في جولة الصحف اليوم نتناول موضوعات متفرقة من محادثات اتفاقية دفاعية سعودية أمريكية إلى محاولات نزع سلاح حركة حماس وتقرير عن الكارثة البيئة التي خلفتها الحرب في غزة.
البداية من صحيقة الفاينانشال تايمز وتقرير بعنوان "السعودية تُجري محادثات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاقية دفاعية"
يستكشف أندرو إنجلاند، وأبيجيل هاوسلونر، وأحمد العمران في تقريرهم المُفصّل، مساعي المملكة العربية السعودية المُتجددة لتأمين اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس ترامب. ويُبرز المقال، الغني بالسياق والتفاصيل الجيوسياسية، طموح المملكة الراسخ لإضفاء الطابع الرسمي على الضمانات الأمنية الأمريكية في ظل تزايد التقلبات الإقليمية.
ويكشف الكُتّاب أن الرياض تأمل في وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية "متينة" خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المُقبلة إلى واشنطن، مُشيرين إلى توقعات بـ"تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي". ويُوضح التقرير أن هذه الاتفاقية قد تُحاكي الاتفاقية الأمريكية القطرية الأخيرة، التي تعهدت بالتدخل الأمريكي في حال تعرّض الدوحة لهجوم. ونقلاً عن مسؤول كبير في إدارة ترامب، تُشير فاينانشال تايمز إلى أن "التفاصيل مُتغيرة"، مما يعكس الطبيعة الحساسة للمفاوضات الجارية.
ويضع المقال هذا التطور في إطار إعادة تقييم استراتيجية أوسع نطاقا في الخليج. مشيرا إلى أن "المملكة العربية السعودية - التي سعت طويلا إلى إبرام اتفاقية دفاعية أمريكية - أمضت شهورا في التفاوض على معاهدة دفاعية مع إدارة بايدن"، لكن هذه الجهود انهارت بعد حرب غزة. ويوضح كتاب المقال أن إصرار الأمير محمد على أن التطبيع مع إسرائيل يتوقف على قيام دولة فلسطينية لا يزال يشكل عقبة رئيسية، نظرا لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يعارض بشدة" مثل هذه الخطوة.
ويُسلط الخبراء الذين استشهد بهم المقال الضوء على الطبيعة الملحة لأهداف الرياض وتعقيدها. ويجادل فراس مقصد من مجموعة أوراسيا بأن "تعزيز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية"، رابطا الضمانات الدفاعية بأجندة ولي العهد التنموية المحلية البالغة تريليون دولار. وتصف كيرستن فونتينروز، المسؤولة السابقة في البيت الأبيض، بإيجاز الهدف السعودي بأنه "قطري زائد" - صفقة من شأنها أن تتجاوز اتفاقية الدوحة الأخيرة من خلال تضمين أسلحة متطورة ومبادرات مشتركة لمكافحة الطائرات المسيرة.
ومع ذلك، يُشدد التقرير أيضا على الشكوك المُستمرة حول موثوقية الولايات المتحدة. ويُشير إلى أن "الولايات المتحدة لم تُقدم الكثير للرد على هجوم صاروخي وطائرات مُسيّرة ضربت قلب البنية التحتية النفطية السعودية عام 2019 نفذه الحوثي". كما لاحظ التقريرأن اتفاقية "الدفاع الاستراتيجي المُشترك" التي أبرمتها المملكة مؤخرا مع باكستان تُشير إلى نية الرياض التحوّط في رهاناتها - حتى مع استمرارها في النظر إلى واشنطن كضامنها الأمني الرئيسي.
وإلى صحفية الغارديان ومقال تحليلي بعنوان "هدف حماس للحفاظ على سلطتها في غزة يكمن في الاحتفاظ بسلاحها".
ويشرح المقال الذي أعده، جيسون بيرك، سبب "استخدام الحركة للعنف لردع منافسيها" في خضم الفوضى التي أعقبت انسحاب إسرائيل من معظم غزة. ولا يُصوّر بيرك حماس كفصيل مسلح فحسب، بل كحاكم مُستمر للقطاع: إذ يُشير المقال إلى أن عمال الإغاثة لطالما أشاروا إلى الحركة بـ"السلطة الفعلية"، وهو "تعبير مُلطّف بعناية"، كما يرى بيرك، "يُجسّد حقيقةً مهمة".
ويُبيّن بيرك كيف أن حماس، في ظل "غياب القانون والنظام وأي إدارة بديلة في ظل وقف إطلاق النار"، قد سرّعت حملتها لترسيخ سيطرتها على ما يقرب من نصف غزة - باستخدام الاستعراضات العامة والمناوشات والإعدامات خارج نطاق القضاء- حسب وصفة، لترهيب منافسيها والعصابات الإجرامية. ويبدو الكاتب واضح الرؤية بشأن "دوافع حماس" وهي حسب قوله إن هناك الآن أولويات جديدة، وهي لا تتضمن التخلي عن السلاح"، مشيرا إلى أن الحركة ترى أن السلاح ضروري ليس فقط لمقاومة إسرائيل، بل للحفاظ على احتكارها للعنف في الداخل، بحسب الكاتب.
