في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
نابلس- بعد أن رفضت سلطات الاحتلال إدراج اسمه في عدة صفقات تبادل أسرى سابقة، بذريعة أنه "رمز خطير"، تنفس الأسير نادر صدقة الحرية أخيرا بعد 21 عاما، كان فيها الأسير السامري الوحيد في سجون الاحتلال .
وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترى في نادر نموذجا يُهدد سرديتها حول "التعايش مع الأقليات"، ويمكن أن يُعيد الاعتبار ل لطائفة السامرية كجزء من الهوية الوطنية الفلسطينية، لذلك حرصت على إبقائه في الأسر، رغم مناشدات عائلته وشخصيات سامرية بالإفراج عنه.
وهو ما يؤكده منسق اللجنة الوطنية لدعم الأسرى في نابلس مظفر ذوقان، حيث يصف حالة نادر صدقة بأنها "فريدة من نوعها"، مشيرا إلى أنه "تنكّر للانغلاق الطائفي واختار أن يحمل همّ القضية الفلسطينية كجزء من ذاته وهويته".
ويؤكد ذوقان للجزيرة نت أن نادر لم يواجه أي تمييز داخل السجون بسبب خلفيته الدينية، موضحا أنه كان "وطنيا بكل معنى الكلمة، يرى نفسه فلسطينيا أولا وأخيرا"، كما تحوّل في السجن إلى شخصية فكرية بارزة بين الأسرى، ولُقّب بـ"المفكر" بسبب ثقافته الواسعة ودروسه في التاريخ والسياسة التي كان يقدمها لرفاقه.
على سفح جبل جرزيم في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، حيث يقيم أبناء الطائفة السامرية -أصغر طائفة يهودية في العالم- وُلد الأسير المحرر نادر صدقة عام 1977، حيث نشأ في بيئة فلسطينية أصيلة رغم خصوصيتها الدينية، ودرس التاريخ والآثار في جامعة النجاح الوطنية.
ومن على مقاعد الدراسة الجامعية بدأ وعيه الوطني بالتبلور، فخلال سنواته الدراسية انخرط في النشاط الطلابي المناهض للاحتلال، وكان ناشطا بارزا في إطار جبهة العمل الطلابي التقدمية التابعة ل لجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وتميّز بدوره الفاعل في التعبئة الفكرية والتنظيمية.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، التحق نادر بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليصبح لاحقا قائدا ل كتائب الشهيد أبو علي مصطفى في نابلس.
وبعد مطاردة استمرت نحو عامين، اعتقله جيش الاحتلال في أغسطس/آب 2004 عقب عملية عسكرية في مخيم العين، وخضع لتحقيق قاس في مركز "بيتاح تكفا" المعروف بشدته، لكنه صمد ولم يعترف رغم التعذيب النفسي والجسدي.
لاحقا، أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية حكما قاسيا بحقه بلغ 6 مؤبدات و45 عاما، بعد توجيه 35 تهمة ضده، من بينها التخطيط لهجمات ضد مواقع عسكرية إسرائيلية.
برز نادر في نشاطه داخل السجن، وشارك في معظم الإضرابات الجماعية، وعُرف بقدرته على التفاوض مع إدارة السجون مستخدما إتقانه للعبرية، وكتب مقالات وأبدع رسومات تم تهريبها إلى الخارج، عبّرت عن وعيه الوطني العميق وتمسّكه بمبدأ الوحدة ورفض التطبيع ، ليصبح رمزا للأسير المثقف والمقاوم، الذي لم تنكسر إرادته رغم أكثر من 20 عاما من الأسر.
ويشير ذوقان إلى أن نادر عاش الظلم ذاته الذي يعيشه أبناء شعبه، وشاركهم المعاناة والهم الوطني، فكان زملاؤه الأسرى ينظرون إليه كجزء أصيل من النسيج الوطني الفلسطيني، تمامًا كما تُعدّ الطائفة السامرية نفسها جزءا متجذرا في هذا النسيج، لا تنفصل عن قضايا الوطن وهمومه.
ولا يميّز الاحتلال الإسرائيلي في تعامله بين الأسرى الفلسطينيين باختلاف خلفياتهم الدينية أو الفكرية، إذ يقول ذوقان "كل من يمارس النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي يُعامَل بالطريقة ذاتها، سواء كان مسلما أو مسيحيا أو سامريا أو حتى يهوديا".
