عمّان، الأردن ( CNN ) -- أحدث قرار وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية، بإغلاق جمعية مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث في البلاد قبل أيام، جدلًا في الأوساط الإعلامية والسياسية .
ووجّه النائب في البرلمان الأردني، خميس عطية سؤالًا مفصلًا إلى وزير الأوقاف محمد الخلايلة حول طبيعة المخالفات المنسوبة للمركز، الذي عمل على تأسيسه أتباع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني منذ عام 2001.
. ويُعد الشيخ الألباني أبرز المُحَدِثين لما يُعرف بـ“السلفية العلمية” أو “السلفية الدعوية”. وقد هاجر من ألبانيا إلى دمشق واعتقل في سجونها، ثم رحل إلى الأردن، ليبدأ نشاطًا دعويًا عاما استمر حتى وفاته عام 1999 .
وللتيار الألباني أو السلفية العلمية "أتباع ومريدون" يُقدرون بنحو 10 آلاف في الأردن، وفق تقديرات غير رسمية، وعمل المركز في تدريس العلوم الشرعية والحديث.
ومن المنتظر، أن يوّجه النائب عطية رئيس كتلة "إرادة والوطن الإسلامي"، سؤاله وجاهيا للحكومة، فور انعقاد أولى جلسات الدورة العادية الثانية المرتقبة لمجلس الأمة بغرفتيه، والمقررة في 26 أكتوبر/تشرين الأول المقبل .
وتسبّب نص القرار، الذي تسرب إلى وسائل إعلام محلية حول أسباب الإغلاق بجدل كبير، وتناولت إذاعة "حسنى" المجتمعية واسعة الانتشار في البلاد القضية، وهاجم أحد مذيعيها المعروفين، قرار الوزير، وتساءل عن دور الوزارة في منع ترخيص محلات المشروبات الكحولية .
وبحسب كتاب وزارة الأوقاف الأردنية الصادر في 14 أكتوبر/تشرين الأول، فقد أرجع الوزير القرار إلى تنسيب لجنة تراخيص المراكز الإسلامية، بسبب "تدريس ونشر أفكار تتعارض مع الفكر الديني العام للمجتمع الأردني، وتمس الثوابت الدينية والعقدية، وتخرج عن الأهداف التي أُسس المركز لأجلها”، وهو ما يؤدي إلى “العبث بالوحدة الوطنية والتنوع الثقافي والاجتماعي” ويتعارض مع “رؤية الوزارة”، التي تعزز "الوسطية والاعتدال والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة".
من جهته، أكد النائب عطية لموقع CNN بالعربية، أن سؤاله النيابي الذي تضمن 3 بنود وتم إرساله إلى الحكومة استنادا إلى صلاحياته الرقابية، مرده أن "القرار الحكومي بالإغلاق وإيقاف الأنشطة لم ينطو على توضيح، لطبيعة المخالفات التي ارتكبها المركز بشكل دقيق".
وطلب النائب إيضاح سبب الإغلاق بشكل مفصل، خاصة بعد مرور "15عامًا على أداء رسالته القائمة على تعزيز التواصل مع العلماء وطلبة العلم، والاهتمام بالمرأة والطفل والأسرة المسلمة، والمساهمة في العمل الخيري وخدمة المجتمع المحلي".
وفي 16 يوليو/تموز من العام الجاري، صدر تشريع "نظام التكايا والزوايا" للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وهو ما اعتبره الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، خطوة مركزية رسمية لمأسسة "التيار الصوفي الأشعري" في البلاد .
ونص التشريع، على تشكيل مجلس "للتكايا والزوايا والطرق الصوفية"، يتألف من 7 أعضاء من شيوخ الطرق الصوفية المعتمدة في المملكة، ويسمح بترخيص الزوايا والطرق الصوفية .
من جانبه، ربط الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، في حديثه لموقع CNN بالعربية، بين قرار إغلاق مركز الشيخ الألباني والتوجه نحو اعتماد "الهوية الدينية الصوفية والأشعرية ومذهب الشافعية" في البلاد مشيرا، إلى أن تيار الألباني التي يتبعه أكثر من 10 آلاف مريد، قد مر بـ"مراحل تطوّر عديدة" من حيث التوسع متمسكا بخطابه "العلمي" كتيار سلفي محدّث، بعيدا عن التيار السلفي الجهادي أو السلفية الإصلاحية .
وتسلّم قيادة التيار بعد وفاة الألباني في 1999، الشيخ علي الحلبي ومن بعده الشيخ مشهور حسن آل سلمان، وشهد المركز خلال جائحة كورونا إغلاقا مؤقتا .
ويقول أبو هنية: "باعتقادي أن خطوة إغلاق المركز، ومن قبلها صدور تشريع لترخيص الزوايا والطرق الصوفية، يندرج فيما يسمى عالميا بضبط السياسات الدينية، وهو ما كان دائما محط مراجعات سياسية وأمنية في العالم العربي".
ولفت أبو هنية، إلى، أن فكرة إنشاء مجلس أعلى للتصوف طرحت في الثمانينيات، إلا أنها لم تنجح في حينه، بسبب الخلافات بين مشايخ الطرق الصوفية وضعف تنظيمهم آنذاك .
وأشار إلى أن "السلفية العلمية"، التي أسسها الألباني واستقرت في الأردن في بدايات الثمانينيات – تبنّت شعار “ترك السياسة” حتى الآن، وأن "محاولات الاستثمار رسميا بخطابها ليكون في مواجهة السلفية الجهادية والفكر المتطرف، برز بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وخلال الربيع العربي"، برأي أبو هنية .
وقال أبو هنية: "قدمت بعض رموز السلفية العلمية مثل الشيخ علي الحلبي، لمواجهة خطاب الإرهاب والجهادية، وبعد سبتمبر وصولا إلى الربيع العربي وما بعده، ظهرت مقاربات جديدة، إذ رأت دول مثل الأردن والمغرب أن السلفية العلمية، قد فشلت في تأثيرها خلال الربيع العربي، لكن تجارب البعض كما حدث في مصر من تحول للعمل السياسي كما حصل في حزب النور، دفع بالتوجه نحو بلورة اتجاهات "التيار الصوفي الأشعري"، عبر تبني كراسي علمية للإمام الرازي والغزالي ووقفيات وغير ذلك"، على حد قوله.
ويعتقد أبو هنية، بأن التيار الألباني الذي اعتمد على الدعوة في المساجد وحلقات العلم، لم يعد ضمن الهوية الرسمية الدينية للدولة، وأن "إدارة الشأن الديني تتجه نحو توحيد المرجعية الصوفية الأشعرية الشافعية".
ورجح أبو هنية، أن يواصل تيار الألباني في البلاد، نشاطه الدعوي بشكله التقليدي في المجتمع، دون أن يعمل بشكل هيكلي أو مؤسسي على غرار عقود سابقة. وأضاف: "لن نجد خطابهم في المؤسسات الدينية الآن"، مشيرا إلى أن "حصر التعددية الدينية بالعموم ليس مجديا"، حسب رأيه.