ويحاول الكاتب أن يوازن في مقاله بين القلق الأخلاقي ووجهات النظر المحلية. ويقتبس بيرك أقوال مدنيين يدينون ويؤيدون في الوقت نفسه عدالة حماس القاسية - حيث قال أحد النشطاء لبي بي سي إن "الإعدامات دون محاكمة عادلة جريمة"، بينما تقول نجلاء جندية إنها "تشجع بشدة الإجراءات المتخذة ضد اللصوص ومسببي الفوضى". ومن خلال هذه الأصوات، يوضح الكاتب الحسابات "القاتمة"، بحسب وصفه، التي تواجه سكانا مصدومين يتوقون إلى النظام حتى على حساب الإجراءات القانونية الواجبة.
كما يضع بيرك هذه الظاهرة في سياق سياسي: رفض إسرائيل اقتراح إدارة بديلة واستبعاد السلطة الفلسطينية تركا فراغا تملأه الجماعات المسلحة. ويُشدد الكاتب على الحدود العملية للخطط الدولية - مستشهدا بمقترح دونالد ترامب المكون من عشرين نقطة - ويخلص إلى أن النتيجة الأكثر ترجيحا وهي نزع جزئي للسلاح: إذ قد تتخلى حماس عن الأسلحة الثقيلة "لكنها سترفض تسليم الأسلحة الأخف التي ستسمح لها بسحق أي معارضة لحكمها". وفي تقدير بيرك، حتى لو استُبعدت حماس رسميا من الحكم، فمن المرجح جدا أن تظل "السلطة الفعلية" في المستقبل المنظور.
وفي المجمل يحاول بيرك في مقاله، الذي يُعد من وجهة نظره مقدمة مفيدة لسبب كون نزع السلاح تحديا سياسيا بقدر ما هو تحد عسكري - الإجابة على السؤال الأهم وهو لماذا يجب على أي سلام دائم في غزة أن يُعالج مسألة من يحكم، وليس فقط من يُقاتل.
ونختم جولة الصحف بصحيفة الإندبندنت الإلكترونية ومقال بعنوان "مياه مسمومة وشبكة كهرباء محطمة: غزة في حالة انهيار بيئي بعد الحرب، وفقًا لتقرير" (ستوتي ميشرا)
تكشف الكاتبة ستوتي ميشرا في تحليلها عن حجم الدمار البيئي الذي خلّفته الحرب في غزة بعد قرابة عامين. واستنادا إلى تقرير جديد صادر عن معهد عربة، ترسم ميشرا صورة لمنطقة "على شفا الانهيار التام" - ليس سياسيا واجتماعيا فحسب، بل بيئيا أيضا. ويُسلّط تقريرها الضوء على أن تعافي غزة "قد يكون مستحيلا دون اتخاذ إجراءات عاجلة"، خصوصا بعد أن دُمّرت تقريبا جميع عناصر بيئتها الطبيعية والعمرانية.
واستشهدت الكاتبة بنتائج التقرير، مشيرة إلى أن "69 في المئة من البنية التحتية في غزة قد تضررت" وأن "حوالي 80 بالمئة من جميع الأراضي الزراعية" قد دُمرت. وتوضح أن هذه الأرقام تُشير إلى "انهيار بيئي يُهدد إمكانية التعافي نفسها". ويؤكد المقال أن هذه الأزمة تتجاوز المعاناة الإنسانية: إذ أن الأرض نفسها - المضغوطة والمتآكلة والمجرّدة من تربتها السطحية الخصبة - لم تعد قادرة على دعم الحياة.
وتنقل الكاتبة في مقالها عن الدكتور ديفيد ليرر من معهد وادي عربة وصفه وضع غزة بأنه "تدهور بيئي متسارع - فالمياه المسمومة، والأراضي الزراعية المدمرة، وشبكة الكهرباء المنهارة تدفع المنطقة إلى حافة الهاوية". ويُجسّد تحذيره الصارخ، بحسب الكاتبة، الحجة المحورية للتقرير، وهي أن التدهور البيئي أصبح الآن جزءا لا يتجزأ من الكارثة الإنسانية في غزة. فمع "مواجهة 93 في المئة من الأسر" لانعدام الأمن المائي وتسرب مياه الصرف الصحي الخام إلى الشوارع وطبقات المياه الجوفية، تشدد ميشرا على أن مخاطر الصحة العامة قد "تمتد إلى ما وراء حدود غزة".
كما يُشير المقال إلى انهيار توليد الكهرباء، الذي انخفض "بأكثر من 80 في المئة"، وتدمير سبل عيش الصيادين بسبب القيود الأمنية الإسرائيلية. ومع ذلك، ترى ميشرا بصيص أمل في مقترحات التقرير بشأن "استراتيجية تدريجية بقيادة المجتمع" - تشمل شبكات الطاقة الشمسية الصغيرة، وأنظمة تنقية مياه الصرف الصحي الحيوية، والبناء باستخدام الأنقاض المعاد تدويرها. ويحث التقرير على أن "انتظار السياسة ليس خيارا"، داعيا إلى اتخاذ إجراءات فورية ومحلية لإعادة بناء الأنظمة الأساسية.
وتختتم ميشرا تقريرها بوضعه في سياق وقف إطلاق النار الهش في غزة وعدم اليقين بشأن الحوكمة والتمويل. ويجادل مقالها في النهاية بأن إعادة الإعمار يجب أن تتجاوز مجرد البناء والمساعدات - بل يجب أن يواجه الدمار البيئي نفسه. وبحسب تحذير الدكتور ليرر، فإن إعادة الإعمار دون إعادة تأهيل الأرض "سيترك غزة عالقة في دوامة الأزمات".