ويوضح أنه "بالنسبة للاحتلال، لا قيمة للانتماء الديني أو السياسي، إذ ينظر إلى الأسرى جميعا من زاوية واحدة تتعلق بما يسميه: أمن الكيان، ويتعامل معهم بالأسلوب نفسه في الاعتقال والعقوبات وصفقات التبادل".
ويضيف أن حالة صدقة تمثل نموذجا واضحا لهذه السياسة، "إذ لم يشفع له انتماؤه للطائفة السامرية في أي معاملة مختلفة، بل على العكس، تم إبعاده إلى مصر بعد الإفراج عنه اليوم، شأنه شأن أي أسير فلسطيني مناضل".
"نادر اليوم محبوب ومقدَّر من أبناء الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، ومن مختلف الفصائل، الجميع يعتبره رمزا وطنيا من أبناء الوطن الذين دفعوا ثمن مواقفهم" يقول ذوقان.
جاره وابن طائفته، إسحاق رضوان، يقول للجزيرة نت إن نادر صدقة كان معروفا بين أبناء الطائفة السامرية، "فنحن طائفة صغيرة ويعرف بعضنا بعضا". ورغم فارق العمر بينهما، فإنه التقاه مرارا في طفولته، يتذكر رضوان جيدا شخصية صدقة التي بدت عليها ملامح القيادة منذ الصغر.
ويضيف "كان نادر طالبا متفوقا في مدرسته واجتماعيا إلى درجة كبيرة، يحظى باحترام كل من حوله".
ويصف رضوان مشاعره تجاه الإفراج عن صدقة بأنها تختلط بين الفرح والحزن؛ فرغم الحرية، فإن إبعاده عن مدينته وأهله يعني حرمانه من الحياة الطبيعية التي انتظرها سنوات طويلة. يقول "تجربة الأسر الطويلة ستترك أثرا كبيرا في حياته، لكننا نتمنى أن يجد في حريته ما يعوضه عن سنوات العذاب والسجن".
وكحال العديد من الأسرى المحررين، تواجه عائلة صدقة تهديدات من سلطات الاحتلال في حال أقامت أي مظاهر احتفال أو أدلت بتصريحات إعلامية، مما دفع والدته إلى الامتناع عن الحديث للجزيرة نت، مؤكدة أن الاحتلال حذرهم بشكل مباشر من إجراء أي مقابلات تتعلق بابنهم المحرر، تحت طائلة العقاب.
وبحكم عمله كمنسق للجنة الوطنية لدعم الأسرى، زار ذوقان قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 منزل الأسير نادر صدقة في جبل جرزيم، ويستذكر تلك الزيارة قائلا "ذهبنا إلى بيت والدته، وكانت امرأة معطاءة وذات معنويات عالية جدا، تتحدث عن نادر بفخر، وتعتبره مناضلا فلسطينيا أصيلا".
ويشير ذوقان إلى أنه لا يعرف نادر معرفة شخصية مباشرة، لكنه عرف عنه الكثير عبر شقيقه المحرر أمير ذوقان، الذي جمعته به علاقة نضالية خلال انتفاضة الأقصى.
ويضيف "أخي أمير اعتُقل عام 1990 وهو في 15 من عمره، ومنذ ذلك الحين نشأت بيننا علاقات تنظيمية وإنسانية مع قيادات الجبهة، ومن بينهم نادر صدقة، الذي ارتبط اسمه بجيل من المناضلين جمعتهم تجربة السجن والعمل الوطني داخل المعتقل وخارجه".
ويختتم قائلا "نادر صدقة هو نموذج وطني صادق، جسّد معنى الانتماء الحقيقي للوطن بعيدا عن الانتماءات الدينية أو الفئوية، وظل طوال سنوات اعتقاله مثالا للمثقف المناضل الذي يوحّد الفلسطينيين على قضية الحرية والكرامة".
وجاء الإفراج عن نادر صدقة اليوم في إطار صفقة "طوفان الأحرار" التي أبرمتها المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي بوساطة مصرية وقطرية وتركية، وشملت إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، مقابل إفراج المقاومة عمن تبقى من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها في غزة.