الفاشر- رغم إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر "الفرقة السادسة" بمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور غربي السودان، وتمدّدها في عدد من المواقع داخل المدينة، فإن "أصوات المقاومة لا تزال تتردد في أزقة المدينة"، وفق مصادر في المقاومة الشعبية.
وشدد أحد قادة المقاومة أحمد عبد القادر يحيى، للجزيرة نت، على أن "ما حدث جولة في معركة طويلة، وليس نهاية الطريق، فالفاشر ليست ثكنة عسكرية، بل مدينة لها ذاكرة من الصمود، من الثورة، من الرفض".
وأضاف "سنواصل الدفاع عنها، ولن نسمح بأن تُختزل في بيان عسكري أو مقطع فيديو"، مؤكدا "نحن لا نقاتل فقط من أجل الأرض، بل من أجل الكرامة، الفاشر لن تكون ورقة في صفقات القوى الإقليمية، ولن تُسلّم للمليشيات مهما طال الحصار".
أما المتحدث باسم المقاومة أبو بكر أحمد إمام، فيقول للجزيرة نت: "من يظن أن السيطرة على مقر الفرقة تعني سقوط الفاشر فهو واهم، كل حجرٍ في هذه المدينة يحمل ذاكرة مقاومة، وكل شارعٍ يعرف طريق الصمود، ما نشهده اليوم هو جولة، وليست نهاية المعركة".
وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت، اليوم الأحد، استيلاءها على مقر قيادة "الفرقة السادسة مشاة" بمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور غربي السودان، التي ظلت محاصرة منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024.
غير أن مصدرا عسكريا في الجيش السوداني أكد للجزيرة أن قواته انسحبت من مقر الفرقة وتركته مهجورا بعد معارك عنيفة كثفت فيها "الدعم السريع" استخدام الطائرات المسيّرة.
وأوضحت مصادر ميدانية للجزيرة نت أن الجيش السوداني كان قد أخلى مقر قيادة "الفرقة السادسة مشاة" في مدينة الفاشر قبل 3 أشهر، وانسحب مع قوات من القوة المشتركة التابعة لحركات الكفاح المسلح إلى حي الدرجة الأولى ومحيط جامعة الفاشر غربي المدينة.
وقال بيان صادر من المكتب الإعلامي للمقاومة الشعبية في الفاشر، صباح اليوم الأحد، إن المدينة تمر بمرحلة حرجة، ولم يبقَ لأهلها حصن أو ملاذ سوى الدفاع عن كرامتهم بالسلاح والمقاومة، في مواجهة ما وصفها بـ"المليشيات الإرهابية".
وأضاف البيان أن الفاشر تتعرض لحملة إعلامية مضللة، "تهدف إلى إثارة الهلع والنيل من الروح المعنوية للقوات"، مؤكدا أن دخول مقر الفرقة لا يعني سقوط المدينة، وجاء في البيان أن "الفاشر هي الحاجز والصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات وأحلام المليشيات، وستظل عصية بإذن الله وبعزيمة الرجال".
ورغم أن مقر الفرقة السادسة لم يكن مركزا للعمليات العسكرية الثقيلة، فإنه ظل يمثل مكاتب إدارية ورمزا للوجود الرسمي للجيش السوداني في دارفور، حيث ارتبط المقر في وجدان السكان بسلطة الدولة وهيبتها.
وفي السياق ذاته، قال مصدر عسكري رفيع للجزيرة نت -فضل عدم ذكر اسمه- إن "سقوط مقر الفرقة لا يعني سقوط الفاشر عسكريا، لكنه ضربة رمزية قاسية، فالناس هنا لا ينسون أن هذا المقر كان عنوانا للجيش منذ عقود". وأضاف أن "الفاشر ليست نيالا أو الجنينة؛ تصميم مقراتها العسكرية موزع على عدة مواقع، وهذا ما يمنحها قدرة على الصمود".
وبعد انسحابها من مقر الفرقة، أعادت قوات الجيش والقوة المشتركة تموضعها في مواقع أكثر تحصينا داخل المدينة. وحسب مصادر للجزيرة نت، تتمركز القوات حاليا في وحدة المدفعية، ومعسكر شالا غربا، ومحيط جامعة الفاشر، إضافة إلى تمركز بعض القوات في المطار العسكري وأحياء الدرجة الأولى وأبو شوك.
كما تواصل القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية الانتشار في مقر بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي "يوناميد" وغيرها. كما يتمركز الجيش والقوات المقاتلة معه في الأحياء الغربية، حيث تتصاعد المخاوف من تمدد الدعم السريع.
ويقول نقيب من القوة المشتركة -فضّل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت "نحن نعمل في ظروف صعبة، لكننا نحاول الحفاظ على الأمن داخل الأحياء لحماية المدنيين من الانتهاكات، هناك تنسيق وترتيبات لإعادة التمركز، وستظل الفاشر صامدة، فالمعركة لم تنتهِ بعد".
وقبل دخولها مقر الفرقة السادسة، كانت قوات الدعم السريع قد وسعت نطاق سيطرتها لتشمل مواقع إستراتيجية داخل المدينة. وحسب مصادر محلية، فإنها سيطرت على مقر الشرطة، ومقر إقامة والي شمال دارفور، ومبانٍ حكومية أخرى، إلى جانب أجزاء من أحياء "أولاد الريف"، و"الثورة"، والأحياء الجنوبية والشرقية للمدينة.
ونشرت قوات الدعم السريع مقاطع مصورة تظهر عناصرها وهم يتجولون داخل المقرات، ويرفعون أسلحتهم ويطلقون الأعيرة النارية في الهواء، مرددين شعارات النصر، وتُظهر بعض اللقطات احتفالا داخل مقر قيادة الفرقة، وسط غياب تام لأي وجود عسكري من الجيش.
منذ نحو عامين، يعيش سكان الفاشر تحت حصار خانق فرضته قوات الدعم السريع. ومع اشتداد المعارك مؤخرا، تفاقمت الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق، وسط تحليق الطائرات المسيّرة في سماء المدينة وتزايد المخاوف من التصفيات الميدانية غربا نحو مدينة طويلة.
وحسب أحدث بيانات ا لمنظمة الدولية للهجرة ، فإن 1070 شخصا نزحوا من مدينة الفاشر خلال يومين فقط، بين 19 و21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نتيجة لتدهور الوضع الأمني، وفرّ 770 شخصا إلى منطقة طويلة خلال الفترة من الثاني إلى الرابع من أكتوبر/تشرين الأول، في ظل تصاعد القتال وانعدام الأمان.
وفي أحد مراكز الإيواء المؤقتة بحي الدرجة الأولى، التقت الجزيرة نت أم محمد -وهي أم لخمسة أطفال- كانت قد فرّت من مخيم زمزم بعد سقوطه، وتقول بصوت متعب: "هربنا بعدما بدأ القصف، الآن نعيش في مدرسة تحوّلت إلى مخيم، لا ماء ولا طعام كافٍ، ننام على الأرض، ونقتات على ما نجده، لا نعرف إلى من نلجأ".
وتضيف "كل يوم نسمع عن عائلة قتلت في أثناء محاولتها الفرار غربا، الطريق إلى طويلة لم يعد آمنا، بل أصبح منطقة تصفيات، الناس يخشون حتى التفكير في المغادرة".
أما خالد، وهو متطوع في مبادرة محلية لإغاثة النازحين، فيقول للجزيرة نت إن "الوضع الإنساني كارثي، حيث يغامر المدنيون في الخروج إلى مدينة طويلة سيرا على الأقدام، لا توجد منظمات، ولا دعم دولي، الناس يعتمدون على علف الحيوانات المعروف محليا بالأمباز، وقد نفد تماما".
ويؤكد أن الأطفال يعانون سوء التغذية، كما يتعرضون هم والنساء إلى الموت يوميا جراء القصف، ويضيف أن "السماء لم تعد زرقاء، بل مليئة بمسيّرات الدعم السريع التي تحلق فوقنا طوال اليوم، أي حركة خارج المخيم تُعتبر تهديدا، الناس يخشون حتى الذهاب لجلب الماء أو الحطب، من يتحرك يُستهدف فورا".
من ناحيتها، قالت وزيرة الدولة للرعاية الاجتماعية سليمى إسحق شريف، للجزيرة نت، إن آلاف المدنيين -معظمهم من النساء والأطفال- يتعرضون لأخطار جسيمة في مدينة الفاشر.
وأضافت أن " المجتمع الدولي المتهاون يتحمل مسؤولية ما يحدث بسبب فشله في إجبار المليشيا على رفع الحصار"، مشددة على أن "الحرب التي تشنها مليشيا الدعم السريع موجهة ضد المدنيين".
ورغم انسحاب الجيش من مقره وسيطرة الدعم السريع على مواقع إدارية وعسكرية، فلا تزال الفاشر تقاوم. وهي المدينة التي واجهت الاستعمار، والحروب، والنزاعات القبلية، وظلّت تحتفظ بروحها. فسقوط مقر القيادة -حسب مراقبين محليين- قد يكون "ضربة رمزية"، لكنه ليس نهاية القصة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة