آخر الأخبار

انتخابات هولندا.. هل تقودها إلى اليمين؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

أمستردام – منذ قرون، طوّع الهولنديون رياح بحر الشمال القوية والباردة لتحريك طواحين الهواء، ليس فقط لطحن الحبوب، بل لمكافحة الفيضانات وتصريف المياه. وأعادوا البحر الهائج فوق أرضهم المنخفضة إلى مسافات تسمح ببناء مدن بدلا عن المياه التي حجزوها بسدود ضخمة مكنتهم من الاستقرار والمضي في طريق الرفاه.

لكن، في هذا الخريف تهبّ رياح من نوع مختلف قد تعكر صفو هذا السكون، فرياح الخوف من صعود المتطرفين ومن الغضب الشعبي تهزّ بلدا كان مثالا للتسامح والتوافق.

وتشهد هولندا غدا الأربعاء انتخابات تشريعية مبكرة عقب استقالة الائتلاف الحكومي في يونيو/حزيران الماضي. ويقول المراقبون إن الهولنديين قد يجدون أنفسهم أمام مفترق طرق بين إرثهم الليبرالي وصعود اليمين المتطرف بقيادة خيرت فيلدرز ، الذي يلقّب بـ" ترامب الهولندي".

ويتصدّر فيلدرز، زعيم حزب "الحرية" اليميني المتطرف، استطلاعات الرأي، رغم رفض الطبقة السياسية الائتلاف معه، وكذلك رغم شعاراته المعادية للهجرة والإسلام، حيث شكل فوزه وتوليه رئاسة الحكومة في الدورة السابقة "أسوأ كابوس للتعايش والديمقراطية" في هولندا، حسب وصف المحللين.

من ناحية أخرى، تتجه الأنظار إلى انتخابات هذا البلد الصغير لا لأنه قوة عظمى، بل لأنه بات ميزان حرارة لما يعتمل في أوروبا الغربية من تحوّلات فكرية وسياسية.

خلفية مضطربة

يرى الباحث الهولندي والمحرر المشارك في مجلة "جدلية" معين ربّاني أن ما تعيشه هولندا اليوم لم يصنعه خيرت فيلدرز وحده، فالأحزاب التقليدية والليبرالية ساهمت -برأيه- في تمهيد الطريق لصعوده حين تبنّت بعض أطروحاته بشأن الهجرة والهوية، ففقدت تمايزها الأخلاقي والسياسي أمام ناخبيها.

ويضيف رباني، في حديث للجزيرة نت، أن وسائل الإعلام والسياسيين معا "منحوا اليمين المتطرف شرعية لا يستحقها حتى باتت أجندته هي الإطار الذي تدور داخله السياسة الهولندية".

إعلان

والنتيجة اليوم، حسب رباني، هي أن خطاب الكراهية صار جزءا من المشهد العادي، في وقت يجد فيه المهاجرون ومنهم المسلمون أنفسهم في مرمى الاتهام، حتى من سياسيين من أصول مهاجرة.

ومنذ عامين فقط، فاجأت هولندا أوروبا بفوز غير مسبوق لحزب "الحرية" اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز، والذي حصل على 37 مقعدا في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2023، منهيا حقبة هيمنة الحزب الليبرالي بزعامة مارك روته ، الذي أصبح اليوم أمينا عاما لحلف شمال الأطلسي ( ناتو ).

لكن الحكومة التي تشكّلت منتصف العام الماضي برئاسة ديك شوف وبمشاركة حزب فيلدرز، انهارت سريعا بعد أقل من عام بسبب خلافات حادة حول سياسات اللجوء.

مصدر الصورة زعيم حزب "الحرية" اليميني المتطرف خيرت فيلدرز يلقب بـ" ترامب الهولندي" (غيتي)

من "منبوذ" إلى لاعب محوري

نجح خيرت فيلدرز، السياسي الأشقر الذي عاش نصف حياته تحت الحراسة الأمنية، في تحويل نفسه من هامش اليمين إلى مركز المعادلة السياسية.

وجعله خطابه الحاد ضد الإسلام والمهاجرين، وعباراته التي وصف فيها القرآن بأنه "كتاب فاشي" ومطالبته بإغلاق المساجد، رمزا للكراهية. لكنه في الوقت نفسه أصبح بطلا شعبويا لجمهور واسع يرى فيه من يقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله.

في انتخابات 2023 قال بعد فوزه إن "الهولنديين يأملون أن يستعيدوا بلدهم وأن نضمن خفض تسونامي طالبي اللجوء والهجرة".

اللافت في هولندا أن الخطاب المتشدد لم يَعُد حكرا على اليمين المتطرف؛ فقد تبنّت أحزاب الوسط واليمين التقليدي، وخاصة الحزب الليبرالي، بعضا من خطاب فيلدرز في محاولة لاحتوائه، كما يقول ربّاني.

ويحذّر من أن بعض السياسيين الأكثر عداء للمسلمين هم أنفسهم من أصول مهاجرة، مثل زعيمة الحزب الليبرالي ديلان يسيلغوز، التي وصفها بأنها "من الداعمين المتحمسين للإبادة في غزة وتتهم معارضيها بمعاداة السامية".

أما المحلل في صحيفة "إن آر سي" توم يان ميوس، فيحذر من أن "من يتحالف مع فيلدرز يدفع ثمنا انتخابيا باهظا". ويرى الكاتب في الصحيفة ذاتها باس هاينه أن أنصار فيلدرز "يعيشون حالة من الرومانسية السوداء، لا يريدون أن تُنتزع منهم رؤيتهم الكارثية للعالم".



الهوية والخوف

تبدو الانتخابات استفتاء على معنى "الهوية الوطنية" أيضا؛ فالموضوعات التي كانت رموزا لتسامح هولندا من التعدد الثقافي إلى سياسات اللجوء والبيئة أصبحت في قلب الصراع الانتخابي.

ويتعهد فيلدرز بوقف الهجرة "نهائيا"، في حين يدعو اليسار بقيادة فرانس تيمرمانس إلى استعادة التوازن بين الأمن والإنسانية.

أما زعيمة الحزب الليبرالي ديلان يسيلغوز، فتحاول إعادة حزبها إلى موقع الاستقرار لكنها فقدت كثيرا من الثقة بعد تحالفها مع فيلدرز. وكانت قد تحسرت في يونيو/حزيران الماضي منتقدة انسحابه المفاجئ من الائتلاف. وقالت إنه "اختار غروره ومصالحه الخاصة، وألقى بفرصة تطبيق سياسة يمينية في سلة المهملات".

إعلان

في صحيفة "تلغراف" الهولندية، حذر زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي هنري بونتنبال مما وصفه بـ"التصويت العاطفي"، قائلا إن "من يصوّت لفيلدرز سيبقى في العراء، لأن حزب الحرية على الأرجح لن يتمكن من الحكم".

المهاجرون والمسلمون

وسط هذه المعركة السياسية، تشعر الجاليات العربية والمسلمة بأنها في مرمى الخطاب العام أكثر من أي وقت مضى.

ويقول نصر الدين طيبي، وهو محلل سياسي هولندي من أصل عربي، إن هذه الجاليات فقدت ثقتها في النظام السياسي "ليس فقط بسبب صعود اليمين المتطرف، ولكن لأن أحزاب الوسط بدأت تتبنى اللغة العدائية نفسها تجاه المهاجرين".

ويضيف للجزيرة نت أن "أحداث الشغب في أمستردام عام 2024 -التي بدأها مشجعون مؤيدون لإسرائيل- أعقبها تحميل سياسيين المسؤولية للمغاربة بدلا من العنصريين أنفسهم، في مشهد عمّق الشعور بالتمييز".

في حين يرى المحلل ربّاني أن "ما يجري في الغرب اليوم يُذكّر كثيرا بالطريقة التي استُقبل بها اليهود في أوروبا الغربية خلال أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إذ يجري اليوم نزع الشرعية عن المسلمين وتجريدهم من إنسانيتهم بدرجات خطيرة في هولندا".

ويضيف أن اليمين المتطرف يستغل خطابا ثقافيا زائفا ضد الإسلام باعتباره أيديولوجيا وليس ديانة، ليبرّر هدفا أعمق يتمثل في إقصاء المسلمين من الحياة العامة، بل من البلاد إن أمكن.

ويقول رباني إن الجالية المسلمة في هولندا ليست موحّدة؛ فهي تضم عربا وأتراكا وغيرهم من خلفيات ومستويات تعليمية واقتصادية متعددة، "وبالتالي يختلف حضورها السياسي وولاءاتها الانتخابية". ويرى أنهم ليسوا قوة سياسية مؤثرة جدا، وإن وُجدت شخصيات مسلمة في مواقع رسمية.

وحسب طيبي، رغم أن عدد المسلمين في هولندا يتجاوز المليون، فإن نحو نصفهم لا يشاركون في الانتخابات. ومع ذلك يمكن للصوت الإسلامي أن يكون حاسما لأن التنافس بين الأحزاب الكبرى متقارب جدا، خصوصا مع وجود حزب "دِنك" الذي يمثل المهاجرين، وتحالف حزبي الخضر والعمل الذي يستقطب كثيرا من الأصوات ذات الخلفية المهاجرة.



سيناريوهات ما بعد التصويت

تتوقع معظم استطلاعات الرأي منافسة محتدمة بين ثلاثة أحزاب:


* حزب الحرية "بي في في" (PVV).
* وتحالف حزبي الخضر والعمل "جيه إل/بي في دي إيه" (GL/PvdA).
* والحزب الليبرالي "في في دي" (VVD).

لكن، يتوقع المراقبون أن لا يتمكن أي من المتنافسين من الحصول على الأغلبية المطلقة (76 مقعدا من أصل 150 في البرلمان)، مما يجعل مفاوضات تشكيل الحكومة شاقة وقد تستمر لأشهر.

وترجّح صحيفة "إن آر سي" (NRC) "ولادة حكومة وسطية عريضة لعزل اليمين المتطرف"، في حين ترى صحيفة الغارديان أن هيمنة خطاب فيلدرز على الأجندة العامة ستستمر حتى لو فشل بالدخول إلى الحكومة.

ويرى المحلل نصر الدين طيبي أن الأحزاب التقليدية أمام لحظة حسم، "إما التحالف مع اليسار لتشكيل حكومة وسطية، وإما الدخول مجددا في مغامرة مع فيلدرز، وكلا الخيارين مكلف سياسيا".

ومهما كانت نتائج التصويت، فإن ما يجري في هولندا يتجاوز حدودها، كما يرى المراقبون؛ فهذا البلد الذي طالما قدّم نفسه بوصفه رمزا للتعددية والاستقرار، يعيش اليوم لحظة امتحان ديمقراطي نادر، فصعود فيلدرز، وسقوط حكومته، ثم احتمال عودته، كلها مظاهر لأزمة ثقة في أوروبا الغربية بأسرها، كما يقول معين ربّاني.

ويضيف "اليمين المتطرف لم يعد ظاهرة هامشية، بل أصبح جزءا من المشهد الطبيعي للسياسة الأوروبية".

ورغم هذه الصورة القاتمة، فإن كثيرا من المحللين لا يزالون يراهنون على "ثقافة التسويات" التي ميّزت السياسة الهولندية لعقود، لتجد البلاد طريقا وسطا يحمي قيمها من الانقسام ويعيد الثقة في ديمقراطيتها.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا