تكثّفت الاجتماعات بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس والوسطاء الدوليين في القاهرة والدوحة وتل أبيب، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار والانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، التي تُعدّ الأكثر تعقيداً وحساسية منذ اندلاع الحرب، على حد تعبير عدد من المصادر المقربة من الوفود المشاركة خلال حديثهم لبي بي سي.
قال أشرف أبو الهول الكاتب الصحفي ومدير تحرير الأهرام، إنه يبدو أن هناك بعض العقبات أمام المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ لم تتم المرحلة الأولى من الأساس.
وأشار إلى أن حماس بعد أن أطلقت جميع الرهائن الأحياء، بدأت تتباطأ في الإفراج عن الجثامين ربما كان ذلك خارجًا عن إرادتها، وربما تعمدت ذلك كما يقول الجانب الإسرائيلي، وتتخذ إسرائيل من ذلك ذريعة لتعطيل باقي البنود في المرحلة الأولى ومنها إدخال كميات أكبر من المساعدات وفتح معبر رفح، على حد تعبيره.
تضمنت المرحلة الأولى من الاتفاق وقفاً فورياً ومؤقتاً لإطلاق النار، مع إعادة تموضع جزئية للقوات الإسرائيلية داخل خطوط متفق عليها في قطاع غزة، كما شملت تبادل الرهائن والسجناء، وتسليم الجثامين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
ورغم هذه الخطوات، واجه التنفيذ عدداً من العقبات، أبرزها ملف جثامين الرهائن الإسرائيليين، الذي قالت مصادر دبلوماسية مصرية لبي بي سي إنه كان التحدي الحقيقي الأول الذي واجه تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة، إذ تصر تل أبيب، طبقا لتصريحات مسؤوليها، على استعادة كل الجثامين قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية، بينما أكدت حركة حماس، في عدد من البيانات الرسمية وتصريحات على لسان وفدها المفاوض، أنها سلّمت ما لديها من جثامين، مشيرة إلى صعوبات لوجستية وأمنية تحول دون الوصول إلى مواقع أخرى تحت الأنقاض.
ومع ذلك، قالت مصادر في البيت الأبيض لـ"بي بي سي" إن المرحلة الأولى من الاتفاق "نجحت وتمت بصورة مناسبة"، مشيرة إلى اكتمالها بانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الخط الأصفر، ووقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وتبادل السجناء الفلسطينيين مع الرهائن الإسرائيليين الأحياء.
تُعد المرحلة الثانية من الاتفاق الأكثر حساسية، إذ أن هذه هي المرحلة التي سترسم شكل الحل النهائي للحرب. ويزيد من تعقيد الوضع، بحسب مصادر دبلوماسية مصرية وأميركية تحدثت لبي بي سي، عدم تقديم حماس موافقة رسمية مسبقة على بنود هذه المرحلة، حيث أحالت الحركة القضايا المطروحة إلى "موقف وطني جامع"، باعتبارها قضايا تتجاوز حدود غزة وتمسّ مجمل القضية الفلسطينية.
أفادت مصادر مقربة من الوفد الاميركي المشارك في المفاوضات، أن إحدى العقبات المعطلة للمرحلة الثانية، طلب اسرائيل استمرار حرية العمل العسكري في مناطق القطاع لمعاقبة حماس إذا أرادت اسرائيل.
وتقول مصادر مقربة من الوفود المفاوضة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على الاتفاق تحت ضغط أميركي كبير، مشيرة إلى أن الاتفاق الحالي لوقف إطلاق النار لا يعالج جذور الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وهو ما قد يهدد استدامته ويزيد من تعقيد البنود الخلافية بين الأطراف.
ذلك ما أكده المحلل المصري أشرف أبو الهول، الذي أوضح أنه حتى الآن لم يتم تحديد جدول زمني للمرحلة الثانية، موضحًا أن أبرز التحديات والعقبات أمام المرحلة الثانية هو رفض حماس لتسليم سلاحها، كما أن هناك تعطيلًا في تشكيل القوة الدولية التي يفترض أن تحكم غزة، إذ يبدو أن هناك قوى ترفض دخول غزة قبل تسليم أسلحة حماس، ما يعطي إسرائيل فرصة حيث أنها تحاول الاستفادة من هذا الوضع والتنصل من الاتفاق برغم محاولات الضغط الأمريكية على إسرائيل لإتمام الاتفاق من خلال الزيارات الرسمية المتتالية لإسرائيل، بحسب وصفه.
وبحسب أبو الهول، يأتي من العقبات أيضًا، موافقة الكنيست الإسرائيلي بشكل مبدأي على ضم أجزاء من الضفة الغربية، الأمر الذي قد يعقد الأمور أكثر.
مرحلة وصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري بالـ"صعبة للغاية"، مرجعا ذلك لإرجاء كثير من مناقشات المرحلة الثانية لضمان إنجاز المرحلة الأولى التي استضافتها مدينة شرم الشيخ.
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر تدوينة على منصة "تروث سوشيال" بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، لكن مصادر مطلعة على مجريات المفاوضات اعتبرت هذا الإعلان "غير واقعي". وأوضح مصدر مصري مقرّب من المحادثات أن مفاوضات المرحلة الثانية لم تبدأ عملياً، بل لا تزال مطروحة "نظرياً فقط"، في ظل استمرار الخلافات حول عدد من القضايا الأساسية.
وتشمل أبرز هذه القضايا مستقبل حركة حماس داخل القطاع، سواء على مستوى الكوادر أو ككيان سياسي، إضافة إلى ملف إعادة إعمار غزة قبل نهاية العام الجاري، ومصير إدارة القطاع، لا سيما ما يتعلق بتركيبة الأجهزة الأمنية وقوات الشرطة، التي جرى تدريب بعضها في مصر لتولي مهامها في المرحلة الانتقالية.
من بين النقاط الخلافية الأخرى، مسألة إدخال "قوة عسكرية عربية دولية" إلى قطاع غزة، وهي خطوة تدفع بها كل من مصر والولايات المتحدة، على أن تُنفذ في أقرب وقت ممكن. لكن إسرائيل تعارض إدخال هذه القوات في المرحلة الحالية، بحسب ما علمت بي بي سي من مصادر دبلوماسية.
وذكرت المصادر ذاتها أن عدداً من الدول أبدى اهتماماً بالمشاركة في هذه القوة، من بينها أذربيجان وقطر والأردن وإندونيسيا وتركيا، فيما أبدت إسرائيل اعتراضاً واضحاً على وجود أي قوات تركية ضمن هذه القوة.
وتعمل مصر حالياً، بالتعاون مع عدد من الدول، بحسب ما أفادت به مصادر مطلعة لبي بي سي، على دفع مقترح لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسمح بإنشاء قوة متعددة الجنسيات تحت مظلة قانونية، تتولى مهمة الحفاظ على وقف إطلاق النار ودعم الاستقرار في القطاع.
يبقى ملف نزع سلاح حركة حماس والفصائل الفلسطينية أحد أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في المرحلة المقبلة من الاتفاق، لما له من أبعاد أمنية وسياسية تتجاوز حدود قطاع غزة.
وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه "لا يوجد جدول زمني قطعي" لنزع سلاح الحركة، لكنه شدد على أن "على حماس القيام بما يقع على عاتقها خلال هذه المرحلة"، دون تقديم تفاصيل حول آليات التنفيذ. وفي مقابلة لاحقة مع شبكة "فوكس نيوز"، أضاف ترامب: "إذا لم يفعلوا ما هو متوقع منهم، سنقوم نحن بذلك".
من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الحرب في غزة ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية من الهدنة، والتي تشمل نزع سلاح حركة حماس. وفي تصريحات للقناة الرابعة عشرة الإسرائيلية، قال نتنياهو إن "المرحلة الثانية تشمل نزع سلاح حماس، أو بشكل أدق، نزع السلاح من قطاع غزة. بعد تجريد حماس من أسلحتها، عندما يكتمل ذلك بنجاح، ونأمل أن يتم بطريقة سهلة، وإن لم يحصل كذلك فبطريقة صعبة، عندها ستنتهي الحرب".
وفيما يتعلق بموقف حركة حماس من ملف نزع السلاح، فقد صدرت تصريحات متضاربة، حيث نقلت وكالة رويترز عن القيادي في الحركة، محمد نزال، أن "حماس تعتزم الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية في غزة خلال فترة انتقالية"، وهو ما أثار جدلاً واسعاً حول نوايا الحركة بشأن ترتيبات ما بعد الحرب، لكن حماس نفت هذه التصريحات لاحقاً في بيان رسمي.
وفي تصريحات خاصة لبي بي سي، أكدت مصادر مقربة من حركة حماس أن الحركة قدّمت، عبر الوسطاء المصريين، قائمة تضم أكثر من 40 شخصية "وطنية مستقلة"، بهدف اختيار هيئة من التكنوقراط لتولي إدارة الشؤون المدنية والإنسانية في قطاع غزة خلال المرحلة الانتقالية.
وقالت المصادر إن الهدف من هذه الخطوة هو "تشكيل فريق يضم ما بين 10 إلى 15 شخصية مستقلة تنظيمياً ولا تنتمي إلى أي فصيل سياسي، حتى لا تُمنح إسرائيل ذريعة للقول إن حماس لا تزال تدير المشهد في غزة".
في هذه الأثناء، تتزايد الجهود الإقليمية والدولية لتأمين الأرضية السياسية والتنفيذية للمرحلة الثانية من الاتفاق، وسط تنسيق متصاعد بين القاهرة وواشنطن وعدد من العواصم الأوروبية والعربية. وبحسب دبلوماسيين تحدّثوا لبي بي سي، فإن الأطراف الراعية للاتفاق تسعى إلى الحفاظ على الزخم الحالي، وتجنب أي انهيار محتمل في التفاهمات، عبر الدفع نحو ترتيبات أمنية وإدارية واضحة، تُهيّئ لمرحلة أكثر استقراراً في غزة.