين، حتى غدا مسجدا يؤمُّه المواطنون للصلاة والعبادة، كآخر وسائلهم لزيارة أرضهم والدفاع عنها، حيث سمح الاحتلال لهم بدخول القرية للصلاة فقط.

يصف مليطات الاعتداء الأخير على "بيت الشيخ" بأنه "الأخطر" بين انتهاكات عديدة يمارسها الاحتلال باستمرار ضد طانا لتهويدها.

ويقول للجزيرة نت "هاجمنا المستوطن كوبي وأولاده، وأطلقوا علينا الرصاص الحي، فانبطحنا أرضا، ثم هددنا بقوة السلاح بعدم التحرك، حتى قدوم قوات الاحتلال، التي ساندت المستوطنين".

وفعلا، ظل مليطات والمصلون على حالهم، وعند وصول جنود الاحتلال باشروا أيضا بإطلاق النار، ثم انهالوا عليهم ركلا وضربا بأعقاب البنادق، واحتجزوا المصلين حتى الساعة الثانية فجرا، بينما كان فتية المستوطنين يلتقطون صورا للمواطنين وهم منبطحون أرضا بحال "مهينة".

ويضيف مليطات "شدني أحد الجنود من رأسي إلى الخلف بقوة، وحاول اثنان آخران كسر ظهري، وما زلت أعاني آلاما حادة".

وبعد ذلك، يضيف مليطات "أطلقوا سراحنا فجرا، واشترطوا مغادرتنا فورا، وعندما هممنا بالصعود إلى المركبات تبين أنهم سرقوا اثنين من هواتفنا، واعتقلوا شابا واقتادوه إلى مستوطنة إيتمار القريبة، ولاحقا أطلقوا سراحه بعد ضربه بعنف".

إعلان

لم تزد تلك الحادثة الأهالي إلا إصرارا وتمسكا بأرضهم، وحافظوا على وتيرة التواصل والبقاء في "بيت الشيخ" والصلاة فيه.

ممارسات للتهجير

ويعود تشييد بيت الشيخ للعهد العثماني، ويفوق عمره 200 عام، وكان بمنزلة "وتد" ثبَّت أهالي طانا، ومتراسا لحمايتها عبر الأزمنة، لا سيما بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 ، حيث شرع الاحتلال الإسرائيلي باستهداف القرية بكل الطرق لتهجير أهلها ومصادرة أراضيها.

وهُدمت طانا، التي كان يقطنها أكثر من 400 نسمة، 13 مرة، خاصة في العقدين الأخيرين، كان آخرها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويقول منسق الحملة الشعبية للدفاع عن "طانا" ثائر حنني إن الاحتلال استخدم أساليب متعددة لتهجير الأهالي، منها:


* السيطرة على منابع المياه.
* ملاحقة وتخويف المواطنين وقمعهم بالاعتقال والضرب والاحتجاز.
* هدم مدرسة القرية الوحيدة عدة مرات.
* تدمير البنية التحتية من شبكة كهرباء وطرق.
* هدم منازل المواطنين ومساكنهم ومنشآتهم الزراعية.
* تسميم المواشي وسرقتها.
* تدمير وتقليص المساحات الرعوية بعد استيلاء المستوطنين عليها.

ورغم ذلك -يضيف حنني- فإن السكان صمدوا بأرضهم، وظلت آخر 10 عائلات (نحو 50 نسمة) في طانا حتى يناير/كانون الثاني الماضي، حين هاجمهم المستوطنون بالسلاح وإطلاق النار، ولاحقوهم حتى أخرجوهم منها.

الصلاة أملهم

وأمام محاولات الاقتلاع الإسرائيلية، لجأ سكان طانا إلى "بيت الشيخ"، وكان أملهم وحبل وصلهم بقريتهم والدفاع عن أرضهم، التي حرمهم الاحتلال دخولها إلا للصلاة يوم الجمعة فقط.

وعن ذلك، يقول حنني "طالما كان بيت الشيخ وسيلة لحماية طانا، فمن مكان يأوي إليه الناس بعد هدم منازلهم، ثم إلى مدرسة يُعلِّمون فيها أبناءهم، صار مسجدا وشاهدا على حقنا في الأرض".

وأمام سياسات الاحتلال في هدم المنازل والمباني الفلسطينية، تحت حجج وذرائع واهية، تصمد هذه الأماكن مثل "بيت الشيخ" إلى حد ما، باعتبارها قائمة قبل احتلال الضفة الغربية عام 1967.

مصدر الصورة بيت الشيخ ظل صامدا رغم هدم كل المنازل والمنشآت الزراعية في طانا (الجزيرة)

ويلفت حنني إلى أنهم عام 2020 شكّلوا "الحملة الشعبية للدفاع عن طانا" لمواجهة سياسات الاحتلال وممارساته، وعمدوا إلى تهيئة "بيت الشيخ" ليكون مسجدا.

ويتابع أنهم في الحملة الشعبية أخذوا على عاتقهم تجهيز المسجد وتزويده بالمطلوب من مصاحف وكتب وخطيب وإمام، ودعوة الناس للصلاة والرباط فيه، "ليبقى شامخا وصامدا بوجه الاستيطان والتهويد".

ومع ذلك، لم يسلم "بيت الشيخ" من اعتداءات المستوطنين الذين يهاجمونه باستمرار، ويعيثون بمحتوياته فسادا ويعتدون على المصلين، لردعهم وتخويفهم ومنعهم من الصلاة فيه، لدرجة بات فيها إصلاحه وتعميره أمرا صعبا.

ويردف الناشط حنني "أحرق المستوطنون المصاحف وحطموا المنبر، وسرقوا محتويات المسجد لمنع المصلين الذين يصمدون ويحافظون على عروبة المكان".

مصدر الصورة بيت الشيخ استخدمه أهالي طانا مدرسة بعد هدم الاحتلال المدرسة المبنية من الصفيح في القرية (الجزيرة)

تبعات التهويد

وبتهويد طانا، يضع الاحتلال يده على 18 ألف دونم (الدونم = ألف متر مربع)، هي كل أراضيها، ويفصلها عن تواصلها الجغرافي والاجتماعي ببلدة بيت فوريك التي ستتحول إلى سجن كبير محاط ب المستوطنات ، وفق حنني.

إعلان

كما يريد الاحتلال قطع تواصل طانا عن امتدادها الطبيعي مع الأغوار الفلسطينية ، وبالتالي حرمان المواطنين من سلة غذائهم، والاستيلاء على مراعيهم وسهولهم التي "تكفي محافظة نابلس من حبوب القمح والشعير".

ومن أكثر من 10 آلاف رأس غنم و500 رأس بقر، تراجعت الثروة الحيوانية إلى 3 آلاف من الأغنام، و50 بقرة فقط، بسبب اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، خاصة بعد أن طرد الاحتلال أصحاب المواشي وشتتهم بعيدا عن القرية.

وبمصادرة كل أراضي القرية، سيحرم عشرات آلاف المواطنين من وجهتهم السياحية الوحيدة، التي تحوي ينابيع المياه وبركا رومانية.

مصدر الصورة طانا هُدمت 13 مرة وطال الهدم منازل الصفيح والكهوف والإسمنت على حد سواء (الجزيرة)

38 ألف اعتداء

وما فعله الاحتلال بطانا يواصله في خِرَب وقرى أخرى قريبة مثل "يانون" و"الطُويِّل" و"الفجم" و"دوما" شرق وجنوب نابلس، ومناطق عديدة بالضفة الغربية، لتهجير أهلها والاستيطان بها وربطها مع مستوطنات الأغوار.

وكشف تقرير رسمي لهيئة الجدار والاستيطان -مطلع الشهر الجاري- أن المستوطنين نفّذوا 38 ألفا و359 اعتداء شملت أراضي وممتلكات وحياة الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وهجَّروا بممارساتهم الإرهابية -إضافة لممارسات قوات وسلطات الاحتلال- 33 تجمعا بدويا، تتكون من 455 عائلة تضم 2853 فردا، من مساكنهم إلى أماكن أخرى.

سمح الاحتلال للأهالي بدخول طانا للصلاة في "بيت الشيخ" فقط، وقصرها على الجمعة، لكنهم يرفضون ويبقون على إقامتها بكل الأوقات، تعبَّدا ورباطا وتثبيتا لوجودهم بأرضهم.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا